قراءة في كتاب غنيمة المجالس
صفحة 1 من اصل 1
قراءة في كتاب غنيمة المجالس
قراءة في كتاب غنيمة المجالس
في مقدمة الكتاب الذى ألفته مجموعة من المؤلفين تحدثوا عن انقسام المجالس لمجالس غنيمة خير ومجالس شر فقالوا :
"أما بعد: أخي .. لا شك أن لك مجالس ترتادها .. واجتماعات تحضرها .. مع ذويك وأقربائك .. أو إخوانك أو رفقائك .. فهل تأملت يوما في حصادها؟ وهل فكرت فيما يعود عليك من خيرها أو شرها؟
فمن المجالس- أخي- مجالس حسرة .. تعود على أصحابها ندامة وأسفا يوم القيامة .. وهي كل مجلس خلا من ذكر الله ..
ومن المجالس مجالس غنيمة .. يرتع أصحابها في خيرات عظيمة .. يذكرون الله .. ويتواصون على الحق .. فتلك التي جاءت النصوص بتعظيمها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غنيمة مجالس الذكر الجنة» [صحيح الترغيب برقم: 1507]"
ومجالس الغنيمة هى مجالس الذكر وغنيمتها الجنة وقد سميت في حديث أخر رياض الجنة وهو قولهم:
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر» [رواه الترمذي].
فها هنا حديثان جليلان فيهما دلالة عظيمة تحمل بشرى عظيمة لأهل المجالس الإيمانية .. الذين يجتمعون في الله سبحانه .. يتلون كتاب الله .. ويتدارسون سنته ودينه .. ويتواصون على الدعوة إلى سبيله .. والثبات على دينه .. فهل أنت - أخي - ممن يرتع في هذه الرياض؟"
وبالقطع لا يوجد في الإسلام ما يسمى مجالس الذكر فالله لم يطلب أن نردد جملا ترديدا متكررا وإنما الذكر في كتابه يقصد في الغالب هو :
طاعة كتاب الله
وفى بعض الأحيان يقصد به :
قراءة القرآن في الصلاة كما قال تعالى :
"إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله "
وقال في سبب بناء بيوت الله وهى المساجد أنها ذكر اسمه وهو قراءة وحيه وهو القرآن فقال :
" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه"
وحدثونا عن فوائد الاجتماع على ذكر الله فقالوا|:
"غنائم الاجتماع على ذكر الله:
أخي .. وهي غنائم ما تأملها مؤمن صادق إلا أوجب له تأمله
ثلاثة أمور:
أولها: حسرته على ما فاته من الغنم والفضل والثواب العظيم.
الثاني: فرحه إذا كان قد وفق للاجتماع على ذكر الله والمجالسة فيه لما يراه من عظيم الثواب.
الثالث: رغبته وشوقه إلى انتهاز فرصة المجالس الإيمانية متى يسر له ذلك."
وهذا الكلام وهو التحسر يخالف ما قاله الله من عدم التحسر في قوله :
"لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "
وتحدثوا عن بقية الفوائد فقالوا:
"ومن غنائم مجلس الذكر ما يلي:
1 - نيل المغفرة وإجابة الدعوة: فالمجتمعون على ذكر الله هم أهل الغفران، وأهل عطاء الرحمن، يعطيهم ما سألوا، ويجيرهم ما استجاروا .. ويغفر لهم سيئاتهم بل ويبدلها حسنات .. في الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات» [صحيح الترغيب رقم: 1504].
أخي .. فتأمل في هذه الثمرة العظيمة التي قل أن تجدها في أشجار القربات .. شأنها عظيم .. وأجرها كبير .. لكن عملها سهل يسير .. فمجالستك للصالحين وحضورك لحلق الذكر .. والمذاكرة في الله تؤهلك لشرف الغفران .. بل وتجعل من سيئاتك حسنات .."
والحديث باطل فما سمع أحد ممن في مساجد الذكر المزعومة صوت مناد من السماء يقول قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات والقول يخالف كتاب الله في كون الثواب هو عشر حسنات كما قال :
"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ثم قالوا:
2 - حضور ملائكة الرحمن: فمن عظم شأن هذه المجالس أن خلق الله لها ملائكة خاصة بها .. سيارة في الأرض .. تلتمس مجالس الذكر .. فإذا وجدت مجلسا قعدت ..
ففي الحديث الصحيح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: ما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب! قال: وكيف لو رأوا جنتي؟!. قالوا: ويستجيرونك؟ قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب! قال: وهل رأوا ناري؟! قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: يقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم».
فتأمل رحمك الله في شأن مجلس الذكر .. وانظر إلى شأن، المجتمعين على ذكر الله .. كيف يحاور الله جل وعلا فيهم ملائكته .. يتفقد حالهم .. وهو الأعلم بهم .. وفي هذا دلالة قوية على شأن هذه المجالس عند الله .. ولقلب المؤمن الصادق معني باستشعار عظمة هذا الحديث وما فيه من دلالة عظيمة على ملازمة الأخيار الذين ينتقون أطايب الكلم .. ويجتمعون على الفضيلة والخير .. يلتمسون الأجر والمثوبة"
والحديث المبنى عليه الكلام باطل فالملائكة لا تنزل الأرض في مجالس الذكر ولا في غيرها لأنها متواجدة في السماء لعدم اطمئنانها في الأرض فقال:
" وكم من ملك في السموات "
وقال :
"قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وعرف المؤلفون مجلس الذكر فقال:
"أخي .. واعلم أن مجلس الذكر .. كل مجلس يوقر فيه الله جل وعلا .. ويذكر فيه سبحانه سواء كان مجلس وعظ ونصح أو مجلس علم وفتيا .. أو محاضرة فيه الدلالة على الخير، أو مذاكرة في أحوال المسلمين وهمومهم .. أو غير ذلك من المجالس التي يحبها الله ويرضاها .. فكلها تفيض بالغنائم العظيمة .. وكلها تحضرها الملائكة .. وكلها من موجبات الجنة"
وتحدثوا عن المنزلة والقرب من الله :
"3 - المنزلة والقرب من الله: ويدل على ذلك مباهاة الله جل وعلا ملائكته بعباده المجتمعين على ذكره.
وقد مر رسول الله على قوم يذكرون الله فسألهم: «ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟!». قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة» [صحيح الترغيب رقم: 1503]"
والباطل في الحديث هو مباهاة الله للملائكة بالناس وهذا جنون حيث يصور الله مثل المخلوقات يباهى غيره وهو ما يخالف قوله "ليس كمثله شىء "
زد على هذا أن المباهى يهدف لإغاظة من يباهيهم والملائكة هنا ليست أعداء لله أو منافسين له حتى يغيظهم وهو ما لم يحدث ولن يحدث لأنه لعب عيال
ثم قالوا :
"وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضا: «ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء».
قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله! صفهم لنا نعرفهم.
قال: «هم المتحابون في الله من قبائل شتى، وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه»."
والباطل في الحديث الذى لم يقله النبى(ص) هو تغبيط الأنبياء والشهداء للمتحابين فى جلال الله وهو تخريف لأن الشهداء والمجاهدين ومنهم الأنبياء هم أفضل المسلمين مصداق لقوله تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
وتحدثوا عن التره على الناس بسبب عدم الذكر فقالوا :
"أخي .. فهذه بعض غنائم الاجتماع على الذكر .. فهل فكرت كيف تجنيها؟ .. هل وظفت جهدك وفراغك لاكتسابها؟ ..
ما أرى بينك وبينها إلا خطوات .. تخطوها إلى بيت الله .. ففيه حلق التحفيظ تزخر بها الغنائم العظيمة .. وفيها الدروس والمواعظ ..
أخي .. تذكر أن مجالسك إما غنائم مشهودة، أو حسرات موعودة، ففي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله تره» [سلسلة الأحاديث الصحيحة: 78].
ومعنى الترة: الحسرة والندامة والتبعة يوم القيامة"
وقطعا الذكر الكلامى ليس مطلوبا وإنما المطلوب هو طاعة أحكام الله في القعود والرقود والقيام كما قال تعالى :
"الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم"
وطالب المؤلفون المسلم بمحاسبة نفسه فقال :
"هل حاسبت نفسك وتأملت في نوع مجالسك ومجالسك؟!
هل جلساؤك أهل ذكر ونصح أو أهل غيبة ونميمة وفضح؟
هل جلساؤك أهل تقوى وصلاح، أو أهل عبث وغفلة؟
انظر - أخي - في حقيقة اجتماعاتك ورفقائك .. وتذكر ما يفوتك بفوات المجالس الخيرة .. وما تجنيه من مجالس السوء ..
تفوتك مجالس الذكر فتفوتك الجنة .. وتحضر مجالس السوء فتكسب منها الحسرة والمعاناة .. فضلا عن ضياع وقتك وغبنك في فراغك"
وبين القوم في رأيهم ما توجبه تلك المجالس فقالوا:
"أخي: إن رمت الخير، فعليك بمجالس الخير فهي توجب:
4 - رقة القلب وطمأنينته: لما فيها من ذكر الله الذي هو منبع السكينة والطمأنينة .. {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28].
5 - زيادة الإيمان والخوف من الله: كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2].
وقال تعالى: {وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [الحج: 34، 35].
وقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23].
بذكر الله ترتاح القلوب
ودنيانا بذكراه تطيب
6 - تذكرك الآخرة وتحفظ عليك دينك: ففي مجالس الذكر تعرف حقيقة الحياة وحقيقة الدنيا .. وفيها التواصي على الحق والطاعة .. والترغيب فيما عند الله من خير .. شكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: «ادنه من الذكر»، وقال: «مجالس الذكر محياة العلم، وتحدث في القلب الخشوع، القلوب الميتة تحيا بالذكر، كما تحيا الأرض الميتة بالقطر».
7 - تحفظ عليك وقتك: فأنت تعلم أخي أنك موقوف غدا بين يدي الله ومسؤول عن وقتك وفراغك قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه؟».
قال ابن الجوزي في نصيحته لابنه: «واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسا، وكل نفس خزانة، فاحذر أن تذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم .. وفي الحديث: «من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له بها نخلة في الجنة»، فانظر إلى مضيع الساعات كم يفوته من النخيل [لفتة الكبد ص 15].
إن في الموت والمعاد لشغلا
وادكارا لذي النهى وبلاغا
فاغتنم خطتين قبل المنايا
صحة الجسم يا أخي والفراغا
8 - تنهم منها العلوم النافعة: فحضورك أخي للحلقات العلمية .. حضور نافع تجزى عليه أجرين أجرا على العلم الذي تنهمه منها .. وأجرا على ثواب الاجتماع على ذكر الله، فأما ثواب الاجتماع فقد تقدم ذكره، وأما ثواب العلم فعند الله عظيم.
فطالب العلم طالب للرفعة عند الله، قال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]، وطالب العلم تصلي عليه الملائكة وتستغفر له الحيتان في البحر .. وفضله عند الله عظيم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالما ومتعلما» [صحيح الترغيب: 74].
9 - تتعرف فيها على الأخيار: فمصاحبة أهل التقوى وملازمتهم خصلة من خصال أهل الفلاح، كما قال تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1 - 3].
فالتواصي بالحق يستلزم الاجتماع عليه، والحث عليه، وفي ذلك تجسيد لمعاني التعاون على البر والتقوى، ولذلك فالملازم لمجالس الذكر والخير لا يعايش إلا المتواصين بالحق، وهو بذلك يحقق صفة من صفات أهل النجاة يوم القيامة، ثم إن الله جل وعلا قد أمر بملازمة أهل التقوى، فقال سبحانه: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} [الكهف: 28].
فالمتجالسون في الله لا يشقى بهم الجليس فهم له كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك إما بهبة أو بعوض، فالخير الذي يصيبه المؤمن من جليسه الصالح أبلغ وأفضل من المسك الأذخر، فهو إما أن يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك، أو يهدي لك نصيحة، أو يحذرك من الإقامة على ما يضرك فيحثك على طاعة الله وبر الوالدين وصلة الأرحام، ويبصرك بعيوب نفسك ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله، فإن الإنسان مجبول على الاقتداء بصاحبه وجليسه ..
والطباع والأرواح جنود مجندة، يقود بعضها بعضا إلى الخير أو إلى ضده ..
وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي رعاية للصحبة، ومنافسة في الخير، وترفعا عن الشر، وأن يحفظك في حضرتك ومغيبك.
أخي .. وأين يا ترى ستجد الجليس الصالح إن لم تجده في زمرة أهل الصلاح الذين يشغلهم ذكر الله عن الآثام .. والذين يستثمرون فراغهم في علم نافع .. وكلام طيب .. واجتماع على الخير.
يزين الفتى في قومه ويشينه
وفي غيرهم: أخدانه ومداخله
لكل امرئ شكل من الناس مثله
وكل امرئ يهوى إلى من يشاكله
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» [رواه مسلم].
وقال ابن الجوزي رحمه الله: (يستفاد من الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة عن ذي فضل وصلاح، فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى في إزالته فيتخلص من الوصف المذموم، وكذا عكسه).
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
10 - الثبات على الإيمان: وهذا أيضا من أعظم غنائم المجالس التي يجتمع فيها على ذكر الله.
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا إذا استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية» [رواه أحمد وهو في صحيح الجامع برقم: 5577].
أخي: فالزم جماعة المسلمين .. واختر لنفسك رفقة طيبة صالحة ناصحة تحثك على الخير .. وتدلك على سبيله .. وتنهاك عن الشر وتجنبك مغباته فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119].
وما المرء إلا بإخوانه
كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة
ولا خير في الساعد الأجذم
أخي .. وما لم تكن في مجلسك غانما فأنت فيه أحد اثنين: إما آثم أو مغبون.
فالآثم: هو من كانت مجالسه مجالس ضرر وأذى يفتح فيها الشر،ويغلق فيها الخير، وينال فيها من أعراض المسلمين.
والمغبون: هو ما كانت مجالسه خالية من ذكر الله، وخالية من المحرمات؛ لكنها مجالس لغو ولهو .. تقسو فيها القلوب .. وتضيع بها الأوقات ..
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»"
وهذه الموجبات للذاكر معظمها بمعنى واحد كرقة القلب وتذكير الآخرة والحفاظ على الوقت والثبات على الإيمان فهى نصيحة عامة بمعنى التقوى أى طاعة الله أى اتباع الله.... والبعض الأخر كمصاحبة الاخيار وتعلم العلوم النوافع هى جزء من ذلك الكل العام
ومن ثم فمجالس الذكر عند الله هى نوع من الذكر سماه الله القعود وبقية الذكر يكون من القيام أو من الرقود على الأجناب فالأوضاع الحركية الثلاثة شاملة لكل حياة المسلم والكافر فكل منا إما واقف أو قاعد أو راقد على جنب
في مقدمة الكتاب الذى ألفته مجموعة من المؤلفين تحدثوا عن انقسام المجالس لمجالس غنيمة خير ومجالس شر فقالوا :
"أما بعد: أخي .. لا شك أن لك مجالس ترتادها .. واجتماعات تحضرها .. مع ذويك وأقربائك .. أو إخوانك أو رفقائك .. فهل تأملت يوما في حصادها؟ وهل فكرت فيما يعود عليك من خيرها أو شرها؟
فمن المجالس- أخي- مجالس حسرة .. تعود على أصحابها ندامة وأسفا يوم القيامة .. وهي كل مجلس خلا من ذكر الله ..
ومن المجالس مجالس غنيمة .. يرتع أصحابها في خيرات عظيمة .. يذكرون الله .. ويتواصون على الحق .. فتلك التي جاءت النصوص بتعظيمها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غنيمة مجالس الذكر الجنة» [صحيح الترغيب برقم: 1507]"
ومجالس الغنيمة هى مجالس الذكر وغنيمتها الجنة وقد سميت في حديث أخر رياض الجنة وهو قولهم:
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر» [رواه الترمذي].
فها هنا حديثان جليلان فيهما دلالة عظيمة تحمل بشرى عظيمة لأهل المجالس الإيمانية .. الذين يجتمعون في الله سبحانه .. يتلون كتاب الله .. ويتدارسون سنته ودينه .. ويتواصون على الدعوة إلى سبيله .. والثبات على دينه .. فهل أنت - أخي - ممن يرتع في هذه الرياض؟"
وبالقطع لا يوجد في الإسلام ما يسمى مجالس الذكر فالله لم يطلب أن نردد جملا ترديدا متكررا وإنما الذكر في كتابه يقصد في الغالب هو :
طاعة كتاب الله
وفى بعض الأحيان يقصد به :
قراءة القرآن في الصلاة كما قال تعالى :
"إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله "
وقال في سبب بناء بيوت الله وهى المساجد أنها ذكر اسمه وهو قراءة وحيه وهو القرآن فقال :
" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه"
وحدثونا عن فوائد الاجتماع على ذكر الله فقالوا|:
"غنائم الاجتماع على ذكر الله:
أخي .. وهي غنائم ما تأملها مؤمن صادق إلا أوجب له تأمله
ثلاثة أمور:
أولها: حسرته على ما فاته من الغنم والفضل والثواب العظيم.
الثاني: فرحه إذا كان قد وفق للاجتماع على ذكر الله والمجالسة فيه لما يراه من عظيم الثواب.
الثالث: رغبته وشوقه إلى انتهاز فرصة المجالس الإيمانية متى يسر له ذلك."
وهذا الكلام وهو التحسر يخالف ما قاله الله من عدم التحسر في قوله :
"لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم "
وتحدثوا عن بقية الفوائد فقالوا:
"ومن غنائم مجلس الذكر ما يلي:
1 - نيل المغفرة وإجابة الدعوة: فالمجتمعون على ذكر الله هم أهل الغفران، وأهل عطاء الرحمن، يعطيهم ما سألوا، ويجيرهم ما استجاروا .. ويغفر لهم سيئاتهم بل ويبدلها حسنات .. في الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات» [صحيح الترغيب رقم: 1504].
أخي .. فتأمل في هذه الثمرة العظيمة التي قل أن تجدها في أشجار القربات .. شأنها عظيم .. وأجرها كبير .. لكن عملها سهل يسير .. فمجالستك للصالحين وحضورك لحلق الذكر .. والمذاكرة في الله تؤهلك لشرف الغفران .. بل وتجعل من سيئاتك حسنات .."
والحديث باطل فما سمع أحد ممن في مساجد الذكر المزعومة صوت مناد من السماء يقول قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات والقول يخالف كتاب الله في كون الثواب هو عشر حسنات كما قال :
"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ثم قالوا:
2 - حضور ملائكة الرحمن: فمن عظم شأن هذه المجالس أن خلق الله لها ملائكة خاصة بها .. سيارة في الأرض .. تلتمس مجالس الذكر .. فإذا وجدت مجلسا قعدت ..
ففي الحديث الصحيح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: ما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب! قال: وكيف لو رأوا جنتي؟!. قالوا: ويستجيرونك؟ قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب! قال: وهل رأوا ناري؟! قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: يقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم».
فتأمل رحمك الله في شأن مجلس الذكر .. وانظر إلى شأن، المجتمعين على ذكر الله .. كيف يحاور الله جل وعلا فيهم ملائكته .. يتفقد حالهم .. وهو الأعلم بهم .. وفي هذا دلالة قوية على شأن هذه المجالس عند الله .. ولقلب المؤمن الصادق معني باستشعار عظمة هذا الحديث وما فيه من دلالة عظيمة على ملازمة الأخيار الذين ينتقون أطايب الكلم .. ويجتمعون على الفضيلة والخير .. يلتمسون الأجر والمثوبة"
والحديث المبنى عليه الكلام باطل فالملائكة لا تنزل الأرض في مجالس الذكر ولا في غيرها لأنها متواجدة في السماء لعدم اطمئنانها في الأرض فقال:
" وكم من ملك في السموات "
وقال :
"قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وعرف المؤلفون مجلس الذكر فقال:
"أخي .. واعلم أن مجلس الذكر .. كل مجلس يوقر فيه الله جل وعلا .. ويذكر فيه سبحانه سواء كان مجلس وعظ ونصح أو مجلس علم وفتيا .. أو محاضرة فيه الدلالة على الخير، أو مذاكرة في أحوال المسلمين وهمومهم .. أو غير ذلك من المجالس التي يحبها الله ويرضاها .. فكلها تفيض بالغنائم العظيمة .. وكلها تحضرها الملائكة .. وكلها من موجبات الجنة"
وتحدثوا عن المنزلة والقرب من الله :
"3 - المنزلة والقرب من الله: ويدل على ذلك مباهاة الله جل وعلا ملائكته بعباده المجتمعين على ذكره.
وقد مر رسول الله على قوم يذكرون الله فسألهم: «ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟!». قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة» [صحيح الترغيب رقم: 1503]"
والباطل في الحديث هو مباهاة الله للملائكة بالناس وهذا جنون حيث يصور الله مثل المخلوقات يباهى غيره وهو ما يخالف قوله "ليس كمثله شىء "
زد على هذا أن المباهى يهدف لإغاظة من يباهيهم والملائكة هنا ليست أعداء لله أو منافسين له حتى يغيظهم وهو ما لم يحدث ولن يحدث لأنه لعب عيال
ثم قالوا :
"وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضا: «ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء».
قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله! صفهم لنا نعرفهم.
قال: «هم المتحابون في الله من قبائل شتى، وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه»."
والباطل في الحديث الذى لم يقله النبى(ص) هو تغبيط الأنبياء والشهداء للمتحابين فى جلال الله وهو تخريف لأن الشهداء والمجاهدين ومنهم الأنبياء هم أفضل المسلمين مصداق لقوله تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "
وتحدثوا عن التره على الناس بسبب عدم الذكر فقالوا :
"أخي .. فهذه بعض غنائم الاجتماع على الذكر .. فهل فكرت كيف تجنيها؟ .. هل وظفت جهدك وفراغك لاكتسابها؟ ..
ما أرى بينك وبينها إلا خطوات .. تخطوها إلى بيت الله .. ففيه حلق التحفيظ تزخر بها الغنائم العظيمة .. وفيها الدروس والمواعظ ..
أخي .. تذكر أن مجالسك إما غنائم مشهودة، أو حسرات موعودة، ففي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله تره» [سلسلة الأحاديث الصحيحة: 78].
ومعنى الترة: الحسرة والندامة والتبعة يوم القيامة"
وقطعا الذكر الكلامى ليس مطلوبا وإنما المطلوب هو طاعة أحكام الله في القعود والرقود والقيام كما قال تعالى :
"الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم"
وطالب المؤلفون المسلم بمحاسبة نفسه فقال :
"هل حاسبت نفسك وتأملت في نوع مجالسك ومجالسك؟!
هل جلساؤك أهل ذكر ونصح أو أهل غيبة ونميمة وفضح؟
هل جلساؤك أهل تقوى وصلاح، أو أهل عبث وغفلة؟
انظر - أخي - في حقيقة اجتماعاتك ورفقائك .. وتذكر ما يفوتك بفوات المجالس الخيرة .. وما تجنيه من مجالس السوء ..
تفوتك مجالس الذكر فتفوتك الجنة .. وتحضر مجالس السوء فتكسب منها الحسرة والمعاناة .. فضلا عن ضياع وقتك وغبنك في فراغك"
وبين القوم في رأيهم ما توجبه تلك المجالس فقالوا:
"أخي: إن رمت الخير، فعليك بمجالس الخير فهي توجب:
4 - رقة القلب وطمأنينته: لما فيها من ذكر الله الذي هو منبع السكينة والطمأنينة .. {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28].
5 - زيادة الإيمان والخوف من الله: كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2].
وقال تعالى: {وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [الحج: 34، 35].
وقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23].
بذكر الله ترتاح القلوب
ودنيانا بذكراه تطيب
6 - تذكرك الآخرة وتحفظ عليك دينك: ففي مجالس الذكر تعرف حقيقة الحياة وحقيقة الدنيا .. وفيها التواصي على الحق والطاعة .. والترغيب فيما عند الله من خير .. شكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: «ادنه من الذكر»، وقال: «مجالس الذكر محياة العلم، وتحدث في القلب الخشوع، القلوب الميتة تحيا بالذكر، كما تحيا الأرض الميتة بالقطر».
7 - تحفظ عليك وقتك: فأنت تعلم أخي أنك موقوف غدا بين يدي الله ومسؤول عن وقتك وفراغك قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه؟».
قال ابن الجوزي في نصيحته لابنه: «واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسا، وكل نفس خزانة، فاحذر أن تذهب نفس بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم .. وفي الحديث: «من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له بها نخلة في الجنة»، فانظر إلى مضيع الساعات كم يفوته من النخيل [لفتة الكبد ص 15].
إن في الموت والمعاد لشغلا
وادكارا لذي النهى وبلاغا
فاغتنم خطتين قبل المنايا
صحة الجسم يا أخي والفراغا
8 - تنهم منها العلوم النافعة: فحضورك أخي للحلقات العلمية .. حضور نافع تجزى عليه أجرين أجرا على العلم الذي تنهمه منها .. وأجرا على ثواب الاجتماع على ذكر الله، فأما ثواب الاجتماع فقد تقدم ذكره، وأما ثواب العلم فعند الله عظيم.
فطالب العلم طالب للرفعة عند الله، قال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]، وطالب العلم تصلي عليه الملائكة وتستغفر له الحيتان في البحر .. وفضله عند الله عظيم.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالما ومتعلما» [صحيح الترغيب: 74].
9 - تتعرف فيها على الأخيار: فمصاحبة أهل التقوى وملازمتهم خصلة من خصال أهل الفلاح، كما قال تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1 - 3].
فالتواصي بالحق يستلزم الاجتماع عليه، والحث عليه، وفي ذلك تجسيد لمعاني التعاون على البر والتقوى، ولذلك فالملازم لمجالس الذكر والخير لا يعايش إلا المتواصين بالحق، وهو بذلك يحقق صفة من صفات أهل النجاة يوم القيامة، ثم إن الله جل وعلا قد أمر بملازمة أهل التقوى، فقال سبحانه: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} [الكهف: 28].
فالمتجالسون في الله لا يشقى بهم الجليس فهم له كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك إما بهبة أو بعوض، فالخير الذي يصيبه المؤمن من جليسه الصالح أبلغ وأفضل من المسك الأذخر، فهو إما أن يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك، أو يهدي لك نصيحة، أو يحذرك من الإقامة على ما يضرك فيحثك على طاعة الله وبر الوالدين وصلة الأرحام، ويبصرك بعيوب نفسك ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله، فإن الإنسان مجبول على الاقتداء بصاحبه وجليسه ..
والطباع والأرواح جنود مجندة، يقود بعضها بعضا إلى الخير أو إلى ضده ..
وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي رعاية للصحبة، ومنافسة في الخير، وترفعا عن الشر، وأن يحفظك في حضرتك ومغيبك.
أخي .. وأين يا ترى ستجد الجليس الصالح إن لم تجده في زمرة أهل الصلاح الذين يشغلهم ذكر الله عن الآثام .. والذين يستثمرون فراغهم في علم نافع .. وكلام طيب .. واجتماع على الخير.
يزين الفتى في قومه ويشينه
وفي غيرهم: أخدانه ومداخله
لكل امرئ شكل من الناس مثله
وكل امرئ يهوى إلى من يشاكله
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» [رواه مسلم].
وقال ابن الجوزي رحمه الله: (يستفاد من الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة عن ذي فضل وصلاح، فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك ليسعى في إزالته فيتخلص من الوصف المذموم، وكذا عكسه).
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
10 - الثبات على الإيمان: وهذا أيضا من أعظم غنائم المجالس التي يجتمع فيها على ذكر الله.
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا إذا استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية» [رواه أحمد وهو في صحيح الجامع برقم: 5577].
أخي: فالزم جماعة المسلمين .. واختر لنفسك رفقة طيبة صالحة ناصحة تحثك على الخير .. وتدلك على سبيله .. وتنهاك عن الشر وتجنبك مغباته فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119].
وما المرء إلا بإخوانه
كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة
ولا خير في الساعد الأجذم
أخي .. وما لم تكن في مجلسك غانما فأنت فيه أحد اثنين: إما آثم أو مغبون.
فالآثم: هو من كانت مجالسه مجالس ضرر وأذى يفتح فيها الشر،ويغلق فيها الخير، وينال فيها من أعراض المسلمين.
والمغبون: هو ما كانت مجالسه خالية من ذكر الله، وخالية من المحرمات؛ لكنها مجالس لغو ولهو .. تقسو فيها القلوب .. وتضيع بها الأوقات ..
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»"
وهذه الموجبات للذاكر معظمها بمعنى واحد كرقة القلب وتذكير الآخرة والحفاظ على الوقت والثبات على الإيمان فهى نصيحة عامة بمعنى التقوى أى طاعة الله أى اتباع الله.... والبعض الأخر كمصاحبة الاخيار وتعلم العلوم النوافع هى جزء من ذلك الكل العام
ومن ثم فمجالس الذكر عند الله هى نوع من الذكر سماه الله القعود وبقية الذكر يكون من القيام أو من الرقود على الأجناب فالأوضاع الحركية الثلاثة شاملة لكل حياة المسلم والكافر فكل منا إما واقف أو قاعد أو راقد على جنب
مواضيع مماثلة
» نقد كتاب مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية2
» نقد كتاب مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
» قراءة فى كتاب فقه الواقع
» نقد كتاب مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» قراءة في كتاب جزء فيه أحاديث مستخرجة من كتاب الخلافة
» قراءة فى كتاب فقه الواقع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى