قراءة فى كتاب بحث حول الصابئة
صفحة 1 من اصل 1
قراءة فى كتاب بحث حول الصابئة
قراءة فى كتاب بحث حول الصابئة
المؤلف محمد على الخامنئي والبحث يدور حول حكم الصابئة من حيث دفع الجزية واعتبارهم من أهل الكتاب أو لا وقد أرجع الخامئنى الإشكالات فى حكمهم إلى جعل الفقهاء بدين الصابئة فقال:
"ان القول بجريان احكام اهل الذمة أو عدم جريانها عليهم يحتاج إلى زيادة فحص في ادلة الحكم وايضا إلى بحث وتتبع جادين في معرفة الموضوع؛ اذ عمدة الاشكال في حكمهم ناشى ء من عدم المعرفة بحالهم وحقيقة دينهم واعتقادهم ولابد اولا من نقل الكلمات فيهم."
ونقل لنا الخامئنى أقوال القدماء عنهم فقال :
"أقوال الفقهاء
- قال الشيخ المفيد «وقد اختلف فقهاء العامة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الأصناف الثلاثة فقال مالك بن انس والاوزاعي كل دين بعد دين الاسلام سوى اليهودية والنصرانية فهو مجوسية وحكم اهله حكم المجوس.» ثم استمر في نقل الكلمات في تسويتهم مع المجوس. ثم قال «فأما نحن فلا نتجاوز بايجاب الجزية إلى غير من عددناه؛ لسنة رسول الله (ص) فيهم والتوقيف الوارد عنه في احكامهم.» ثم قال في مقام استبعاد ما ذكره القوم من تسوية الصابئة للمجوس «فلو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدقية والديصانية عندي بالمجوسية اولى من الصابئين؛ لانهم يذهبون في اصولهم مذاهب تقارب المجوسية وتكاد تختلط بهما.»
ثم ذكر بعض النحل المهجورة وبين قربها من النصرانية أو من مشركي العرب ثم قال
«فأما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه؛ لان جمهورهم يوحد الصانع في الازل ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الاصل. ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وانه المدبر لما في هذا العالم والدال عليه وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله عز وجل وسماها بعضهم ملائكة وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتا للعبادات وهؤلاء بالقياس إلى مشركي العرب وعباد الاوثان اقرب من المجوس؛ لانهم وجهوا عبادتهم إلى غير الله سبحانه في التحقيق وعلى القصد والضمير وسموا من عداه من خلقه باسمائه جل عما يقول المبطلون ... » "
وكلام المفيد فى التفرقة بين الصابئة والمجوس صحيح ففى القرآن الصابئة من المؤمنين بالله وأما المجوس فقد ذكروا ضمن الكفار
ثم قال :
- وقال الشيخ في الخلاف «الصابئة لا يؤخذ منهم الجزية ولا يقرون على دينهم وبه قال ابو سعيد الاصطخري وقال باقي الفقهاء انه يؤخذ منهم الجزية دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وايضا قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقال (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) ولم يأمر بأخذ الجزية منهم وايضا قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فشرط في اخذ الجزية ان يكونوا من أهل الكتاب وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب.»
- وقال الطبرسي في تفسير قوله تعالى (ان الذين آمنوا ... والصابئين) بعد نقل كلمات الفقهاء واهل اللغة في معنى الصابئة وما هم عليه من الاعتقاد «والفقهاء باجمعهم يجيزون اخذ الجزية منهم وعندنا لا يجوز ذلك؛ لانهم ليسوا باهل كتاب. » انتهى. واستدلاله يشبه ما مر من الخلاف.
- وفي تفسير علي بن ابراهيم في بيان قوله تعالى (ان الذين آمنوا والذين هادوا ... ) قال (يعني علي بن ابراهيم) «الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون وهم يعبدون الكواكب والنجوم .»
- وفي الجواهر بعد ما نقل عن ابن الجنيد تصريحه بأخذ الجزية منهم قال ولا باس به ان كانوا من احدى الفرق الثلاث ثم اخذ في ذكر اقوال من صرحوا بكون الصابئة داخلة في احدى تلك الفرق مع ما فيها من التضارب. ثم قال وحينئذ يتجه قبول الجزية منهم. ثم ذكر بعده اقوال من ينسبهم إلى عبادة النجوم وامثالها واضاف وعليه يتجه عدم قبولها منهم. إلى آخر كلامه .
ولكن الظاهر من كلام ابن الجنيد المذكور في مختلف العلامة انه حكم بدخول الصابئة في من يؤخذ منهم الجزية كفرقة مستقلة عن الفرق الثلاث المذكورين قبلها لا كجزء منها كما ان هذا ينبغي ان يكون هو المراد في كلام من يعتقد بأخذ الجزية من الصابئة؛ والا فأخذ الجزية من جميع الديانات الثلاث مما لا يختلف فيه اثنان ."
ومما سبق نجد أن ما انتقده المفيد فى كلام أهل السنة عن الخلط بين الصابئة والمجوس هو عينه ما وقع فيه علماء الشيعة من الخلط من خلال ما نقله من كتبهم وانتهى الخامئنى إلى التالى :
"محصل الأقوال:
اولا انه ليس في المسألة اجماع من اصحابنا؛ وذلك لمخالفة ابن الجنيد الذي هو من الذين لابد ان يعتنى بقولهم في تحقق الاجماع وعدمه ..
وثانيا ان الموضوع في هذه المسألة مما لم ينقح من قبل فقهائنا "
وبناء عليه فالمحصلة الاختلاف فى حكم القوم ,ان السبب هو عدم دراسة الفقهاء لدين القوم
وقال فى تحقيق الموضوع :
"التحقيق في المسألة
ثم بعد ما ثبت انه ليس هناك اجماع يمكن الركون اليه فتنقيح المسألة يتوقف تارة على الفحص عن الادلة اللفظية من العمومات والاطلاقات التي ربما يتحصل منها قاعدة كلية شاملة لمثل المقام أو ما يمكن الاستدلال به أحيانا في خصوص هذا المورد أو ما هو مقتضى الأصول العملية على فرض خلو المسألة عن الدليل الاجتهادي.
واخرى على زيادة تتبع وتنقيب لمعرفة الموضوع وإلقاء الضوء على الزوايا المعتمة منه."
وخلاصة كلامه أن المسألة تحتاج للدراسة الشاملة
وتناول الخامئنى المراد من كلمة الكتاب فى آية الجزية فقال :
"المراد من «الکتاب» في آية الجزية
فقد اشتهر ان عنوان «الكتاب» في الآيات القرآنية المبينة لحكم أهل الكتاب ومنها آية الجزية يراد به التوراة والانجيل قال في الجواهر «ان المنساق من الكتاب في القرآن العظيم هو التوراة والانجيل» ونقل عن منتهى العلامة دعوى الاجماع على ان اللام في الكتاب في آية الجزية للعهد اليهما .
الا اننا اثبتنا خلاف ذلك تفصيلا في ما سبق وقلنا ما حاصله ان عنوان «أهل الكتاب» في القرآن الكريم وان كان لا يبعد ان يراد به اليهود والنصارى على ما ربما يشهد به التتبع والتأمل الا ان عنوان «الكتاب» في الآيات الشريفة القرآنية اذا استعمل مجردا عن ذاك التعبير التركيبي (= أهل الكتاب) خاليا عن قرينة معينة لا يراد به التوراة والانجيل أو كتاب خاص آخر من كتب الانبياء السالفة بل يراد به مطلق ما نزل من السماء وحيا على نبي من انبياء الله من غير اختصاص أو اشارة إلى كتاب خاص.. وهكذا يتضح ايضا انه لا شاهد على تقييده بالكتب المشرعة اي التي جاءت بدين جديد؛ اذ الظاهر ان كتاب المجوس ليس من الكتب المشرعة ونبيهم ليس من اولي العزم فاطلاق الكتاب في الآية الشريفة يشمل غيره.
قال الله تعالى (ومنهم اميون لايعلمون الكتاب) وقال تعالى ايضا (وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين ءاسلمتم) فجعل أهل الكتاب والعلماء به في مقابلة الاميين ويريد بهم عباد الاصنام.
وقال تعالى (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) فجعل الكتاب في مقابلة الشرك.
وقال تعالى (كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) فجعل الكتاب مائزا للنبوة وحاكما لأهل الدين في ما اختلفوا فيه.
ومن الواضح ان هذه صفات لعامة كتب الله تعالى.
فهذه الآيات وغيرها تدل على ان الكتاب في مصطلح القرآن الكريم هو ما ينزل من الله تعالى على انبيائه لهداية الناس والحكم فيهم واخراجهم من ظلمات الكفر والشرك والالحاد فلم لا يكون الكتاب في آية الجزية بنفس المعنى؟! واي شاهد على استعماله في الاخص منه؟
هذا وتشهد ايضا لعموم معنى الكتاب في باب الجزية رواية الواسطي عن بعض اصحابنا قال سئل ابوعبدالله عن المجوس اكان لهم نبي؟ فقال نعم اما بلغك كتاب رسول الله (ص) إلى اهل مكة اسلموا والا نابذتكم بحرب فكتبوا إلى النبي (ص) أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الاوثان فكتب اليهم النبي (ص) اني لست آخذ الجزية الا من أهل الكتاب فكتبوا اليه يريدون بذلك تكذيبه زعمت انك لا تأخذ الجزية الا من أهل الكتاب ثم اخذت الجزية من مجوس هجر فكتب اليهم رسول الله (ص) ان المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب احرقوه اتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر الف جلد ثور ... ."
والرواية التى ذكرها الخامئنى نقلا باطلة لأنها تجعل النبى(ص) مكرها للناس على اعتناق الإسلام وهو ما يناقض قوله تعالى:
"لا إكراه فى الدين"
ثم قال:
"وقريب منها مرسلة الصدوق عن النبي (ص) ورواية الاصبغ بن نباتة عن اميرالمؤمنين .
وضعف اسناد هذه الروايات لا يضر بعد ما هو المعلوم من تلقي الاصحاب لمضامينها بالقبول والعمل بها في خصوص المجوس."
وكلام الخامئنى هو نفس ما تعيبه الشيعة على علماء السنة من العمل بالروايات الضعيفة التى لم تثبت وهو ما يعنى أن الفريقين معظمهم يحكمون بما منعه الله وهو الظن فقال:
"إن الظن لا يغنى من الحق شيئا"
ثم قال:
" مضافا إلى ان هناك روايات معتبرة وقع فيها التصريح بان المجوس اهل كتاب منها معتبرة سماعة
عن ابي عبدالله قال بعث النبي (ص) خالد بن الوليد إلى البحرين .. (الى ان قال) فكتب اليه رسول الله (ص) ان ديتهم مثل دية اليهود والنصارى وقال انهم أهل الكتاب . ومنها موثقة زرارة سالته عن المجوس ما حدهم؟ فقال هم من أهل الكتاب ومجراهم مجرى اليهود والنصارى في الحدود والديات» واضمار الرواية غير مضر بعد كون المضمر مثل زرارة."
وكل روايات الدية باطلة فهى فى القرآن ليس لها حد معين فلو كان لها حد لوجبت على الغنى وعلى الفقير ولكن لمما كانت غير واجبة على الكل لأنها بحسب درجة غنى الفرد فقد اعتبر الله عدم وجود مال مع الفقير عقوبته أن يصوم شهرين متتابعين فقال:
"فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
ونجد الخامئنى يقرر أن الجزية ثابتة فى حق ثلاث فرق وهو قوله:
"وربما يستفاد من الكلام الذي نقلناه عن المفيد ان هناك دليلا من السنة على اختصاص الجزية بالطوائف الثلاث (اليهود والنصارى والمجوس) واذا صح ذلك فاطلاق ما عرفت في الآية الكريمة (آية الجزية) ورواية الواسطي يقيد بهذا الدليل ويكون هذا شاهدا على ارادة خصوص الكتب الثلاثة من الكتاب في الآية قال في طي كلامه المنقول سابقا واما نحن فلا نتجاوز بايجاب الجزية إلى غير من عددناه؛ لسنة رسول الله (ص) فيهم والتوقيف الوارد في احكامهم"
ومع ذلك ناقض نفسه فاعتبر الجزية ثابتة فى كل من نزل عليه كتاب وحرف فقال :
"وحاصل الكلام في النقطة الأولى هو ان الكتاب في باب الجزية لا ينحصر في الكتابين كما لا ينحصر في الكتب المشرعة بل لو فرض ثبوت تبعية قوم لكتاب يحيى أو داود أو ادريس مثلا فهؤلاء من الذين اوتوا الكتاب فيحقن دماؤهم ويقرون على دينهم ويؤخذ منهم الجزية."
وتحدث الخامئنى عن أن الفقهاء جعلوا الفرقة ممن له شبهة كتاب وهو عنوان كما يقول قائم على غير نص وفيه قال :
"واجمال القول في ذلك ان احد العناوين التي تكرر ذكرها في هذا الباب من الكتب الفقهية عنوان «من له شبهة كتاب» والظاهر ان هذا التعبير ليس له اصل حديثي؛ اذ لم نجد في روايات هذه الابواب ما يمكن استقاء هذا التعبير منه وانما نشأ ذكره من عصر شيخ الطائفة وهو اول من وجدنا هذا العنوان في كلماته قال في المبسوط الكفار على ثلاثة اضرب اهل كتاب وهم اليهود والنصارى ... ومن له شبهة كتاب فهم المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب. إلى آخره .
وأخذ منه تلميذه ومعاصره القاضي ابن البراج ثم تبعهما في ذلك ابن ادريس والمحقق والعلامة ولم نجد في كلمات قدماء اصحابنا إلى زمان المحقق الحلي من استعمله غير من ذكرنا. وهؤلاء استعملوه تعبيرا عن المجوس وجعلوه مقابلا لعنوان أهل الكتاب المراد بهم اليهود والنصارى.
والظاهر من مساق كلماتهم ان في ذكر هذا التعبير نوع اشارة إلى مناط الحكم في امر المجوس فكان جريان ما يجري على المجوس من الاحكام انما نشأ من وجود الشبهة في امرهم أو في كتابهم..ومما يقوي هذا الاحتمال في كلامهم ما ذكره العلامة في المنتهى فانه قال في مقام الرد على ابي حنيفة الذي قاس مشركي العرب بأهل الكتاب والمجوس ما لفظه والجواب بالفرق بين المقيس والمقيس عليه؛ فان أهل الكتاب لهم كتاب يتدينون به والمجوس لهم شبهة كتاب ثم نقل رواية الواسطي ثم قال والشبهة تقوم مقام الحقيقة في ما بني على الاحتياط فحرمت دماؤهم للشبهة بخلاف من لا كتاب له ولا شبهة كتاب انتهى."
وانتهى إلى أن ادلة الموضوع لا تزيد عن الشبهة وعن حرمة الدماء بالشبهة فقال :
"وحاصل ما ذكرنا إلى هنا هو ان المناط في الحاق المجوس باليهود والنصارى في احكامهم هو وجود الشبهة في امرهم وعدم احراز كونهم غير منتمين إلى نبي من الانبياء وكتاب من الكتب السماوية.
ثم ان اناطة حرمة الدماء والنفوس بالشبهة امر موافق لما علمناه من الشرع من الاحتياط في امر الدماء والاموال والفروج مضافا إلى ان من الممكن القول بان هدر الدماء وحل النفوس انما يختص بالمحاربين للدولة الاسلامية دون غيرهم من الكفار "
وتحدث عن أن كل الأقوام تعتبر أهل الكتاب باعتبار نزول كتاب على كل أمة ولكنه حرف وحرف معه الدين الذى سمى باسم مختلف عند كل قوم وفى هذا قال:
"والمعنى ان ما بيد القوم من الكتاب الذي يزعمونه كتابا سماويا ليس هو الكتاب السماوي الذي نزل على نبيهم؛ بمعنى ان الأمر اشتبه عليهم في ذلك كما هو الحال في المجوس بحسب ما ورد فيهم من الروايات حيث ورد انه كان لهم نبي وقد انزل عليه كتاب ولكن احرق الكتاب ولم يبق منه شي ء فما هو الآن بايديهم ليس هو الكتاب الحقيقي النازل من السماء بل شي ء مشتبه به فعلى هذا المعنى يختلف الأمر مع ما ذكرناه على المعنى السابق؛ اذ الحكم بالنسبة لمن حاله هكذا كالمجوس ليس حكما احتياطيا؛ لانهم أهل الكتاب واقعا وليس من جهة اشتباههم بأهل الكتاب فالحكم فيهم بعينه هو الحكم في اليهود والنصارى.
الا ان صحة استعمال هذا التعبير في حق كل طائفة ونحلة يتوقف على اثبات كونها اهل كتاب واقعا بدليل معتبر كما هو الحال في حق المجوس ولا يكفي فيه الحدس الظني من طريق مقارنة ما بايديهم من الكتاب بما تحتويه الكتب السماوية عادة أو من اي طريق ظني آخر.
فحينئذ لو فرض ثبوت مثل هذا الدليل في باب الصابئة فهو والا فاجراء عنوان «من له شبهة الكتاب» في حقهم مشكل."
وحدثنا عن حكم تصديق كلام الصابئة عن كونهم أهل كتاب وتوحيد ورسل فقال :
"الأمر الثالث
هل يجوز التمسك بدعواهم في عقائدهم اذا ادعوا التوحيد والاعتقاد بنبي من الانبياء وكتاب من الكتب السماوية وامثال ذلك؟ ربما يتبادر ذلك إلى الذهن من وجوه
اولا افتى الفقهاء بحجية قول الكافر اذا ادعى انه كتابي بمعنى أهل الكتاب المعروفين اعني اليهود والنصارى. قال في المبسوط اذا احاط المسلمون بقوم من المشركين فذكروا انهم اهل كتاب وبذلوا الجزية فانه تقبل منهم. إلى آخر كلامه .
والظاهر انه اراد من أهل الكتاب اليهود والنصارى المعروفين بهذا العنوان فاذا كان قول الكافر حجة في ذلك فلم لا يكون حجة اذا ادعى انه موحد وانه من متبعي احد انبياء الله تعالى؟!
ثانيا ان الآية الشريفة (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا ... ) تجعل قول من كان يعرف بالكفر حجة في دعواه الاسلام فلم لا يكون حجة من باب تنقيح المناط في دعواه التوحيد والايمان بنبي من الانبياء؟!
اذ المناط هو عدم التعرض لمن يظهر انه ممن لا يجوز التعرض لهم سواء من جهة الاسلام أو من جهة الاندراج في الطوائف الذين لا يتعرض لهم من الكفار وليس خصوصية لدعوى الاسلام ولذا لو ادعى انه من اهل الذمة يسمع منه ايضا.
وثالثا ان قبول قول اهل الملل في عقائدهم امر عقلائي لا يتخلف عنه العقلاء عادة"
وانتهى الخامئنى إلى وجوب تصديق القوم فى كلامهم خاصة أن ما فى كتبهم الحالية يوافق ما يدعون فقال :
"وعلى هذا فالتمسك بدعوى الصابئة في بيان عقائدهم وما ينتحلونه من المعارف والاحكام امر عقلائي موافق لبناء العقلاء في امثال ذلك. فلو فرض انهم يدعون الايمان بالله واليوم الآخر والاتباع لنبي من انبياء الله المعروفين لدينا والعمل بكتاب من الكتب السماوية التي يفرض نزولها من عند الله فمقتضى القاعدة العقلائية التي لم يردع عنها الشارع هو الاخذ بكلامهم والتبني لدعواهم بغير تطرق وسوسة وريب في ذلك."
ومع كلامه السابق العقلانى إلا أنه أبى أن يشكك فيما قاله راجعا للشك فى كونهم من أهل الكتاب فقال :
"الأمر الرابع
لو بقي الشك في كونهم ممن أوتي الكتاب فما هو مقتضى القاعدة في ذلك؟ وهل هناك اصل لفظي أو عملي يعمل بمقتضاه؟
ظاهر كلام الشيخ في الخلاف ان الاصل بالنسبة إلى كل ملة لم يحرز كونهم كتابيين هو عدم قبول الجزية منهم وعدم اقرارهم على دينهم. قال في مقام الاستدلال على جريان هذا الحكم بالنسبة للصابئة دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وايضا قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقال (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) ولم يأمر بأخذ الجزية منهم وايضا قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) . فشرط في اخذ الجزية ان يكونوا من أهل الكتاب وهؤلاء ليسوا بأهل الكتاب. انتهى .
وحاصل كلامه ان هناك اصلا لفظيا وهو عموم هذا الحكم في الآيات المذكورة بالنسبة إلى ما سوى أهل الكتاب من الكفار.."
وكلام المقيد أو غير السابق هو كلام لا يربط الكلام ببغضه فقتال المشركين ليس مباحا باستمرار لأن الله ربط قتالهم بالاعتداء هم والكتابيين وغيرهم فقال:
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وعاد لكلامه السابق عن أن الكتاب يشمل كل الأقوام التى نزل عليها كتاب وليس الكتب الاثنين أو الثلاث فقال:
"وفي ما نحن فيه اذا فرض ان الدليل المخصص اعني آية الجزية مجمل من حيث المفهوم فيحتمل فيه ارادة خصوص اهل الكتب الثلاثة أو الكتب المشرعة كما يحتمل شموله لهم ولغيرهم فدلالة هذا الدليل على حكم غير اهل الكتب الثلاثة غير معلوم في حين ان دلالة العام اي عمومات الكفار عليهم ثابتة بلا ريب فيحكم عليهم بمقتضاه."
وتحدث فى المقتضى العملى على ان المورد مجرى استصحاب عدم كون الصابئة ممن اوتي الكتاب فقال:
"مقتضى الاصل العملي
واما الاصل العملي فربما يبدو ان المورد مجرى استصحاب عدم كون الصابئة ممن اوتي الكتاب ويمكن تقريره على وجهين
الأول ان يكون المراد بالعدم المستصحب هو العدم المفروض في ما قبل وجود الصابئة فيكون هذا الاستصحاب من جزئيات استصحاب عدم الخصوصية المفروض في ظرف عدم موضوعها المعروف لدى الاصوليين باستصحاب العدم الازلي ففي ما نحن فيه يصدق ان هؤلاء قبل وجودهم لم يكونوا ممن اوتي الكتاب فيستصحب هذا العدم.
فالحاصل ان جريان استصحاب عدم الكتابية في ما نحن فيه لا يستقيم بوجه. فالظاهر ان المورد مجرى اصالة الاحتياط من جهة لزوم ذلك في باب النفوس والاموال والاعراض والله العاصم.
هذا كله في الامور الراجعة إلى كبريات المسألة."
وقد انتهى فى الفقرة السابقة إلى رد جريان استصحاب عدم الكتابية في ما نحن فيه
وطرح الرجل مسألة هل يمكن الاستدلال على كون الصابئة أهل كتاب وأجاب فقال :
"واما المحور الثاني اعني النقاط الصغروية التي لا بد من البحث عنها
فالنقطة الأولى منها انه هل هناك ما يمكن الاستشهاد به على ان الصابئة اهل كتاب؟
والجواب على ذلك انه ربما يمكن الاستدلال على انهم اهل كتاب بوجوه
منها ما يستفاد من الآيات الكريمة القرآنية التي ذكر فيها اسم الصابئين وهي ثلاث آيات الآية الأولى قوله تعالى في سورة المائدة (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
وقريب منها الآية الثانية وهي قوله تعالى في سورة البقرة (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
ويستفاد من الآيتين اولا ان عقائدهم مشتملة على الايمان بالله واليوم الآخر؛ والا لم يكن وجه لذكر ذلك عنهم.
وثانيا ان من آمن منهم بالله واليوم الآخر وقرن ذلك بالعمل الصالح فهو من اهل النجاة وهذا لا يكون الا في صورة صحة هذا الدين وكونه نازلا من قبل الله تعالى.
وثالثا ان الاديان الثلاثة مستقلة بعضها عن بعض على ما هو الظاهر المتبادر من تعدادها مردفا ومقترنا بعضها مع بعض. وما ربما احتمل في بعض الكلمات من ان ذكر الصابئين من باب ذكر الخاص بعد العام يبعده بل ينفيه ذكرهم بعد اليهود في آية وبعد النصارى في الآية الأخرى."
ومجمل كلام الخامئنى فى الفقرة السابقة أنهم أهل كتاب وفق آيات القرآن وناقش قول أحد أساتذته فى المسألة مظهرا تناقضه فى أمر الصابئة فقال :
"ومما ذكرنا يعرف وجه المناقشة في ما ذكره بعض اعاظم اساتذتنا في تفسيره فانه بعد نقل كلام طويل عن البيروني في تاريخ الصابئة وبعض ما ينسب اليهم من العقائد قال وما نسبه إلى بعض من تفسير الصابئة بالمذهب الممتزج من المجوسية واليهودية مع اشياء من الحرانية هو الاوفق بما في الآية؛ فان ظاهر السياق ان التعداد لاهل الملة انتهى. فظهور الآية بان الصابئين اهل ملة وهذا ما اعترف به يعارض ما توهمه من ان مذهبهم مزيج من المذاهب الثلاثة؛ اذ ظاهر الآية كونهم اهل ملة غير الملل الأخرى المذكورة فيها لا انها ملتقط بشري من سائر الاديان مضافا إلى ان ما نسبه البيروني اليهم لا يعترف به المنتمون إلى هذا المذهب ظاهرا.
ثم ان ما ذكرناه من ايمانهم بالله واليوم الآخر وان دينهم صحيح ونازل من الله تعالى عبارة أخرى عن كونهم من «أهل الكتاب» بناء على ان هذا العنوان اعم من ان يكون الكتاب نازلا على نبي هذه الجماعة ابتداء وبخصوصه وان يكون نازلا على نبي آخر يتبعه ويروج دينه النبي الذي ينتمون اليه. واما بناء على ان عنوان أهل الكتاب خاص بامة نبي نزل عليه كتاب بالخصوص ولا يشمل امة من كان بدوره تابعا لنبي آخر فالآيتان بما ذكر من مفادهما ليس فيهما دلالة واضحة على كون الصابئة من أهل الكتاب وان ما تدلان على كونهم ذوي شريعة الهية ولو مع عدم صدق عنوان أهل الكتاب عليهم. ولعل من استفاد من الآيتين ان الصابئين من أهل الكتاب كبعض اعلام هذا العصر في جهاد منهاجه لم يفهم من عنوان أهل الكتاب الا الاعم وهو الاظهر.
واما الآية الثالثة فهي قوله تعالى في سورة الحج (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شي ء شهيد) .
والظاهر من التصنيف الثلاثي فيها ان كل صنف يلي موصولا على حدة ذو طبيعة وحكم مباين للصنفين الآخرين
والحاصل ان هذه الآية لها ظهور تام في ان الصابئين في عداد اليهود والنصارى والمجوس من جهة كونهم اهل دين وكتاب سماوي وان كلا من الفرق الاربعة مستقل في نفسه؛ بمعنى عدم كونه داخلا وجزء من فرقة أخرى.
والمتحصل مما ذكرنا ان الاستدلال بالآيات الثلاثة على ان الصابئة في عداد أهل الكتاب مما لا بأس به بل لا غبار عليه.
الوجه الثاني مما يمكن الاستدلال به لذلك المضامين المنقولة عن كتبهم التي يعتبرونها سماوية وينسبونها إلى انبياء الله المعروفين لدينا كما نقل عن ما يسمى «كنزا ربا» ومعناه على ما يقال الكنز الكبير فانها مشتملة على عقائد لا تعهد الا من الاديان الحقيقية الالهية كعقيدة التوحيد والمعاد وتسمية الحق المتعال بالاسماء الحسنى والصفات العليا ونسبة كل شي ء اليه والى ارادته وما إلى ذلك وهم يدعون ان الكتاب المشتمل على ذلك هو كتاب يحيى (ص) الذي يعتبرونه آخر انبياء الله تعالى أو كتاب شيث وصحف آدم أو كتاب ادريس (ص) بحسب اختلاف ما ينقل عنهم.
فبناء على ما رجحناه سابقا من تصديق اصحاب الملل والنحل في ما يبدونه من عقائدهم وكون ذلك حجة على غيرهم بحسب البناء العقلائي غير المردوع عنه شرعا لا يبقى مجال لانكار صحة هذا الدين في اصله وانه منسوب إلى احد انبياء الله (ص).
ثم انه لما كان اصل نزول كتاب على يحيى وآدم مسلما نطق به القرآن الكريم كما سنذكره فنسبة كتاب الصابئين إلى احدهما اما ان تكون صادقة أو خاطئة فعلى الأول يكون هؤلاء اهل كتاب بلا ريب وعلى الثاني يكون ممن بيدهم شبهة كتاب كالمجوس على ما بيناه في معنى هذا العنوان فكونهم ممن يقر على دينهم كاليهود والنصارى والمجوس امر لا محيص من الالتزام به.
واما نزول الكتاب على يحيى فهو وان كان الظاهر من قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة ... ) لكن لو نوقش في دلالته بان المراد بالكتاب فيه هو التوراة بدلالة لام العهد فلا يدل على كون يحيى صاحب كتاب آخر حتى يحتمل كونه هو الذي بيد الصابئة وليس هذا الذي يدعونه كتاب يحيى هو التوراة حتى يحكم بكونهم من اهل التوراة فلا شي ء هناك يصحح لهم عنوان «أهل الكتاب» أو اهل شبهة كتاب لقلنا في الجواب اولا يكفي في اثبات الكتاب ليحيى آيات سورة الانعام حيث يقول تعالى بعد ذكر عدة من الانبياء منهم زكريا ويحيى وعيسى والياس واسماعيل واليسع ويونس ولوط وغيرهم وذكر اجتبائهم وهدايتهم من عند الله تعالى
(اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) والظاهر من الآية بلا ريب ان كلا من هؤلاء المذكورين أوتي كتابا مستقلا غير ما أوتي الآخرون بقرينة الحكم والنبوة وبعيد غاية البعد ان يحمل الكتاب في الآية على كتاب خاص أو كتابين وهما التوراة والانجيل كما ان من البعيد جدا ان يكون المراد بايتاء الكتاب لنبي من الانبياء الزامه بالعمل بكتاب نزل على نبي آخر قبله والشاهد على ذلك انه لا يقال ان عيسى أوتي التوراة مع انه كان مصدقا للتوراة وعلمه الله اياه وامره بالعمل بما فيه ولكنه أوتي الانجيل قال الله تعالى (وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور) .
ثم بعدما ثبت دلالة آية سورة الانعام على ان يحيى(ص) اوتي كتابا مستقلا عن التوراة فاللام في آية سورة مريم اعني قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) يمكن ان يكون للعهد إلى هذا الكتاب بل هو اقرب احتمالا من كونه اشارة إلى التوراة كما يظهر وجهه من بعض ما ذكرناه آنفا بل يمكن ان يقال ان من البعيد عن الحكمة والبلاغة ان يؤمر نبي من الانبياء وقد أوتي الكتاب من الله تعالى بان ياخذ كتاب نبي آخر سبق عليه مئات من السنين وان ياخذه بقوة خصوصا مع العلم بان ذاك الكتاب مع ما جاء به من الشريعة سوف ينسخ عما قريب بكتاب نبي آخر من انبياء اولي العزم وهو عيسى (ص).
وثانيا سلمنا ذلك ولكن لم يدل دليل قطعي على ان التوراة الموجود هو جميع التوراة المنزل على موسى(ص) فليكن هذا الذي بيد الصابئة جزء من التوراة الواقعي التام كما ان الذي بيد اليهود جزء آخر منه وعليه فليكن هؤلاء اهل كتاب هو التوراة لكن من طريق يحيى بل لو ادعى انه الجزء الاصح منه بالقياس إلى الذي كان بيد اليهود المعاصرين ليحيى المحرفين المنحرفين لم يكن بعيدا عن الاعتبار كثيرا.
ثم ان ما ذكرنا من احتمال انتساب كتاب الصابئين إلى يحيى(ص) يتأتى تماما بالنسبة لاحتمال انتسابه إلى آدم وعلى فرض التحريف والغلط يكون من مصاديق عنوان شبهة الكتاب كما سبق."
وانتهى الرجل من الكلام السابق لكون الصابئة أهل كتاب فقال :
"فنتيجة البحث في النقطة الأولى ان الاقوى والاظهر بحسب الادلة ان الصابئين يعدون من أهل الكتاب."
وطرح سؤال أخر هل يعتبر الصابئة من اليهود أو النصارى أو المجوس أم غيرهم وأجاب فقال:
"النقطة الثانية هل الصابئة يعدون من شعب بعض الاديان الثلاثة اليهود والنصارى والمجوس أو انهم نحلة أخرى غير هؤلاء؟
والجواب على ذلك قد علم من بعض ما ذكرنا في توضيح النقطة الأولى فلا دليل على ما قيل وقد مضى في ما نقلناه من كلمات بعض الفقهاء من انهم شعبة من اليهود أو انهم مجوسيون وامثال ذلك مما نقله في الجواهر عن غير واحد من الفقهاء كالشافعي وابن حنبل والسدي ومالك وغيرهم بل لعل مقتضى ما ذكرنا الجزم بخلافه."
فالقوم حسب كلامه دين أخر ليس من الثلاثة وتحدث عن حكم دين الصابئة الحالى فقال :
"النقطة الثالثة ربما يتبادر إلى بعض الاذهان ان العقائد المنسوبة إلى الصابئة تمنع من انعقاد الظن بكونها الهية فلا بأس بان يجاب على هذا السؤال هل ان ما يشكل العقائد الاصلية أو المجموعة العقائدية لهم يشتمل على مثل ذلك؟
والحق الذي ينبغي الاعتراف به هو اننا لا نعرف من المعارف والاحكام الدينية لهذه النحلة التاريخية والتي اصبح المنتمون اليها موجودين بين ايدينا وفي عقر بلادنا شيئا كثيرا تسكن النفس بملاحظته إلى معرفة اصحابها والباحث في هذا الموضوع يجد في حقل البحث الموضوعي فيه فراغا كبيرا لم يسد مع الاسف مع ما بايدينا من الاشارات الخاطفة الموجودة في كتب الملل والنحل ولهذا فالقول الحاسم في باب عقائدهم واحكامهم وتقاليدهم الدينية مما لا يسهل في هذا المقام الا ان الذي يبدونه من ذلك في بعض منشوراتهم والتي يقال عنها انها مأخوذة من كتابهم الديني المسمى «كنزاربا» يرسم لنا صورة اجمالية عن أس عقائدهم
ولكن لا يخفى على المتأمل في ذلك ان ما بأيديهم من العقائد المردودة ليس بأكثر عما هو معروف عن بعض الاديان الالهية المحرفة المنسوخة اصحاب الكتب الالهية النازلة على انبياء الله وهذا من امر ما مر على شرائع الله تعالى في خلقه؛ ان تعرضت يد التحريف والجعل الناشئين تارة من الجهل وأخرى من الاغراض المختلفة"
وبناء على كلامه فالدين الحالى للصابئة هو كتاب محرف مخالف لدين الله
وتحدث عما يعنيه لفظ الصابئة فقال:
"النقطة الرابعة ذكر بعض من تعرض للتعريف اللغوي أو التاريخي للصابئين ان اسمهم هذا مشتق من «صبا» بمعنى خرج ويقال لهم الصابىء؛ لخروجهم من دين إلى دين.
ويذكرون في وجه ذلك امورا (راجع التفسير للرازي وغيره وغير واحد من كتب اللغة) فربما يتبادر إلى الذهن ان هذا لا يتلاءم مع الانتساب إلى اصل الهي ونبي وكتاب سماوي.
اقول اولا في مقابل هذا الوجه في تسميتهم وجه آخر ذكره بعض الفضلاء والمحققين في رسالة كتبها في التعريف بالصابئة وهو ان هذه الكلمة (الصابئ) من اصل آرامي بمعنى «المغتسل» وقد سموا بها لاهتمامهم بالغسل بالماء بحيث انه احد اركان احكامهم الشرعية؛ ولذا يسمون في عرف اهل الملل بالصابئة المغتسلة."
وقد انتهى إلى أن معنى الصابئة قائم على كلام ظنى فالصابئة عند أنفسهم تعنى المتطهرون وعند غيرهم تعنى الخارجون على الدين وفى هذا قال :
"وثانيا امثال هذه الاعتبارات المبنية على الحدس الظني مما لا وزن لها في استنباط الحكم الشرعي حتى ولو لم يذكر في وجه تسميتهم ما ذكرناه عن ذاك البعض؛ فان هذه الوجوه الظنية لا تغني من الحق شيئا"
والاشكال فى هذا البحث وكل مسائل الجزية قائم على تفسير الذين أوتوا الكتاب فى قوله:
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"
فالذين أوتوا الكتاب لا يمكن أن يكون أهل الكتاب لأنهم مؤمنون بالله واليوم الآخر بينما الآية تتحدث عن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر كما تتحدث عمن لا يحرمون ما حرم الله وتتحدث عمن لا يدينون بدين الله ومن ثم فهى تتحدث عن كل طوائف الكفر
ومن ثم فالذين أوتوا الكتاب هم الذين أعطوا العهد وهو الميثاق ميثاق السلام بينهم وبين المسلمين وبمعنى أخر تتحدث عن المعاهدين الذين يقاتلون المسلمين فأصل الآية:
قاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
المؤلف محمد على الخامنئي والبحث يدور حول حكم الصابئة من حيث دفع الجزية واعتبارهم من أهل الكتاب أو لا وقد أرجع الخامئنى الإشكالات فى حكمهم إلى جعل الفقهاء بدين الصابئة فقال:
"ان القول بجريان احكام اهل الذمة أو عدم جريانها عليهم يحتاج إلى زيادة فحص في ادلة الحكم وايضا إلى بحث وتتبع جادين في معرفة الموضوع؛ اذ عمدة الاشكال في حكمهم ناشى ء من عدم المعرفة بحالهم وحقيقة دينهم واعتقادهم ولابد اولا من نقل الكلمات فيهم."
ونقل لنا الخامئنى أقوال القدماء عنهم فقال :
"أقوال الفقهاء
- قال الشيخ المفيد «وقد اختلف فقهاء العامة في الصابئين ومن ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الأصناف الثلاثة فقال مالك بن انس والاوزاعي كل دين بعد دين الاسلام سوى اليهودية والنصرانية فهو مجوسية وحكم اهله حكم المجوس.» ثم استمر في نقل الكلمات في تسويتهم مع المجوس. ثم قال «فأما نحن فلا نتجاوز بايجاب الجزية إلى غير من عددناه؛ لسنة رسول الله (ص) فيهم والتوقيف الوارد عنه في احكامهم.» ثم قال في مقام استبعاد ما ذكره القوم من تسوية الصابئة للمجوس «فلو خلينا والقياس لكانت المانوية والمزدقية والديصانية عندي بالمجوسية اولى من الصابئين؛ لانهم يذهبون في اصولهم مذاهب تقارب المجوسية وتكاد تختلط بهما.»
ثم ذكر بعض النحل المهجورة وبين قربها من النصرانية أو من مشركي العرب ثم قال
«فأما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم ممن عددناه؛ لان جمهورهم يوحد الصانع في الازل ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الاصل. ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق وانه المدبر لما في هذا العالم والدال عليه وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله عز وجل وسماها بعضهم ملائكة وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتا للعبادات وهؤلاء بالقياس إلى مشركي العرب وعباد الاوثان اقرب من المجوس؛ لانهم وجهوا عبادتهم إلى غير الله سبحانه في التحقيق وعلى القصد والضمير وسموا من عداه من خلقه باسمائه جل عما يقول المبطلون ... » "
وكلام المفيد فى التفرقة بين الصابئة والمجوس صحيح ففى القرآن الصابئة من المؤمنين بالله وأما المجوس فقد ذكروا ضمن الكفار
ثم قال :
- وقال الشيخ في الخلاف «الصابئة لا يؤخذ منهم الجزية ولا يقرون على دينهم وبه قال ابو سعيد الاصطخري وقال باقي الفقهاء انه يؤخذ منهم الجزية دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وايضا قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقال (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) ولم يأمر بأخذ الجزية منهم وايضا قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فشرط في اخذ الجزية ان يكونوا من أهل الكتاب وهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب.»
- وقال الطبرسي في تفسير قوله تعالى (ان الذين آمنوا ... والصابئين) بعد نقل كلمات الفقهاء واهل اللغة في معنى الصابئة وما هم عليه من الاعتقاد «والفقهاء باجمعهم يجيزون اخذ الجزية منهم وعندنا لا يجوز ذلك؛ لانهم ليسوا باهل كتاب. » انتهى. واستدلاله يشبه ما مر من الخلاف.
- وفي تفسير علي بن ابراهيم في بيان قوله تعالى (ان الذين آمنوا والذين هادوا ... ) قال (يعني علي بن ابراهيم) «الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون وهم يعبدون الكواكب والنجوم .»
- وفي الجواهر بعد ما نقل عن ابن الجنيد تصريحه بأخذ الجزية منهم قال ولا باس به ان كانوا من احدى الفرق الثلاث ثم اخذ في ذكر اقوال من صرحوا بكون الصابئة داخلة في احدى تلك الفرق مع ما فيها من التضارب. ثم قال وحينئذ يتجه قبول الجزية منهم. ثم ذكر بعده اقوال من ينسبهم إلى عبادة النجوم وامثالها واضاف وعليه يتجه عدم قبولها منهم. إلى آخر كلامه .
ولكن الظاهر من كلام ابن الجنيد المذكور في مختلف العلامة انه حكم بدخول الصابئة في من يؤخذ منهم الجزية كفرقة مستقلة عن الفرق الثلاث المذكورين قبلها لا كجزء منها كما ان هذا ينبغي ان يكون هو المراد في كلام من يعتقد بأخذ الجزية من الصابئة؛ والا فأخذ الجزية من جميع الديانات الثلاث مما لا يختلف فيه اثنان ."
ومما سبق نجد أن ما انتقده المفيد فى كلام أهل السنة عن الخلط بين الصابئة والمجوس هو عينه ما وقع فيه علماء الشيعة من الخلط من خلال ما نقله من كتبهم وانتهى الخامئنى إلى التالى :
"محصل الأقوال:
اولا انه ليس في المسألة اجماع من اصحابنا؛ وذلك لمخالفة ابن الجنيد الذي هو من الذين لابد ان يعتنى بقولهم في تحقق الاجماع وعدمه ..
وثانيا ان الموضوع في هذه المسألة مما لم ينقح من قبل فقهائنا "
وبناء عليه فالمحصلة الاختلاف فى حكم القوم ,ان السبب هو عدم دراسة الفقهاء لدين القوم
وقال فى تحقيق الموضوع :
"التحقيق في المسألة
ثم بعد ما ثبت انه ليس هناك اجماع يمكن الركون اليه فتنقيح المسألة يتوقف تارة على الفحص عن الادلة اللفظية من العمومات والاطلاقات التي ربما يتحصل منها قاعدة كلية شاملة لمثل المقام أو ما يمكن الاستدلال به أحيانا في خصوص هذا المورد أو ما هو مقتضى الأصول العملية على فرض خلو المسألة عن الدليل الاجتهادي.
واخرى على زيادة تتبع وتنقيب لمعرفة الموضوع وإلقاء الضوء على الزوايا المعتمة منه."
وخلاصة كلامه أن المسألة تحتاج للدراسة الشاملة
وتناول الخامئنى المراد من كلمة الكتاب فى آية الجزية فقال :
"المراد من «الکتاب» في آية الجزية
فقد اشتهر ان عنوان «الكتاب» في الآيات القرآنية المبينة لحكم أهل الكتاب ومنها آية الجزية يراد به التوراة والانجيل قال في الجواهر «ان المنساق من الكتاب في القرآن العظيم هو التوراة والانجيل» ونقل عن منتهى العلامة دعوى الاجماع على ان اللام في الكتاب في آية الجزية للعهد اليهما .
الا اننا اثبتنا خلاف ذلك تفصيلا في ما سبق وقلنا ما حاصله ان عنوان «أهل الكتاب» في القرآن الكريم وان كان لا يبعد ان يراد به اليهود والنصارى على ما ربما يشهد به التتبع والتأمل الا ان عنوان «الكتاب» في الآيات الشريفة القرآنية اذا استعمل مجردا عن ذاك التعبير التركيبي (= أهل الكتاب) خاليا عن قرينة معينة لا يراد به التوراة والانجيل أو كتاب خاص آخر من كتب الانبياء السالفة بل يراد به مطلق ما نزل من السماء وحيا على نبي من انبياء الله من غير اختصاص أو اشارة إلى كتاب خاص.. وهكذا يتضح ايضا انه لا شاهد على تقييده بالكتب المشرعة اي التي جاءت بدين جديد؛ اذ الظاهر ان كتاب المجوس ليس من الكتب المشرعة ونبيهم ليس من اولي العزم فاطلاق الكتاب في الآية الشريفة يشمل غيره.
قال الله تعالى (ومنهم اميون لايعلمون الكتاب) وقال تعالى ايضا (وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين ءاسلمتم) فجعل أهل الكتاب والعلماء به في مقابلة الاميين ويريد بهم عباد الاصنام.
وقال تعالى (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) فجعل الكتاب في مقابلة الشرك.
وقال تعالى (كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) فجعل الكتاب مائزا للنبوة وحاكما لأهل الدين في ما اختلفوا فيه.
ومن الواضح ان هذه صفات لعامة كتب الله تعالى.
فهذه الآيات وغيرها تدل على ان الكتاب في مصطلح القرآن الكريم هو ما ينزل من الله تعالى على انبيائه لهداية الناس والحكم فيهم واخراجهم من ظلمات الكفر والشرك والالحاد فلم لا يكون الكتاب في آية الجزية بنفس المعنى؟! واي شاهد على استعماله في الاخص منه؟
هذا وتشهد ايضا لعموم معنى الكتاب في باب الجزية رواية الواسطي عن بعض اصحابنا قال سئل ابوعبدالله عن المجوس اكان لهم نبي؟ فقال نعم اما بلغك كتاب رسول الله (ص) إلى اهل مكة اسلموا والا نابذتكم بحرب فكتبوا إلى النبي (ص) أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الاوثان فكتب اليهم النبي (ص) اني لست آخذ الجزية الا من أهل الكتاب فكتبوا اليه يريدون بذلك تكذيبه زعمت انك لا تأخذ الجزية الا من أهل الكتاب ثم اخذت الجزية من مجوس هجر فكتب اليهم رسول الله (ص) ان المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب احرقوه اتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر الف جلد ثور ... ."
والرواية التى ذكرها الخامئنى نقلا باطلة لأنها تجعل النبى(ص) مكرها للناس على اعتناق الإسلام وهو ما يناقض قوله تعالى:
"لا إكراه فى الدين"
ثم قال:
"وقريب منها مرسلة الصدوق عن النبي (ص) ورواية الاصبغ بن نباتة عن اميرالمؤمنين .
وضعف اسناد هذه الروايات لا يضر بعد ما هو المعلوم من تلقي الاصحاب لمضامينها بالقبول والعمل بها في خصوص المجوس."
وكلام الخامئنى هو نفس ما تعيبه الشيعة على علماء السنة من العمل بالروايات الضعيفة التى لم تثبت وهو ما يعنى أن الفريقين معظمهم يحكمون بما منعه الله وهو الظن فقال:
"إن الظن لا يغنى من الحق شيئا"
ثم قال:
" مضافا إلى ان هناك روايات معتبرة وقع فيها التصريح بان المجوس اهل كتاب منها معتبرة سماعة
عن ابي عبدالله قال بعث النبي (ص) خالد بن الوليد إلى البحرين .. (الى ان قال) فكتب اليه رسول الله (ص) ان ديتهم مثل دية اليهود والنصارى وقال انهم أهل الكتاب . ومنها موثقة زرارة سالته عن المجوس ما حدهم؟ فقال هم من أهل الكتاب ومجراهم مجرى اليهود والنصارى في الحدود والديات» واضمار الرواية غير مضر بعد كون المضمر مثل زرارة."
وكل روايات الدية باطلة فهى فى القرآن ليس لها حد معين فلو كان لها حد لوجبت على الغنى وعلى الفقير ولكن لمما كانت غير واجبة على الكل لأنها بحسب درجة غنى الفرد فقد اعتبر الله عدم وجود مال مع الفقير عقوبته أن يصوم شهرين متتابعين فقال:
"فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
ونجد الخامئنى يقرر أن الجزية ثابتة فى حق ثلاث فرق وهو قوله:
"وربما يستفاد من الكلام الذي نقلناه عن المفيد ان هناك دليلا من السنة على اختصاص الجزية بالطوائف الثلاث (اليهود والنصارى والمجوس) واذا صح ذلك فاطلاق ما عرفت في الآية الكريمة (آية الجزية) ورواية الواسطي يقيد بهذا الدليل ويكون هذا شاهدا على ارادة خصوص الكتب الثلاثة من الكتاب في الآية قال في طي كلامه المنقول سابقا واما نحن فلا نتجاوز بايجاب الجزية إلى غير من عددناه؛ لسنة رسول الله (ص) فيهم والتوقيف الوارد في احكامهم"
ومع ذلك ناقض نفسه فاعتبر الجزية ثابتة فى كل من نزل عليه كتاب وحرف فقال :
"وحاصل الكلام في النقطة الأولى هو ان الكتاب في باب الجزية لا ينحصر في الكتابين كما لا ينحصر في الكتب المشرعة بل لو فرض ثبوت تبعية قوم لكتاب يحيى أو داود أو ادريس مثلا فهؤلاء من الذين اوتوا الكتاب فيحقن دماؤهم ويقرون على دينهم ويؤخذ منهم الجزية."
وتحدث الخامئنى عن أن الفقهاء جعلوا الفرقة ممن له شبهة كتاب وهو عنوان كما يقول قائم على غير نص وفيه قال :
"واجمال القول في ذلك ان احد العناوين التي تكرر ذكرها في هذا الباب من الكتب الفقهية عنوان «من له شبهة كتاب» والظاهر ان هذا التعبير ليس له اصل حديثي؛ اذ لم نجد في روايات هذه الابواب ما يمكن استقاء هذا التعبير منه وانما نشأ ذكره من عصر شيخ الطائفة وهو اول من وجدنا هذا العنوان في كلماته قال في المبسوط الكفار على ثلاثة اضرب اهل كتاب وهم اليهود والنصارى ... ومن له شبهة كتاب فهم المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب. إلى آخره .
وأخذ منه تلميذه ومعاصره القاضي ابن البراج ثم تبعهما في ذلك ابن ادريس والمحقق والعلامة ولم نجد في كلمات قدماء اصحابنا إلى زمان المحقق الحلي من استعمله غير من ذكرنا. وهؤلاء استعملوه تعبيرا عن المجوس وجعلوه مقابلا لعنوان أهل الكتاب المراد بهم اليهود والنصارى.
والظاهر من مساق كلماتهم ان في ذكر هذا التعبير نوع اشارة إلى مناط الحكم في امر المجوس فكان جريان ما يجري على المجوس من الاحكام انما نشأ من وجود الشبهة في امرهم أو في كتابهم..ومما يقوي هذا الاحتمال في كلامهم ما ذكره العلامة في المنتهى فانه قال في مقام الرد على ابي حنيفة الذي قاس مشركي العرب بأهل الكتاب والمجوس ما لفظه والجواب بالفرق بين المقيس والمقيس عليه؛ فان أهل الكتاب لهم كتاب يتدينون به والمجوس لهم شبهة كتاب ثم نقل رواية الواسطي ثم قال والشبهة تقوم مقام الحقيقة في ما بني على الاحتياط فحرمت دماؤهم للشبهة بخلاف من لا كتاب له ولا شبهة كتاب انتهى."
وانتهى إلى أن ادلة الموضوع لا تزيد عن الشبهة وعن حرمة الدماء بالشبهة فقال :
"وحاصل ما ذكرنا إلى هنا هو ان المناط في الحاق المجوس باليهود والنصارى في احكامهم هو وجود الشبهة في امرهم وعدم احراز كونهم غير منتمين إلى نبي من الانبياء وكتاب من الكتب السماوية.
ثم ان اناطة حرمة الدماء والنفوس بالشبهة امر موافق لما علمناه من الشرع من الاحتياط في امر الدماء والاموال والفروج مضافا إلى ان من الممكن القول بان هدر الدماء وحل النفوس انما يختص بالمحاربين للدولة الاسلامية دون غيرهم من الكفار "
وتحدث عن أن كل الأقوام تعتبر أهل الكتاب باعتبار نزول كتاب على كل أمة ولكنه حرف وحرف معه الدين الذى سمى باسم مختلف عند كل قوم وفى هذا قال:
"والمعنى ان ما بيد القوم من الكتاب الذي يزعمونه كتابا سماويا ليس هو الكتاب السماوي الذي نزل على نبيهم؛ بمعنى ان الأمر اشتبه عليهم في ذلك كما هو الحال في المجوس بحسب ما ورد فيهم من الروايات حيث ورد انه كان لهم نبي وقد انزل عليه كتاب ولكن احرق الكتاب ولم يبق منه شي ء فما هو الآن بايديهم ليس هو الكتاب الحقيقي النازل من السماء بل شي ء مشتبه به فعلى هذا المعنى يختلف الأمر مع ما ذكرناه على المعنى السابق؛ اذ الحكم بالنسبة لمن حاله هكذا كالمجوس ليس حكما احتياطيا؛ لانهم أهل الكتاب واقعا وليس من جهة اشتباههم بأهل الكتاب فالحكم فيهم بعينه هو الحكم في اليهود والنصارى.
الا ان صحة استعمال هذا التعبير في حق كل طائفة ونحلة يتوقف على اثبات كونها اهل كتاب واقعا بدليل معتبر كما هو الحال في حق المجوس ولا يكفي فيه الحدس الظني من طريق مقارنة ما بايديهم من الكتاب بما تحتويه الكتب السماوية عادة أو من اي طريق ظني آخر.
فحينئذ لو فرض ثبوت مثل هذا الدليل في باب الصابئة فهو والا فاجراء عنوان «من له شبهة الكتاب» في حقهم مشكل."
وحدثنا عن حكم تصديق كلام الصابئة عن كونهم أهل كتاب وتوحيد ورسل فقال :
"الأمر الثالث
هل يجوز التمسك بدعواهم في عقائدهم اذا ادعوا التوحيد والاعتقاد بنبي من الانبياء وكتاب من الكتب السماوية وامثال ذلك؟ ربما يتبادر ذلك إلى الذهن من وجوه
اولا افتى الفقهاء بحجية قول الكافر اذا ادعى انه كتابي بمعنى أهل الكتاب المعروفين اعني اليهود والنصارى. قال في المبسوط اذا احاط المسلمون بقوم من المشركين فذكروا انهم اهل كتاب وبذلوا الجزية فانه تقبل منهم. إلى آخر كلامه .
والظاهر انه اراد من أهل الكتاب اليهود والنصارى المعروفين بهذا العنوان فاذا كان قول الكافر حجة في ذلك فلم لا يكون حجة اذا ادعى انه موحد وانه من متبعي احد انبياء الله تعالى؟!
ثانيا ان الآية الشريفة (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا ... ) تجعل قول من كان يعرف بالكفر حجة في دعواه الاسلام فلم لا يكون حجة من باب تنقيح المناط في دعواه التوحيد والايمان بنبي من الانبياء؟!
اذ المناط هو عدم التعرض لمن يظهر انه ممن لا يجوز التعرض لهم سواء من جهة الاسلام أو من جهة الاندراج في الطوائف الذين لا يتعرض لهم من الكفار وليس خصوصية لدعوى الاسلام ولذا لو ادعى انه من اهل الذمة يسمع منه ايضا.
وثالثا ان قبول قول اهل الملل في عقائدهم امر عقلائي لا يتخلف عنه العقلاء عادة"
وانتهى الخامئنى إلى وجوب تصديق القوم فى كلامهم خاصة أن ما فى كتبهم الحالية يوافق ما يدعون فقال :
"وعلى هذا فالتمسك بدعوى الصابئة في بيان عقائدهم وما ينتحلونه من المعارف والاحكام امر عقلائي موافق لبناء العقلاء في امثال ذلك. فلو فرض انهم يدعون الايمان بالله واليوم الآخر والاتباع لنبي من انبياء الله المعروفين لدينا والعمل بكتاب من الكتب السماوية التي يفرض نزولها من عند الله فمقتضى القاعدة العقلائية التي لم يردع عنها الشارع هو الاخذ بكلامهم والتبني لدعواهم بغير تطرق وسوسة وريب في ذلك."
ومع كلامه السابق العقلانى إلا أنه أبى أن يشكك فيما قاله راجعا للشك فى كونهم من أهل الكتاب فقال :
"الأمر الرابع
لو بقي الشك في كونهم ممن أوتي الكتاب فما هو مقتضى القاعدة في ذلك؟ وهل هناك اصل لفظي أو عملي يعمل بمقتضاه؟
ظاهر كلام الشيخ في الخلاف ان الاصل بالنسبة إلى كل ملة لم يحرز كونهم كتابيين هو عدم قبول الجزية منهم وعدم اقرارهم على دينهم. قال في مقام الاستدلال على جريان هذا الحكم بالنسبة للصابئة دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وايضا قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقال (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) ولم يأمر بأخذ الجزية منهم وايضا قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) . فشرط في اخذ الجزية ان يكونوا من أهل الكتاب وهؤلاء ليسوا بأهل الكتاب. انتهى .
وحاصل كلامه ان هناك اصلا لفظيا وهو عموم هذا الحكم في الآيات المذكورة بالنسبة إلى ما سوى أهل الكتاب من الكفار.."
وكلام المقيد أو غير السابق هو كلام لا يربط الكلام ببغضه فقتال المشركين ليس مباحا باستمرار لأن الله ربط قتالهم بالاعتداء هم والكتابيين وغيرهم فقال:
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
وعاد لكلامه السابق عن أن الكتاب يشمل كل الأقوام التى نزل عليها كتاب وليس الكتب الاثنين أو الثلاث فقال:
"وفي ما نحن فيه اذا فرض ان الدليل المخصص اعني آية الجزية مجمل من حيث المفهوم فيحتمل فيه ارادة خصوص اهل الكتب الثلاثة أو الكتب المشرعة كما يحتمل شموله لهم ولغيرهم فدلالة هذا الدليل على حكم غير اهل الكتب الثلاثة غير معلوم في حين ان دلالة العام اي عمومات الكفار عليهم ثابتة بلا ريب فيحكم عليهم بمقتضاه."
وتحدث فى المقتضى العملى على ان المورد مجرى استصحاب عدم كون الصابئة ممن اوتي الكتاب فقال:
"مقتضى الاصل العملي
واما الاصل العملي فربما يبدو ان المورد مجرى استصحاب عدم كون الصابئة ممن اوتي الكتاب ويمكن تقريره على وجهين
الأول ان يكون المراد بالعدم المستصحب هو العدم المفروض في ما قبل وجود الصابئة فيكون هذا الاستصحاب من جزئيات استصحاب عدم الخصوصية المفروض في ظرف عدم موضوعها المعروف لدى الاصوليين باستصحاب العدم الازلي ففي ما نحن فيه يصدق ان هؤلاء قبل وجودهم لم يكونوا ممن اوتي الكتاب فيستصحب هذا العدم.
فالحاصل ان جريان استصحاب عدم الكتابية في ما نحن فيه لا يستقيم بوجه. فالظاهر ان المورد مجرى اصالة الاحتياط من جهة لزوم ذلك في باب النفوس والاموال والاعراض والله العاصم.
هذا كله في الامور الراجعة إلى كبريات المسألة."
وقد انتهى فى الفقرة السابقة إلى رد جريان استصحاب عدم الكتابية في ما نحن فيه
وطرح الرجل مسألة هل يمكن الاستدلال على كون الصابئة أهل كتاب وأجاب فقال :
"واما المحور الثاني اعني النقاط الصغروية التي لا بد من البحث عنها
فالنقطة الأولى منها انه هل هناك ما يمكن الاستشهاد به على ان الصابئة اهل كتاب؟
والجواب على ذلك انه ربما يمكن الاستدلال على انهم اهل كتاب بوجوه
منها ما يستفاد من الآيات الكريمة القرآنية التي ذكر فيها اسم الصابئين وهي ثلاث آيات الآية الأولى قوله تعالى في سورة المائدة (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
وقريب منها الآية الثانية وهي قوله تعالى في سورة البقرة (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
ويستفاد من الآيتين اولا ان عقائدهم مشتملة على الايمان بالله واليوم الآخر؛ والا لم يكن وجه لذكر ذلك عنهم.
وثانيا ان من آمن منهم بالله واليوم الآخر وقرن ذلك بالعمل الصالح فهو من اهل النجاة وهذا لا يكون الا في صورة صحة هذا الدين وكونه نازلا من قبل الله تعالى.
وثالثا ان الاديان الثلاثة مستقلة بعضها عن بعض على ما هو الظاهر المتبادر من تعدادها مردفا ومقترنا بعضها مع بعض. وما ربما احتمل في بعض الكلمات من ان ذكر الصابئين من باب ذكر الخاص بعد العام يبعده بل ينفيه ذكرهم بعد اليهود في آية وبعد النصارى في الآية الأخرى."
ومجمل كلام الخامئنى فى الفقرة السابقة أنهم أهل كتاب وفق آيات القرآن وناقش قول أحد أساتذته فى المسألة مظهرا تناقضه فى أمر الصابئة فقال :
"ومما ذكرنا يعرف وجه المناقشة في ما ذكره بعض اعاظم اساتذتنا في تفسيره فانه بعد نقل كلام طويل عن البيروني في تاريخ الصابئة وبعض ما ينسب اليهم من العقائد قال وما نسبه إلى بعض من تفسير الصابئة بالمذهب الممتزج من المجوسية واليهودية مع اشياء من الحرانية هو الاوفق بما في الآية؛ فان ظاهر السياق ان التعداد لاهل الملة انتهى. فظهور الآية بان الصابئين اهل ملة وهذا ما اعترف به يعارض ما توهمه من ان مذهبهم مزيج من المذاهب الثلاثة؛ اذ ظاهر الآية كونهم اهل ملة غير الملل الأخرى المذكورة فيها لا انها ملتقط بشري من سائر الاديان مضافا إلى ان ما نسبه البيروني اليهم لا يعترف به المنتمون إلى هذا المذهب ظاهرا.
ثم ان ما ذكرناه من ايمانهم بالله واليوم الآخر وان دينهم صحيح ونازل من الله تعالى عبارة أخرى عن كونهم من «أهل الكتاب» بناء على ان هذا العنوان اعم من ان يكون الكتاب نازلا على نبي هذه الجماعة ابتداء وبخصوصه وان يكون نازلا على نبي آخر يتبعه ويروج دينه النبي الذي ينتمون اليه. واما بناء على ان عنوان أهل الكتاب خاص بامة نبي نزل عليه كتاب بالخصوص ولا يشمل امة من كان بدوره تابعا لنبي آخر فالآيتان بما ذكر من مفادهما ليس فيهما دلالة واضحة على كون الصابئة من أهل الكتاب وان ما تدلان على كونهم ذوي شريعة الهية ولو مع عدم صدق عنوان أهل الكتاب عليهم. ولعل من استفاد من الآيتين ان الصابئين من أهل الكتاب كبعض اعلام هذا العصر في جهاد منهاجه لم يفهم من عنوان أهل الكتاب الا الاعم وهو الاظهر.
واما الآية الثالثة فهي قوله تعالى في سورة الحج (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شي ء شهيد) .
والظاهر من التصنيف الثلاثي فيها ان كل صنف يلي موصولا على حدة ذو طبيعة وحكم مباين للصنفين الآخرين
والحاصل ان هذه الآية لها ظهور تام في ان الصابئين في عداد اليهود والنصارى والمجوس من جهة كونهم اهل دين وكتاب سماوي وان كلا من الفرق الاربعة مستقل في نفسه؛ بمعنى عدم كونه داخلا وجزء من فرقة أخرى.
والمتحصل مما ذكرنا ان الاستدلال بالآيات الثلاثة على ان الصابئة في عداد أهل الكتاب مما لا بأس به بل لا غبار عليه.
الوجه الثاني مما يمكن الاستدلال به لذلك المضامين المنقولة عن كتبهم التي يعتبرونها سماوية وينسبونها إلى انبياء الله المعروفين لدينا كما نقل عن ما يسمى «كنزا ربا» ومعناه على ما يقال الكنز الكبير فانها مشتملة على عقائد لا تعهد الا من الاديان الحقيقية الالهية كعقيدة التوحيد والمعاد وتسمية الحق المتعال بالاسماء الحسنى والصفات العليا ونسبة كل شي ء اليه والى ارادته وما إلى ذلك وهم يدعون ان الكتاب المشتمل على ذلك هو كتاب يحيى (ص) الذي يعتبرونه آخر انبياء الله تعالى أو كتاب شيث وصحف آدم أو كتاب ادريس (ص) بحسب اختلاف ما ينقل عنهم.
فبناء على ما رجحناه سابقا من تصديق اصحاب الملل والنحل في ما يبدونه من عقائدهم وكون ذلك حجة على غيرهم بحسب البناء العقلائي غير المردوع عنه شرعا لا يبقى مجال لانكار صحة هذا الدين في اصله وانه منسوب إلى احد انبياء الله (ص).
ثم انه لما كان اصل نزول كتاب على يحيى وآدم مسلما نطق به القرآن الكريم كما سنذكره فنسبة كتاب الصابئين إلى احدهما اما ان تكون صادقة أو خاطئة فعلى الأول يكون هؤلاء اهل كتاب بلا ريب وعلى الثاني يكون ممن بيدهم شبهة كتاب كالمجوس على ما بيناه في معنى هذا العنوان فكونهم ممن يقر على دينهم كاليهود والنصارى والمجوس امر لا محيص من الالتزام به.
واما نزول الكتاب على يحيى فهو وان كان الظاهر من قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة ... ) لكن لو نوقش في دلالته بان المراد بالكتاب فيه هو التوراة بدلالة لام العهد فلا يدل على كون يحيى صاحب كتاب آخر حتى يحتمل كونه هو الذي بيد الصابئة وليس هذا الذي يدعونه كتاب يحيى هو التوراة حتى يحكم بكونهم من اهل التوراة فلا شي ء هناك يصحح لهم عنوان «أهل الكتاب» أو اهل شبهة كتاب لقلنا في الجواب اولا يكفي في اثبات الكتاب ليحيى آيات سورة الانعام حيث يقول تعالى بعد ذكر عدة من الانبياء منهم زكريا ويحيى وعيسى والياس واسماعيل واليسع ويونس ولوط وغيرهم وذكر اجتبائهم وهدايتهم من عند الله تعالى
(اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) والظاهر من الآية بلا ريب ان كلا من هؤلاء المذكورين أوتي كتابا مستقلا غير ما أوتي الآخرون بقرينة الحكم والنبوة وبعيد غاية البعد ان يحمل الكتاب في الآية على كتاب خاص أو كتابين وهما التوراة والانجيل كما ان من البعيد جدا ان يكون المراد بايتاء الكتاب لنبي من الانبياء الزامه بالعمل بكتاب نزل على نبي آخر قبله والشاهد على ذلك انه لا يقال ان عيسى أوتي التوراة مع انه كان مصدقا للتوراة وعلمه الله اياه وامره بالعمل بما فيه ولكنه أوتي الانجيل قال الله تعالى (وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور) .
ثم بعدما ثبت دلالة آية سورة الانعام على ان يحيى(ص) اوتي كتابا مستقلا عن التوراة فاللام في آية سورة مريم اعني قوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) يمكن ان يكون للعهد إلى هذا الكتاب بل هو اقرب احتمالا من كونه اشارة إلى التوراة كما يظهر وجهه من بعض ما ذكرناه آنفا بل يمكن ان يقال ان من البعيد عن الحكمة والبلاغة ان يؤمر نبي من الانبياء وقد أوتي الكتاب من الله تعالى بان ياخذ كتاب نبي آخر سبق عليه مئات من السنين وان ياخذه بقوة خصوصا مع العلم بان ذاك الكتاب مع ما جاء به من الشريعة سوف ينسخ عما قريب بكتاب نبي آخر من انبياء اولي العزم وهو عيسى (ص).
وثانيا سلمنا ذلك ولكن لم يدل دليل قطعي على ان التوراة الموجود هو جميع التوراة المنزل على موسى(ص) فليكن هذا الذي بيد الصابئة جزء من التوراة الواقعي التام كما ان الذي بيد اليهود جزء آخر منه وعليه فليكن هؤلاء اهل كتاب هو التوراة لكن من طريق يحيى بل لو ادعى انه الجزء الاصح منه بالقياس إلى الذي كان بيد اليهود المعاصرين ليحيى المحرفين المنحرفين لم يكن بعيدا عن الاعتبار كثيرا.
ثم ان ما ذكرنا من احتمال انتساب كتاب الصابئين إلى يحيى(ص) يتأتى تماما بالنسبة لاحتمال انتسابه إلى آدم وعلى فرض التحريف والغلط يكون من مصاديق عنوان شبهة الكتاب كما سبق."
وانتهى الرجل من الكلام السابق لكون الصابئة أهل كتاب فقال :
"فنتيجة البحث في النقطة الأولى ان الاقوى والاظهر بحسب الادلة ان الصابئين يعدون من أهل الكتاب."
وطرح سؤال أخر هل يعتبر الصابئة من اليهود أو النصارى أو المجوس أم غيرهم وأجاب فقال:
"النقطة الثانية هل الصابئة يعدون من شعب بعض الاديان الثلاثة اليهود والنصارى والمجوس أو انهم نحلة أخرى غير هؤلاء؟
والجواب على ذلك قد علم من بعض ما ذكرنا في توضيح النقطة الأولى فلا دليل على ما قيل وقد مضى في ما نقلناه من كلمات بعض الفقهاء من انهم شعبة من اليهود أو انهم مجوسيون وامثال ذلك مما نقله في الجواهر عن غير واحد من الفقهاء كالشافعي وابن حنبل والسدي ومالك وغيرهم بل لعل مقتضى ما ذكرنا الجزم بخلافه."
فالقوم حسب كلامه دين أخر ليس من الثلاثة وتحدث عن حكم دين الصابئة الحالى فقال :
"النقطة الثالثة ربما يتبادر إلى بعض الاذهان ان العقائد المنسوبة إلى الصابئة تمنع من انعقاد الظن بكونها الهية فلا بأس بان يجاب على هذا السؤال هل ان ما يشكل العقائد الاصلية أو المجموعة العقائدية لهم يشتمل على مثل ذلك؟
والحق الذي ينبغي الاعتراف به هو اننا لا نعرف من المعارف والاحكام الدينية لهذه النحلة التاريخية والتي اصبح المنتمون اليها موجودين بين ايدينا وفي عقر بلادنا شيئا كثيرا تسكن النفس بملاحظته إلى معرفة اصحابها والباحث في هذا الموضوع يجد في حقل البحث الموضوعي فيه فراغا كبيرا لم يسد مع الاسف مع ما بايدينا من الاشارات الخاطفة الموجودة في كتب الملل والنحل ولهذا فالقول الحاسم في باب عقائدهم واحكامهم وتقاليدهم الدينية مما لا يسهل في هذا المقام الا ان الذي يبدونه من ذلك في بعض منشوراتهم والتي يقال عنها انها مأخوذة من كتابهم الديني المسمى «كنزاربا» يرسم لنا صورة اجمالية عن أس عقائدهم
ولكن لا يخفى على المتأمل في ذلك ان ما بأيديهم من العقائد المردودة ليس بأكثر عما هو معروف عن بعض الاديان الالهية المحرفة المنسوخة اصحاب الكتب الالهية النازلة على انبياء الله وهذا من امر ما مر على شرائع الله تعالى في خلقه؛ ان تعرضت يد التحريف والجعل الناشئين تارة من الجهل وأخرى من الاغراض المختلفة"
وبناء على كلامه فالدين الحالى للصابئة هو كتاب محرف مخالف لدين الله
وتحدث عما يعنيه لفظ الصابئة فقال:
"النقطة الرابعة ذكر بعض من تعرض للتعريف اللغوي أو التاريخي للصابئين ان اسمهم هذا مشتق من «صبا» بمعنى خرج ويقال لهم الصابىء؛ لخروجهم من دين إلى دين.
ويذكرون في وجه ذلك امورا (راجع التفسير للرازي وغيره وغير واحد من كتب اللغة) فربما يتبادر إلى الذهن ان هذا لا يتلاءم مع الانتساب إلى اصل الهي ونبي وكتاب سماوي.
اقول اولا في مقابل هذا الوجه في تسميتهم وجه آخر ذكره بعض الفضلاء والمحققين في رسالة كتبها في التعريف بالصابئة وهو ان هذه الكلمة (الصابئ) من اصل آرامي بمعنى «المغتسل» وقد سموا بها لاهتمامهم بالغسل بالماء بحيث انه احد اركان احكامهم الشرعية؛ ولذا يسمون في عرف اهل الملل بالصابئة المغتسلة."
وقد انتهى إلى أن معنى الصابئة قائم على كلام ظنى فالصابئة عند أنفسهم تعنى المتطهرون وعند غيرهم تعنى الخارجون على الدين وفى هذا قال :
"وثانيا امثال هذه الاعتبارات المبنية على الحدس الظني مما لا وزن لها في استنباط الحكم الشرعي حتى ولو لم يذكر في وجه تسميتهم ما ذكرناه عن ذاك البعض؛ فان هذه الوجوه الظنية لا تغني من الحق شيئا"
والاشكال فى هذا البحث وكل مسائل الجزية قائم على تفسير الذين أوتوا الكتاب فى قوله:
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"
فالذين أوتوا الكتاب لا يمكن أن يكون أهل الكتاب لأنهم مؤمنون بالله واليوم الآخر بينما الآية تتحدث عن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر كما تتحدث عمن لا يحرمون ما حرم الله وتتحدث عمن لا يدينون بدين الله ومن ثم فهى تتحدث عن كل طوائف الكفر
ومن ثم فالذين أوتوا الكتاب هم الذين أعطوا العهد وهو الميثاق ميثاق السلام بينهم وبين المسلمين وبمعنى أخر تتحدث عن المعاهدين الذين يقاتلون المسلمين فأصل الآية:
قاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
مواضيع مماثلة
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
» قراءة فى كتاب حق الجار
» قراءة فى كتاب علم نفس الغرائب
» قراءة فى كتاب العويص
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
» قراءة فى كتاب حق الجار
» قراءة فى كتاب علم نفس الغرائب
» قراءة فى كتاب العويص
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى