نظرات فى رسالة في تعاقب الأيدي
صفحة 1 من اصل 1
نظرات فى رسالة في تعاقب الأيدي
نظرات فى رسالة في تعاقب الأيدي
المؤلف ضياء الدين العراقى والرسالة تدور حول انتقال مال أحدهم إلى يد واحد غيره ثم اعطاء المال من قبل الآخذ الأول لآخذ ثانى وهكذا
الكتاب مكتوب بلغة فلسفية فقهية ليست معتادة فربما كان المؤلف من المنطقيين أو الذين يدرسون الفلسفة ومن ثم فالقارىء سيجد صعوبة فى فهم ما يقوله العراقى خاصة مع عدم ذكر آيات أو أحاديث سوى حديث واحد فى الرسالة كلها وهو عبارة عن جملة قصيرة
ومن ثم وجب شرح تعاقب الأيدى قبل قراءة الرسالة للفهم :
تعاقب الأيدى على المال معناه انتقال المال من مالك إلى مالك أخر سواء بعطاء رضا عنه الأول كسلف أو امانة أو لم يرض عنه كاغصاب المال بالقوة أو نتيجة غياب الملك الأصلى
المثال الموجود فى كتاب الله لتعاقب الأيدى هو :
قضية الحرث والغنم فالحرث انتقلت ملكيته لأصحاب الغنم والغنم انتقلت ملكيتها لأصحاب الحرث وبعد اصلاح التالف عادة ملكية الغنم لأصحابها الغنم وعادة ملكية الحرث لأصحابه الحرث وفى هذا قال تعالى :
" وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم"
تعاقب الأيدى منه الحلال كمثال إصلاح التالف فى القضية السابقة وكمثال الطعام الذى أعطاه أحدهم لصاحبه وانتقلت ملكيته للعديد من الصحاب وعاد فى النهاية لصاحبه الأصلى ولكن بدون معرفة أنه صاحبه الأصلى وهى حكاية مشهورة آثر كل صاحب صاحبه بالطعام
وأيضا مثاله من يستلف من صاحبه كى يسلف صاحب ثالث ثم يغيد الثالث المال للثانى والذى بدوره يعيده للأول
ومنه تعاقب الأيدى الحرام كما اغتصب ملكية أرض من أحدهم ثم جاء ثالث فاغتصبها من الثانى ثم جاء رابع فاغتصبها من الثالث وهذه الملكية فى القضاء ثابتة للأول
ومنه السلف الربوى حيث يودع أحدهم ماله أو بعضه فى المصرف الذى يسلفه لثانى مه الفائدة فيرده بهد مدة ثم يأتى ثالث فيستلف نفس المال ثم يرده مع الفائدة
ورد الملكية أو المال لصاحبه يكون إما عن طريق اعادة التالف لآصله كما فى قضية الغنم والحرث وإما عن طريق البدل حيث يتبادل صاحب الأرض الأصلى أرضه بأرض أخرى لمن أخذها وهو الثانى لها نفس المساحة أو الثمن
وفى حالة التعذر لرد المال الأصلى بسبب قاهر مثل أن يبيع الثانى أو الثالث الشىء لواحد فلا يرضى برد ما اشتراه وساعتها يعوض البائع صاحب المالى الأصلى بقيمة ما باعه
هذا هو تعاقب الأيدى أردت بيانه بلغة بسيطة يفهمها من يقرئها لأن الرسالة عانيت صعوبة فى فهمها
وقد بين العراقى أن الفقهاء ليس لديهم مشاكل فى التعاقب فقال :
"وبعد نقول
إذا تعاقبت الأيدي علي مال الغير علي وجه توجب الضمان فالظاهر عندهم ان للمالك الرجوع الي أي واحد شاء وان قرار الضمان علي من بيده التلف، ولا إشكال أيضا بينهم في أن للسابقة عند غرامته للمالك الرجوع الي اللاحقة بأخذ عينه أو بدله وانه مع أخذ العين يرجع العين الي المالك ويرجع بما أعطاه من البدل.
كما ان الظاهر أيضا عدم استحقاق المالك للبدل مع وجود العين في يد من يرجع المالك اليه، ومدرك هذه الاحكام ليس إلا النبوي المعروف «علي اليد ما أخذت حتي تؤدي» وحينئذ فعمدة المقصود هي استفادة الأحكام المزبورة من العام المزبور."
ومعنى المقولة أن من أخذ المال يعيده وبالتسلسل يرجع المال من اخر واحد إلى من قبله وهكذا حتى يعود لصاحبه الأول
وتعرض العراقى لدقع الشبهات فى الموضوع فقال :
"وقبل الخوض في تنقيح المقصد
ينبغي دفع التوهمات الواردة في ضمان الأيدي المتعددة لمال واحد وملخصها انه كيف يتصور ابدال متعددة لمبدل واحد نظرا الي ان الضمان المتعدد يقتضي تعهد كل يد لرد بدل العين، ولازمه الالتزام بان علي كل واحدة من الأيدي بدل من المال القابل لرجوع المالك اليه، ولازمه الالتزام بإبدال متعددة علي الأيدي العديدة.
و من هذه الجهة التزم بعض الأعاظم بأن الخطاب بالنسبة الي غير من بيده التلف تكليفي لا وضعي، والتزم آخر بأن الأيدي المتعددة طرف الإضافة لبدل واحد وان البدل الواحد مضاف إلي الأيدي لا ان علي كل واحدة منها بدل مستقل فرارا عن لزوم المحذور المزبور وان الخطاب بالنسبة إلي الجميع وضعي بهذا المعني لا بالمعني الآخر المتقدم.
ولكن أنت خبير بأن أصل الشبهة لا موقع لها فضلا عما التزموا به في جوابها و ذلك لأن الغرض من تعدد البدل ان كان ما يقوم مقام المبدل فعلا فهو في غاية المتانة، ولكن ما علي الأيدي قبل أدائها إلي المالك لا يقوم مقام مبدله إلا بعد أدائه المسقط للبقية بلا تصور تعدد في هذا المقام وان كان المقصود عدم تعدد ما يصلح للوفاء بغرض المبدل، فإنكاره مساوق إنكار البداهة إذ إمكان تعدد الابدال لشيء واحد بهذا المعني كالنار علي المنار ولذا تري لكل دواء و مسهل أبدال متعددة، والمفروض انما علي الأيدي المتعددة ليس الا البدل بهذا المعني لا بالمعني السابق كما عرفت."
فان قلت:
ظاهر «علي اليد ما أخذت» ان نفس العين الشخصية علي أيد متعددة لا أبداله و حينئذ يلزم محذور آخر أشد من المحذور السابق و هو أنه كيف يتصور لشيء واحد شخصي وجودات متعددة أو أمكنة مختلفة، قلت: ما أفيدك ذلك لو كان ما علي الأيدي المتعددة وجودات حقيقة متعددة وليس كذلك ، بل غاية ما في الباب اعتبار وجودات شخصية بتعدد الأيدي عليها وتصور الوجودات المتعددة الاعتبارية أيضا لشيء واحد في الوضوح كالشمس في رابعة النهار."
والرجل هنا يقول أنه لا يمكن أن يكون أصل المال متعدد بمعنى تكراره عطيته لكل واحد لأنه نفس المبلغ ولكنه انتقل من واحد إلى ثانى إلى ثالث إلى رابع وهكذا
والمسألة ليس لها نظير حالى أعرفه سوى البنوك حيث يودع أحدهم ماله فى المصرف فيسلفه البنك لواحد أخر وعندما يرده للمصرف يسلفه لثانى وهكذا
وسوى من استولى على ملك غيره فجاء ثانى فاستولى من الثانى على نفس الملك ثم استولى الرابع على ما استولى عليه الثالث وهكذا والحق أن الملك فى الأساس لصاحب الملك ألأول مهما تعدد جهات الاستيلاء
ثم قال :
"وحينئذ فلا قصور في اعتبار وجود للعين علي كل واحدة من الأيدي مستقلا ويقال بان علي كل يد وجود شخص ما أخذت بالعناية المزبورة وبهذه العناية لا يحتاج الي الالتزام بتغيير سياق العام بين من بيده التلف وغيره بجعل الخطاب في الأول وضعيا وفي غيره تكليفيا، ولا الي الالتزام بوحدة الوجود وتعدد الإضافة خصوصا مع ان الظاهر من العام انما علي اليد عين ما أخذت لا إضافته بالجملة فلا قصور في اعتبار تعدد وجود ما أخذت حسب تعدد الأيدي بلحاظ تعدد الابدال القائمة عليها وبملاحظة ان وجود البدل نحو وجود للمبدل وهذه الجهة هي مصحح العنايتين في وجودات العين علي حسب تعدد الأيدي."
وهذا الكلام غامض نوع ما فهو مكتوب بلغة فقهية عفا عليه الزمن والقارىء فيها يحتاج للشرح
ثم قال :
"وحيث اتضح ذلك فنقول:
ان الظاهر من العموم بعد ما كان ما أخذت بنفسه علي اليد فمرجعه في اليد الاولي الي كون ما هو تحت يده واستيلائه بأخذه علي يده فكأنه قال ان ما هو تحت يده علي يده، ولازمه اعتبار وجود آخر لما تحت يده بجعله فوقها، ولازمه كما أشرنا اعمال عناية في اعتبار العين فوق اليد وعليها.
وحينئذ يبقي الكلام في أن محل اعمال العناية، تارة نفس وجود العين ويقال إن الوجود بالعناية علي اليد حقيقة بمعني إبقاء مدلول علي والاستعلاء علي حقيقته بلا تصرف فيه، واخري محل اعمال العناية هو مدلول علي ان الوجود الحقيقي للعين الذي هو تحت اليد كان علي اليد بلا تصرف في وجود العين ابدا، ولعل نظر من قال بتعدد الإضافة الي ذلك لا أن ما هو علي اليد هو الإضافة كي يكون خلاف ظاهر العموم كما أشرنا.
و ربما يترتب علي كل واحد من اعمال العنايتين نتائج متعددة.
منها:
انه علي الأعمال الأول تبقي الغاية من الأداء الحقيقي بحاله حيث أن أداء العين بوجوده الحقيقي برد عينه وبوجوده الاعتباري برد بدله، وهذا الأداء أيضا أداء حقيقي بلا عناية فيه، واما علي الثاني فلا محيص من اعمال عناية أخري في الأداء الذي هو الغاية بجعل أداء بعض مراتبه بمنزلة أدائه من حيث أن البدل واف ببعض مراتب العين لا انه مصداق وجودها حقيقة والمفروض أن ما علي اليد بالعناية وجود العين حقيقة.
وبعبارة أخري نقول: إن الغاية مضافة الي ما أخذت فإذا فرض لما أخذت وجودان، فلا محالة الأداء المضاف الي جامع الوجودين حقيقي وجود كل بحسبه واما إذا فرض لوجود ما أخذت حقيقته وجود واحد واعتبر لهذا الوجود الحقيقي مكانين بحيث استعمل العناية في المكان لا في الوجود والأداء المضاف الي وجود العين حقيقة ليس إلا بأداء شخصه والا فأداء بدله ليس وفاء حقيقيا له فلا محيص حينئذ من اعمال عناية أخري في الغاية ك ما لا يخفي."
وكما سبق القول العراقى يعبر بتعابير فلسفية قد لا يفهم منه القارىء أصل المسألة
وقال:
"ومنها:
انه علي اعمال العناية في وجود العين ليس للمالك مطالبة الوجود الاعتباري ما دام العين موجودا في اليد إذ الوجود الاعتباري في الحقيقة هو البدل وهو المصحح لاعتبار وجود العين علي اليد إذ كان هو هو، ومن المعلوم أن المالك لا يستحق مطالبة غير عينه من بدله إلا في ظرف تلف العين أو حيلولتها، وهذا بخلاف اعمال العناية في مكان العين مع بقاء العين علي وجوده العيني الحقيقي، فإنه حينئذ أمكن أن يقال إن للمالك مطالبة شخص عينه في أي مكان كانت فله حينئذ مطالبة بدلها بملاحظة أنه مصحح اعتبار مكان آخر لشخص العين الذي هو تحت سلطنته بمطالبته.
و منها:
انه علي العناية الأولي كان الوجود الاعتباري للعين قبل أداء الضامن إياه ملك الضامن حقيقة إذ هو حينئذ عين بدله الذي هو قبل أدائه ملك الضامن، غاية الأمر عناية كونه عين ما أخذت موجب لاستحقاق مطالبة المالك إياه الذي هو روح ضمانه الراجع الي استحقاق المالك علي الضامن ما هو الميسور من مراتب وجود ماله و هو ليس الا البدل وهذا بخلاف العناية الثانية إذ وجود العين بالحقيقة في أي مكان كان هو ملك المالك فرجوع المالك الي الضامن من جهة سلطنته علي أخذ ماله غاية الأمر حيث لا يتمكن الضامن لا يجب عليه الا بدله، و حينئذ فما علي اليد ليس ملك الضامن وانما هو ملكه هو البدل المسقط للعين، والا فما علي اليد كما في اليد ليس الا ملك المالك .
ومن تبعات هذه الجهة من الفرق بين العنايتين يتولد نتيجة أخري،وهي أن بمقتضي العناية الأولي عند كون اليد اللاحقة الواردة علي ما فيها بأخذها يصدق انها واردة علي وجودي العين الذين هما في اليد وعلي اليد، ففي الحقيقة استيلاؤه علي العين استيلاء علي وجود العين لجميع أنحائه وشؤونه، فكان اليد الثانية بمنزلة كاس آخر قائم علي الكاس الأول الحاوي للعين بشؤونها، ولازمه احداث ما أخذت عينا اعتباريا علي اليد الثانية للمالك وعينا اعتبارية أخري علي اليد الثانية للضامن.
كل ذلك لعموم علي اليد ما أخذت غاية الأمر ما أخذ في اليد الاولي وجود عين واحدة و في اليد الثانية وجودان للعين من حقيقي واعتباري و كل منهما علي اليد الثانية، وبهذه الملاحظة يقال: ان اليد الثانية أيضا مشغولة بمال الضامن فعلي يده أيضا وجود هذه العين، غاية الأمر ليس للضامن السابق مطالبة اللاحق إلا في ظرف أدائه ما عليه من البدل لأن أدائه موجب لتلف ماله فله الرجوع الي اللاحقة بما عليه من ماله أيضا.
ك ما أن للمالك أيضا الرجوع الي اللاحقة في ظرف تلف ماله بيد اللاحق أو حيلولته، غاية الأمر يك ون مطالبته في ظرف أدائه ما علي يده برجوع المالك اليه و هذا واضح في فرض تلف العين، ك ما أن من بيده التلف ليس له يد لاحقة فلا مقتضي لرجوعه بأداء البدل الي غيره، ولذا كان قرار الضمان عليه.
واما فرض بقاء العين في يد اللاحقة
فإن طالب المالك من السابقة شخص العين فهو بمنزلة الإذن بأخذها من اللاحقة واعطائها للمالك فلا اشكال فيه، وان طالب البدل ولو بملاحظة حيلولته بين المالك والمال فلا شبهة في انه بأداء البدل يسقط سلطنة المالك عن مطالبة العين عن اللاحقة لظهور حتي تؤدي في سقوط استحقاق المالك ، ولا أقول بأن العين تخرج عن ملك المالك بأخذ بدلها، كيف والبدل وجود ناقص للعين فكيف يوجب ملكه خروج الوجود الكامل من شخص العين عن ملكية المالك .
ولئن شئت قلت إن المالك أخذ بدل مالية العين والا فشخصها باق علي ملكه ولا ينافي ذلك أيضا مع مالكية المالك للبدل حيث انه بدل مرتبة من مراتب العين فلا قصور في الجمع بين ملكية البدل والمبدل، نظير الجمع بين طلب البدل وطلب مبدله في الابدال الناقصة في العبادات، وانما لا يتصور الجمع بين الملكية والطلب في البدل التام لا الناقص وحينئذ لذي اليد السابقة بعد أدائه البدل استحقاق مطالبة العين التي هي باليد اللاحقة ببعض مراتبها التالف من ماله بأدائه مع سقوط سلطنة المالك بأخذه البدل عن حقيقة العين فإذا أخذ السابقة العين من اللاحقة يرجع سلطنة المالك عليه لخروجه عن الحيلولة ويصير مستحقا للعين و يرجع بدله المأخوذ إلي المأخوذ منه فيعطي الأخذ العين للمالك ويأخذ ما أعطاه من بدل العين.
ثم بهذه النسبة نقول بالنسبة إلي سائر الأيدي فبتعدد الأيدي يتعدد اعتبار وجودات للعين عليها علي وجه موجب لرجوع السابقة عند تلف العين أو حيلولتها إلي اللاحقة، نعم كل سابقة بالنسبة إلي اللاحقة ليس له الرجوع مع عدم إعطاء ما علي يده للمالك أوالسابقة، كما انه مع إعطائه إياه أيضا ليس له الرجوع الي اللاحقة بالنسبة الي ما علي يده مع وجود العين تحت يده بل حقه حينئذ ليس إلا مطالبة العين بإخراجها من الحيلولة إذ السابقة بإعطائه بدل العين مستحق للعين أولا ومع حيلولته مستحق لبدلها، لا أقول: انه حينئذ يصير مالكا للعين كما لا يصير بإعطائه البدل عند التلف أو الحيلولة مالكا لما علي اللاحقة من البدل، بل انما يملك البدل بأخذه ومع وجود العين أيضا يستحق المطالبة بأداء بدله غاية الأمر هنا بأخذه العين أيضا لا يملك العين من جهة أنه بأخذه العين ترتفع الحيلولة فيرجع استحقاق المالك أو السابقة عليه للبدل المأخوذ، حيث إن ملكيته مراعي بالحيلولة فيستحق المالك العين فيرجع البدل ويأخذ العين.
و من هذا البيان ظهر أيضا حال بدل الحيلولة
وان المالك مالك للبدل المأخوذ ومالك للعين مع كون المأخوذ أيضا بدل نفس العين، غاية الأمر حيث انه بدل ناقص وواف ببعض مراتب العين فلا مانع في ملكية المالك له عند أخذه البدل مع بقاء ملكيته لشخص العين دون جهة مالية علي حالها.
و حينئذ فصح لك أن تقول
إن ما يأخذه المالك مثلا بدل نفس العين ببعض مراتبها فيملكه بهذه الملاحظة مع بقاء العين بمرتبتها الأخري علي ملكية المالك ومن هنا ظهر أن بدل الحيلولة كبدل العين التالفة بدل نفس العين وغاية الأمر في بدل التالف حيث لا مجال لعود العين فيستقر ملكية المالك للبدل المأخوذ بخلافه في بدل الحيلولة حيث انه ممكن العود فلا محيص عن كون ملك ية المالك للبدل المأخوذ مراعي بعدم ارتفاع الحيلولة والا فبمجرد ارتفاعها يرجع ملكية البدل و يستقر ملكية المالك في العين.
ولئن شئت قلت: إن البدل مطلقا في التالف أو الحيلولة حيث انه بدل ناقص للعين بمقتضي وفائه ببعض مراتب وجودها لا يوجب بنفسه ملكية مستقرة له ولذا لو فرض عود التالف علي خلاف العادة يعود ملكية البدل المأخوذ فيرجع التالف العائد إلي المالك و يرجع البدل الي الضامن، وانما استقراره من جهة عدم عود التالف لخرق العادة بخلافه في بدل الحيلولة.
و علي أي حال لا مجال للفرق بين بدل التالف وبدل الحيلولة بجعل الأول بدل العين والثاني بدل السلطنة الفائتة بخيال أن شأن البدل في باب الضمانات أن يكون جابرا للتالف ومع عدم تلف العين لا يكون في البين تالف قابل للجبران إلا السلطنة علي العين فيكون بدل الحيلولة بدلا وجابرا للسلطنة لا لنفس العين.
و توضيح الدفع هو ان شأن البدل وان كان جبران التالف، ولكن نقول:
ان دائرة التلف أعم من انعدام العين مطلقا أو انعدامها في الجملة ولو في زمان الحيلولة بالنسبة إلي يد الضامن، فإنه في هذه القطعة من الزمان ولو بملاحظة فقد العين في يد الضامن يصدق أيضا نحو مرتبة من التلف القابل للجبران بالبدل بمقدار تلفه، ولذا كان جبرانه ما دام العين تالفا في يد الضامن و بمجرد عودها اليه يرتفع ملكية البدل ويرجع الي الضامن كما أن العين تعود وترجع الي المالك .
ولئن شئت قلت ليس قوام البدلية بجبره للفائت بل قوامه بقيامه مقامه في الوفاء بلوازمه واثاره عند فقده ولو في الجملة، غاية الأمر لا يكاد يستحق المالك المطالبة بالبدل مع وجود العين تحت يده، إذ مع إمكان الوصول الي عين ماله لا يبقي مجال عناية البدلية للمرتبة الناقصة منها لعدم استحقاق الإنسان أزيد من عين ماله.
و كيف كان نقول إن شأن البدل جبران الفائت الحاصل بالتلف تارة وبالحيلولة أخري، و حينئذ لا يقتضي في تصحيح الجبران المزبور جعل البدل في الحيلولة بدل السلطنة الفائتة، إذ لا قصور في كونه بدل عين المال الفائت في الجملة ولو في حال الحيلولة، مضافا الي أنه لو كان البدل بدل السلطنة الفائتة لزمه عدم عود البدل برجوع العين لأن السلطنة الفائتة غير قابلة للرجوع ولئن قيل بان البدل بدل تمام السلطنة قلنا بأنه ليس بفائت ليجبر.
ولو قيل بان البدل في الحيلولة بدل العين في السلطنة لا الملكية كي برجوع العين يرجع البدل كان أولي، ولكن لازمه عدم ملكية المالك للبدل المأخوذ بل في حكم ملكه في السلطنة علي جميع التصرفات فيه، نظير القول بالإباحة في معاطاة البيع مع حفظ حقيقة البيع من المبادلة بين المالين فيها، ولكن ذلك خلاف ظاهر ك لماتهم من كون المأخوذ بدلا ملك للأخذ غاية الأمر مراعي ببقاء الحيلولة فتدبر فيه حيث لا يأبي ك لماتهم من الحمل علي هذا المعني لولا دعوي ان البدل في مورد التلف أيضا بحك م بدل الحيلولة من ك ونه مرجوعا أيضا برجوع العين علي خرق العادة والحال ان المرتكز في الأذهان فيه هو الملكية، ولم يتوهم أحد فيه انه بدل السلطنة فليكن ك ذلك في بدل الحيلولة أيضا إذ هما من هذه الجهة يرتضعان من ثدي واحد كما لا يخفي.
وعلي أي حال نقول ان ترتيب هذه الآثار واللوازم إنما هو من تبعات كون ما علي اليد ملك الضامن قبل أدائه الذي هو من تبعات العناية في الوجود واما علي العناية في المحل لا في الوجود، فلا شبهة في ان اليد الثانية الواردة علي العين بجميع شئونها قائمة علي عين المالك بلا قيام يده علي مال الضامن وحينئذ من قبل هذا العام لا مقتضي لرجوع السابقة علي اللاحقة عند إعطائه البدل، لان يده حينئذ بالنسبة الي ما هو تحت اليد الاولي يد علي مال المالك وغاية ما تقتضيه يده جواز رجوع المالك عليه، لا جواز رجوع الضامن عند خسارته علي اللاحقة، فإثبات مثل هذا الحكم حينئذ من عموم علي اليد فقط دونه خرط القتاد.
ونظيره في هذا الاشكال لو قلنا بان مفاد علي اليد تعهد الضامن والتزامه برده بلا اعتبار وجود عين علي اليد، إذ مجرد العهدة لا يصلح أن يقع تحت اليد و موردا للضمان كيف وهو من شئون الأموال عينا كانت أم منفعة أو حقا، واما الأحكام الوضعية والتكليفية فهي أجنبية عن مقام التضمين بيد أو غيرها.
واعجب من ذلك توهم آخر
وهو انه مع التزامه بعدم تعدد العين في الأيدي وان الإضافات متعددة التزم أيضا برجوع السابقة علي اللاحقة قضاء لحق البدلية، إذ لنا حينئذ حق السؤال بان بدلية الشيء عن الفائت بقيامه مقامه لا تقتضي أن يقوم الضامن أيضا مقام المالك إذ هو من تبعات المعاوضة القهرية، وليس كذلك خصوصا في بدل الحيلولة، و بالجملة كلماتهم في المقام في نهاية التشويش حيث لم يلاحظوا دقة المطلب ولم يعتنوا به والله العالم. "
المؤلف ضياء الدين العراقى والرسالة تدور حول انتقال مال أحدهم إلى يد واحد غيره ثم اعطاء المال من قبل الآخذ الأول لآخذ ثانى وهكذا
الكتاب مكتوب بلغة فلسفية فقهية ليست معتادة فربما كان المؤلف من المنطقيين أو الذين يدرسون الفلسفة ومن ثم فالقارىء سيجد صعوبة فى فهم ما يقوله العراقى خاصة مع عدم ذكر آيات أو أحاديث سوى حديث واحد فى الرسالة كلها وهو عبارة عن جملة قصيرة
ومن ثم وجب شرح تعاقب الأيدى قبل قراءة الرسالة للفهم :
تعاقب الأيدى على المال معناه انتقال المال من مالك إلى مالك أخر سواء بعطاء رضا عنه الأول كسلف أو امانة أو لم يرض عنه كاغصاب المال بالقوة أو نتيجة غياب الملك الأصلى
المثال الموجود فى كتاب الله لتعاقب الأيدى هو :
قضية الحرث والغنم فالحرث انتقلت ملكيته لأصحاب الغنم والغنم انتقلت ملكيتها لأصحاب الحرث وبعد اصلاح التالف عادة ملكية الغنم لأصحابها الغنم وعادة ملكية الحرث لأصحابه الحرث وفى هذا قال تعالى :
" وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم"
تعاقب الأيدى منه الحلال كمثال إصلاح التالف فى القضية السابقة وكمثال الطعام الذى أعطاه أحدهم لصاحبه وانتقلت ملكيته للعديد من الصحاب وعاد فى النهاية لصاحبه الأصلى ولكن بدون معرفة أنه صاحبه الأصلى وهى حكاية مشهورة آثر كل صاحب صاحبه بالطعام
وأيضا مثاله من يستلف من صاحبه كى يسلف صاحب ثالث ثم يغيد الثالث المال للثانى والذى بدوره يعيده للأول
ومنه تعاقب الأيدى الحرام كما اغتصب ملكية أرض من أحدهم ثم جاء ثالث فاغتصبها من الثانى ثم جاء رابع فاغتصبها من الثالث وهذه الملكية فى القضاء ثابتة للأول
ومنه السلف الربوى حيث يودع أحدهم ماله أو بعضه فى المصرف الذى يسلفه لثانى مه الفائدة فيرده بهد مدة ثم يأتى ثالث فيستلف نفس المال ثم يرده مع الفائدة
ورد الملكية أو المال لصاحبه يكون إما عن طريق اعادة التالف لآصله كما فى قضية الغنم والحرث وإما عن طريق البدل حيث يتبادل صاحب الأرض الأصلى أرضه بأرض أخرى لمن أخذها وهو الثانى لها نفس المساحة أو الثمن
وفى حالة التعذر لرد المال الأصلى بسبب قاهر مثل أن يبيع الثانى أو الثالث الشىء لواحد فلا يرضى برد ما اشتراه وساعتها يعوض البائع صاحب المالى الأصلى بقيمة ما باعه
هذا هو تعاقب الأيدى أردت بيانه بلغة بسيطة يفهمها من يقرئها لأن الرسالة عانيت صعوبة فى فهمها
وقد بين العراقى أن الفقهاء ليس لديهم مشاكل فى التعاقب فقال :
"وبعد نقول
إذا تعاقبت الأيدي علي مال الغير علي وجه توجب الضمان فالظاهر عندهم ان للمالك الرجوع الي أي واحد شاء وان قرار الضمان علي من بيده التلف، ولا إشكال أيضا بينهم في أن للسابقة عند غرامته للمالك الرجوع الي اللاحقة بأخذ عينه أو بدله وانه مع أخذ العين يرجع العين الي المالك ويرجع بما أعطاه من البدل.
كما ان الظاهر أيضا عدم استحقاق المالك للبدل مع وجود العين في يد من يرجع المالك اليه، ومدرك هذه الاحكام ليس إلا النبوي المعروف «علي اليد ما أخذت حتي تؤدي» وحينئذ فعمدة المقصود هي استفادة الأحكام المزبورة من العام المزبور."
ومعنى المقولة أن من أخذ المال يعيده وبالتسلسل يرجع المال من اخر واحد إلى من قبله وهكذا حتى يعود لصاحبه الأول
وتعرض العراقى لدقع الشبهات فى الموضوع فقال :
"وقبل الخوض في تنقيح المقصد
ينبغي دفع التوهمات الواردة في ضمان الأيدي المتعددة لمال واحد وملخصها انه كيف يتصور ابدال متعددة لمبدل واحد نظرا الي ان الضمان المتعدد يقتضي تعهد كل يد لرد بدل العين، ولازمه الالتزام بان علي كل واحدة من الأيدي بدل من المال القابل لرجوع المالك اليه، ولازمه الالتزام بإبدال متعددة علي الأيدي العديدة.
و من هذه الجهة التزم بعض الأعاظم بأن الخطاب بالنسبة الي غير من بيده التلف تكليفي لا وضعي، والتزم آخر بأن الأيدي المتعددة طرف الإضافة لبدل واحد وان البدل الواحد مضاف إلي الأيدي لا ان علي كل واحدة منها بدل مستقل فرارا عن لزوم المحذور المزبور وان الخطاب بالنسبة إلي الجميع وضعي بهذا المعني لا بالمعني الآخر المتقدم.
ولكن أنت خبير بأن أصل الشبهة لا موقع لها فضلا عما التزموا به في جوابها و ذلك لأن الغرض من تعدد البدل ان كان ما يقوم مقام المبدل فعلا فهو في غاية المتانة، ولكن ما علي الأيدي قبل أدائها إلي المالك لا يقوم مقام مبدله إلا بعد أدائه المسقط للبقية بلا تصور تعدد في هذا المقام وان كان المقصود عدم تعدد ما يصلح للوفاء بغرض المبدل، فإنكاره مساوق إنكار البداهة إذ إمكان تعدد الابدال لشيء واحد بهذا المعني كالنار علي المنار ولذا تري لكل دواء و مسهل أبدال متعددة، والمفروض انما علي الأيدي المتعددة ليس الا البدل بهذا المعني لا بالمعني السابق كما عرفت."
فان قلت:
ظاهر «علي اليد ما أخذت» ان نفس العين الشخصية علي أيد متعددة لا أبداله و حينئذ يلزم محذور آخر أشد من المحذور السابق و هو أنه كيف يتصور لشيء واحد شخصي وجودات متعددة أو أمكنة مختلفة، قلت: ما أفيدك ذلك لو كان ما علي الأيدي المتعددة وجودات حقيقة متعددة وليس كذلك ، بل غاية ما في الباب اعتبار وجودات شخصية بتعدد الأيدي عليها وتصور الوجودات المتعددة الاعتبارية أيضا لشيء واحد في الوضوح كالشمس في رابعة النهار."
والرجل هنا يقول أنه لا يمكن أن يكون أصل المال متعدد بمعنى تكراره عطيته لكل واحد لأنه نفس المبلغ ولكنه انتقل من واحد إلى ثانى إلى ثالث إلى رابع وهكذا
والمسألة ليس لها نظير حالى أعرفه سوى البنوك حيث يودع أحدهم ماله فى المصرف فيسلفه البنك لواحد أخر وعندما يرده للمصرف يسلفه لثانى وهكذا
وسوى من استولى على ملك غيره فجاء ثانى فاستولى من الثانى على نفس الملك ثم استولى الرابع على ما استولى عليه الثالث وهكذا والحق أن الملك فى الأساس لصاحب الملك ألأول مهما تعدد جهات الاستيلاء
ثم قال :
"وحينئذ فلا قصور في اعتبار وجود للعين علي كل واحدة من الأيدي مستقلا ويقال بان علي كل يد وجود شخص ما أخذت بالعناية المزبورة وبهذه العناية لا يحتاج الي الالتزام بتغيير سياق العام بين من بيده التلف وغيره بجعل الخطاب في الأول وضعيا وفي غيره تكليفيا، ولا الي الالتزام بوحدة الوجود وتعدد الإضافة خصوصا مع ان الظاهر من العام انما علي اليد عين ما أخذت لا إضافته بالجملة فلا قصور في اعتبار تعدد وجود ما أخذت حسب تعدد الأيدي بلحاظ تعدد الابدال القائمة عليها وبملاحظة ان وجود البدل نحو وجود للمبدل وهذه الجهة هي مصحح العنايتين في وجودات العين علي حسب تعدد الأيدي."
وهذا الكلام غامض نوع ما فهو مكتوب بلغة فقهية عفا عليه الزمن والقارىء فيها يحتاج للشرح
ثم قال :
"وحيث اتضح ذلك فنقول:
ان الظاهر من العموم بعد ما كان ما أخذت بنفسه علي اليد فمرجعه في اليد الاولي الي كون ما هو تحت يده واستيلائه بأخذه علي يده فكأنه قال ان ما هو تحت يده علي يده، ولازمه اعتبار وجود آخر لما تحت يده بجعله فوقها، ولازمه كما أشرنا اعمال عناية في اعتبار العين فوق اليد وعليها.
وحينئذ يبقي الكلام في أن محل اعمال العناية، تارة نفس وجود العين ويقال إن الوجود بالعناية علي اليد حقيقة بمعني إبقاء مدلول علي والاستعلاء علي حقيقته بلا تصرف فيه، واخري محل اعمال العناية هو مدلول علي ان الوجود الحقيقي للعين الذي هو تحت اليد كان علي اليد بلا تصرف في وجود العين ابدا، ولعل نظر من قال بتعدد الإضافة الي ذلك لا أن ما هو علي اليد هو الإضافة كي يكون خلاف ظاهر العموم كما أشرنا.
و ربما يترتب علي كل واحد من اعمال العنايتين نتائج متعددة.
منها:
انه علي الأعمال الأول تبقي الغاية من الأداء الحقيقي بحاله حيث أن أداء العين بوجوده الحقيقي برد عينه وبوجوده الاعتباري برد بدله، وهذا الأداء أيضا أداء حقيقي بلا عناية فيه، واما علي الثاني فلا محيص من اعمال عناية أخري في الأداء الذي هو الغاية بجعل أداء بعض مراتبه بمنزلة أدائه من حيث أن البدل واف ببعض مراتب العين لا انه مصداق وجودها حقيقة والمفروض أن ما علي اليد بالعناية وجود العين حقيقة.
وبعبارة أخري نقول: إن الغاية مضافة الي ما أخذت فإذا فرض لما أخذت وجودان، فلا محالة الأداء المضاف الي جامع الوجودين حقيقي وجود كل بحسبه واما إذا فرض لوجود ما أخذت حقيقته وجود واحد واعتبر لهذا الوجود الحقيقي مكانين بحيث استعمل العناية في المكان لا في الوجود والأداء المضاف الي وجود العين حقيقة ليس إلا بأداء شخصه والا فأداء بدله ليس وفاء حقيقيا له فلا محيص حينئذ من اعمال عناية أخري في الغاية ك ما لا يخفي."
وكما سبق القول العراقى يعبر بتعابير فلسفية قد لا يفهم منه القارىء أصل المسألة
وقال:
"ومنها:
انه علي اعمال العناية في وجود العين ليس للمالك مطالبة الوجود الاعتباري ما دام العين موجودا في اليد إذ الوجود الاعتباري في الحقيقة هو البدل وهو المصحح لاعتبار وجود العين علي اليد إذ كان هو هو، ومن المعلوم أن المالك لا يستحق مطالبة غير عينه من بدله إلا في ظرف تلف العين أو حيلولتها، وهذا بخلاف اعمال العناية في مكان العين مع بقاء العين علي وجوده العيني الحقيقي، فإنه حينئذ أمكن أن يقال إن للمالك مطالبة شخص عينه في أي مكان كانت فله حينئذ مطالبة بدلها بملاحظة أنه مصحح اعتبار مكان آخر لشخص العين الذي هو تحت سلطنته بمطالبته.
و منها:
انه علي العناية الأولي كان الوجود الاعتباري للعين قبل أداء الضامن إياه ملك الضامن حقيقة إذ هو حينئذ عين بدله الذي هو قبل أدائه ملك الضامن، غاية الأمر عناية كونه عين ما أخذت موجب لاستحقاق مطالبة المالك إياه الذي هو روح ضمانه الراجع الي استحقاق المالك علي الضامن ما هو الميسور من مراتب وجود ماله و هو ليس الا البدل وهذا بخلاف العناية الثانية إذ وجود العين بالحقيقة في أي مكان كان هو ملك المالك فرجوع المالك الي الضامن من جهة سلطنته علي أخذ ماله غاية الأمر حيث لا يتمكن الضامن لا يجب عليه الا بدله، و حينئذ فما علي اليد ليس ملك الضامن وانما هو ملكه هو البدل المسقط للعين، والا فما علي اليد كما في اليد ليس الا ملك المالك .
ومن تبعات هذه الجهة من الفرق بين العنايتين يتولد نتيجة أخري،وهي أن بمقتضي العناية الأولي عند كون اليد اللاحقة الواردة علي ما فيها بأخذها يصدق انها واردة علي وجودي العين الذين هما في اليد وعلي اليد، ففي الحقيقة استيلاؤه علي العين استيلاء علي وجود العين لجميع أنحائه وشؤونه، فكان اليد الثانية بمنزلة كاس آخر قائم علي الكاس الأول الحاوي للعين بشؤونها، ولازمه احداث ما أخذت عينا اعتباريا علي اليد الثانية للمالك وعينا اعتبارية أخري علي اليد الثانية للضامن.
كل ذلك لعموم علي اليد ما أخذت غاية الأمر ما أخذ في اليد الاولي وجود عين واحدة و في اليد الثانية وجودان للعين من حقيقي واعتباري و كل منهما علي اليد الثانية، وبهذه الملاحظة يقال: ان اليد الثانية أيضا مشغولة بمال الضامن فعلي يده أيضا وجود هذه العين، غاية الأمر ليس للضامن السابق مطالبة اللاحق إلا في ظرف أدائه ما عليه من البدل لأن أدائه موجب لتلف ماله فله الرجوع الي اللاحقة بما عليه من ماله أيضا.
ك ما أن للمالك أيضا الرجوع الي اللاحقة في ظرف تلف ماله بيد اللاحق أو حيلولته، غاية الأمر يك ون مطالبته في ظرف أدائه ما علي يده برجوع المالك اليه و هذا واضح في فرض تلف العين، ك ما أن من بيده التلف ليس له يد لاحقة فلا مقتضي لرجوعه بأداء البدل الي غيره، ولذا كان قرار الضمان عليه.
واما فرض بقاء العين في يد اللاحقة
فإن طالب المالك من السابقة شخص العين فهو بمنزلة الإذن بأخذها من اللاحقة واعطائها للمالك فلا اشكال فيه، وان طالب البدل ولو بملاحظة حيلولته بين المالك والمال فلا شبهة في انه بأداء البدل يسقط سلطنة المالك عن مطالبة العين عن اللاحقة لظهور حتي تؤدي في سقوط استحقاق المالك ، ولا أقول بأن العين تخرج عن ملك المالك بأخذ بدلها، كيف والبدل وجود ناقص للعين فكيف يوجب ملكه خروج الوجود الكامل من شخص العين عن ملكية المالك .
ولئن شئت قلت إن المالك أخذ بدل مالية العين والا فشخصها باق علي ملكه ولا ينافي ذلك أيضا مع مالكية المالك للبدل حيث انه بدل مرتبة من مراتب العين فلا قصور في الجمع بين ملكية البدل والمبدل، نظير الجمع بين طلب البدل وطلب مبدله في الابدال الناقصة في العبادات، وانما لا يتصور الجمع بين الملكية والطلب في البدل التام لا الناقص وحينئذ لذي اليد السابقة بعد أدائه البدل استحقاق مطالبة العين التي هي باليد اللاحقة ببعض مراتبها التالف من ماله بأدائه مع سقوط سلطنة المالك بأخذه البدل عن حقيقة العين فإذا أخذ السابقة العين من اللاحقة يرجع سلطنة المالك عليه لخروجه عن الحيلولة ويصير مستحقا للعين و يرجع بدله المأخوذ إلي المأخوذ منه فيعطي الأخذ العين للمالك ويأخذ ما أعطاه من بدل العين.
ثم بهذه النسبة نقول بالنسبة إلي سائر الأيدي فبتعدد الأيدي يتعدد اعتبار وجودات للعين عليها علي وجه موجب لرجوع السابقة عند تلف العين أو حيلولتها إلي اللاحقة، نعم كل سابقة بالنسبة إلي اللاحقة ليس له الرجوع مع عدم إعطاء ما علي يده للمالك أوالسابقة، كما انه مع إعطائه إياه أيضا ليس له الرجوع الي اللاحقة بالنسبة الي ما علي يده مع وجود العين تحت يده بل حقه حينئذ ليس إلا مطالبة العين بإخراجها من الحيلولة إذ السابقة بإعطائه بدل العين مستحق للعين أولا ومع حيلولته مستحق لبدلها، لا أقول: انه حينئذ يصير مالكا للعين كما لا يصير بإعطائه البدل عند التلف أو الحيلولة مالكا لما علي اللاحقة من البدل، بل انما يملك البدل بأخذه ومع وجود العين أيضا يستحق المطالبة بأداء بدله غاية الأمر هنا بأخذه العين أيضا لا يملك العين من جهة أنه بأخذه العين ترتفع الحيلولة فيرجع استحقاق المالك أو السابقة عليه للبدل المأخوذ، حيث إن ملكيته مراعي بالحيلولة فيستحق المالك العين فيرجع البدل ويأخذ العين.
و من هذا البيان ظهر أيضا حال بدل الحيلولة
وان المالك مالك للبدل المأخوذ ومالك للعين مع كون المأخوذ أيضا بدل نفس العين، غاية الأمر حيث انه بدل ناقص وواف ببعض مراتب العين فلا مانع في ملكية المالك له عند أخذه البدل مع بقاء ملكيته لشخص العين دون جهة مالية علي حالها.
و حينئذ فصح لك أن تقول
إن ما يأخذه المالك مثلا بدل نفس العين ببعض مراتبها فيملكه بهذه الملاحظة مع بقاء العين بمرتبتها الأخري علي ملكية المالك ومن هنا ظهر أن بدل الحيلولة كبدل العين التالفة بدل نفس العين وغاية الأمر في بدل التالف حيث لا مجال لعود العين فيستقر ملكية المالك للبدل المأخوذ بخلافه في بدل الحيلولة حيث انه ممكن العود فلا محيص عن كون ملك ية المالك للبدل المأخوذ مراعي بعدم ارتفاع الحيلولة والا فبمجرد ارتفاعها يرجع ملكية البدل و يستقر ملكية المالك في العين.
ولئن شئت قلت: إن البدل مطلقا في التالف أو الحيلولة حيث انه بدل ناقص للعين بمقتضي وفائه ببعض مراتب وجودها لا يوجب بنفسه ملكية مستقرة له ولذا لو فرض عود التالف علي خلاف العادة يعود ملكية البدل المأخوذ فيرجع التالف العائد إلي المالك و يرجع البدل الي الضامن، وانما استقراره من جهة عدم عود التالف لخرق العادة بخلافه في بدل الحيلولة.
و علي أي حال لا مجال للفرق بين بدل التالف وبدل الحيلولة بجعل الأول بدل العين والثاني بدل السلطنة الفائتة بخيال أن شأن البدل في باب الضمانات أن يكون جابرا للتالف ومع عدم تلف العين لا يكون في البين تالف قابل للجبران إلا السلطنة علي العين فيكون بدل الحيلولة بدلا وجابرا للسلطنة لا لنفس العين.
و توضيح الدفع هو ان شأن البدل وان كان جبران التالف، ولكن نقول:
ان دائرة التلف أعم من انعدام العين مطلقا أو انعدامها في الجملة ولو في زمان الحيلولة بالنسبة إلي يد الضامن، فإنه في هذه القطعة من الزمان ولو بملاحظة فقد العين في يد الضامن يصدق أيضا نحو مرتبة من التلف القابل للجبران بالبدل بمقدار تلفه، ولذا كان جبرانه ما دام العين تالفا في يد الضامن و بمجرد عودها اليه يرتفع ملكية البدل ويرجع الي الضامن كما أن العين تعود وترجع الي المالك .
ولئن شئت قلت ليس قوام البدلية بجبره للفائت بل قوامه بقيامه مقامه في الوفاء بلوازمه واثاره عند فقده ولو في الجملة، غاية الأمر لا يكاد يستحق المالك المطالبة بالبدل مع وجود العين تحت يده، إذ مع إمكان الوصول الي عين ماله لا يبقي مجال عناية البدلية للمرتبة الناقصة منها لعدم استحقاق الإنسان أزيد من عين ماله.
و كيف كان نقول إن شأن البدل جبران الفائت الحاصل بالتلف تارة وبالحيلولة أخري، و حينئذ لا يقتضي في تصحيح الجبران المزبور جعل البدل في الحيلولة بدل السلطنة الفائتة، إذ لا قصور في كونه بدل عين المال الفائت في الجملة ولو في حال الحيلولة، مضافا الي أنه لو كان البدل بدل السلطنة الفائتة لزمه عدم عود البدل برجوع العين لأن السلطنة الفائتة غير قابلة للرجوع ولئن قيل بان البدل بدل تمام السلطنة قلنا بأنه ليس بفائت ليجبر.
ولو قيل بان البدل في الحيلولة بدل العين في السلطنة لا الملكية كي برجوع العين يرجع البدل كان أولي، ولكن لازمه عدم ملكية المالك للبدل المأخوذ بل في حكم ملكه في السلطنة علي جميع التصرفات فيه، نظير القول بالإباحة في معاطاة البيع مع حفظ حقيقة البيع من المبادلة بين المالين فيها، ولكن ذلك خلاف ظاهر ك لماتهم من كون المأخوذ بدلا ملك للأخذ غاية الأمر مراعي ببقاء الحيلولة فتدبر فيه حيث لا يأبي ك لماتهم من الحمل علي هذا المعني لولا دعوي ان البدل في مورد التلف أيضا بحك م بدل الحيلولة من ك ونه مرجوعا أيضا برجوع العين علي خرق العادة والحال ان المرتكز في الأذهان فيه هو الملكية، ولم يتوهم أحد فيه انه بدل السلطنة فليكن ك ذلك في بدل الحيلولة أيضا إذ هما من هذه الجهة يرتضعان من ثدي واحد كما لا يخفي.
وعلي أي حال نقول ان ترتيب هذه الآثار واللوازم إنما هو من تبعات كون ما علي اليد ملك الضامن قبل أدائه الذي هو من تبعات العناية في الوجود واما علي العناية في المحل لا في الوجود، فلا شبهة في ان اليد الثانية الواردة علي العين بجميع شئونها قائمة علي عين المالك بلا قيام يده علي مال الضامن وحينئذ من قبل هذا العام لا مقتضي لرجوع السابقة علي اللاحقة عند إعطائه البدل، لان يده حينئذ بالنسبة الي ما هو تحت اليد الاولي يد علي مال المالك وغاية ما تقتضيه يده جواز رجوع المالك عليه، لا جواز رجوع الضامن عند خسارته علي اللاحقة، فإثبات مثل هذا الحكم حينئذ من عموم علي اليد فقط دونه خرط القتاد.
ونظيره في هذا الاشكال لو قلنا بان مفاد علي اليد تعهد الضامن والتزامه برده بلا اعتبار وجود عين علي اليد، إذ مجرد العهدة لا يصلح أن يقع تحت اليد و موردا للضمان كيف وهو من شئون الأموال عينا كانت أم منفعة أو حقا، واما الأحكام الوضعية والتكليفية فهي أجنبية عن مقام التضمين بيد أو غيرها.
واعجب من ذلك توهم آخر
وهو انه مع التزامه بعدم تعدد العين في الأيدي وان الإضافات متعددة التزم أيضا برجوع السابقة علي اللاحقة قضاء لحق البدلية، إذ لنا حينئذ حق السؤال بان بدلية الشيء عن الفائت بقيامه مقامه لا تقتضي أن يقوم الضامن أيضا مقام المالك إذ هو من تبعات المعاوضة القهرية، وليس كذلك خصوصا في بدل الحيلولة، و بالجملة كلماتهم في المقام في نهاية التشويش حيث لم يلاحظوا دقة المطلب ولم يعتنوا به والله العالم. "
مواضيع مماثلة
» نظرات فى رسالة حول البسملة
» نظرات فى رسالة فواصل القرآن الكريم
» نظرات فى رسالة الحقوق
» نظرات فى رسالة الى ابنتي واخواتها لمناسبة زواجها
» نظرات في رسالة من العالم الآخر
» نظرات فى رسالة فواصل القرآن الكريم
» نظرات فى رسالة الحقوق
» نظرات فى رسالة الى ابنتي واخواتها لمناسبة زواجها
» نظرات في رسالة من العالم الآخر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى