تفسير سورة التوبة
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة التوبة
تفسير سورة التوبة
"براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين "المعنى بيان من الرب ونبيه (ص)إلى الذين واثقتم من الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أنه سيقول براءة من الله ورسوله (ص) والمراد سيقول بلاغ أى أذان من الرب ونبيه مصداق لقوله بسورة التوبة "وأذان من الله ورسوله إلى الناس "وهم الذين عاهدوا من المشركين وهم الذين واثقوا من الكافرين على السلام بينهم وبينهم .
"فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزى الله وأن الله مخزى الكافرين "المعنى فانتشروا فى البلاد أربعة أشهر واعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وإن الرب مذل الكاذبين ،يبين الله للمؤمنين أن البراءة التى يجب أن يقولوها للمعاهدين :سيحوا فى الأرض والمراد سيروا فى بلاد الأرض أربعة أشهر فى أمان وهى الأشهر الحرام ،واعلموا أنكم غير معجزى الله والمراد واعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وهذا يعنى أنهم لا يقدرون على منع عذاب الله لهم وأن الله مخزى الكافرين والمراد وأن الرب مذل المكذبين أى موهن كيد المكذبين بحكمه مصداق لقوله بسورة الأنفال"وأن الله موهن كيد الكافرين ".
"وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر إن الله برىء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين "المعنى وبيان من الرب ونبيه (ص)إلى الكفار يوم الزيارة الأعظم إن الرب منفصل عن الكافرين ونبيه (ص)فإن أسلمتم فهو أفضل لكم وإن كفرتم فاعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وأخبر الذين كذبوا بعقاب شديد إلا الذين واثقتم من الكافرين ثم لم يظلموكم بعضا ولم يعينوا عليكم عدوا فأكملوا لهم ميثاقهم إلى وقتهم إن الرب يرحم المطيعين لحكمه،يبين الله للمؤمنين أنه سيقول أذان أى بيان أى براءة من الله ونبيه (ص)إلى الناس وهم المشركين مصداق لقوله بنفس السورة "براءة من الله ورسوله "وعليهم أن يقولوه لهم فى يوم الحج الأكبر وهو يوم الزيارة الأكبر وهو يوم عرفة وهو :إن الله برىء ورسوله (ص)من المشركين والمراد إن الرب ونبيه (ص)عدو أى محارب للمشركين إلا الذين عاهدتم من المشركين والمراد إلا الذين عاهدتم من الكافرين ثم لم ينقصوكم شيئا والمراد ثم لم يظلموكم بندا من بنود العهد أى ثم لم ينقضوا لكم حكما فى العهد ولم يظاهروا عليكم والمراد ولم يعينوا عليكم عدوا فهؤلاء عليكم أن تتموا لهم عهدهم إلى مدتهم والمراد عليكم أن تكملوا لهم ميثاقهم إلى وقتهم المحدد وهو وقت نقض العهد أو وقته المحدد فى العهد ،ويقول للكافرين فإن تبتم فهو خير لكم والمراد فإن أسلمتم يا كفار فهو أحسن أجرا لكم وإن توليتم أى استمررتم فى الكفر فاعلموا أنكم غير معجزى الله والمراد فاعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وهذا يعنى أنهم لا يقدرون على منع عذاب الله عنهم ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يبشر الذين كفروا بعذاب أليم والمراد أن يخبر الذين كذبوا حكم الله بعقاب غليظ مصداق لقوله بسورة لقمان"عذاب غليظ" أى شديد ويبين لهم أن الله يحب المتقين والمراد أن الرب يرحم المحسنين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله يحب المحسنين "والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم"المعنى فإذا انتهت الشهور الآمنة فاذبحوا الكافرين حيث لقيتموهم وأمسكوهم واحبسوهم واجلسوا لهم فى كل مرقب فإن أسلموا أى أطاعوا الدين أى عملوا الحق فأطلقوا سراحهم إن الرب عفو نافع ،يبين الله للمؤمنين أن إذا انسلخت الأشهر الحرم والمراد إذا انتهت أيام الشهور الآمنة الأربعة فواجبهم أن يقتلوا المشركين حيث وجدوهم والمراد أن يذبحوا الكافرين حيث ثقفوهم أى لقوهم مصداق لقوله بسورة البقرة"واقتلوهم حيث ثقفتموهم "وخذوهم والمراد وأمسكوا الكفار إن لم تقتلوهم واحصروهم أى واحبسوهم عندكم واقعدوا لهم كل مرصد والمراد واجلسوا لهم فى كل مكان والمراد وراقبوهم من كل مكان لمعرفة تحركاتهم لقتلهم أو أسرهم ،ويبين لهم أن الأسرى إن تابوا أى أسلموا وفسره بأنهم أقاموا الصلاة أى أطاعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسره بأنهم أتوا الزكاة أى فعلوا الحق وهو الطهارة من الذنوب بطاعة حكم الله فعليهم أن يخلوا سبيلهم أى أن يطلقوا سراحهم دون مقابل إن الله غفور رحيم والمراد إن الرب عفو نافع .
"وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون "المعنى وإن أحد من الكفار استنجد بك فأنجده حتى يعلم حكم الرب ثم أوصله مسكنه ذلك بأنهم ناس لا يفقهون ،يبين الله لنبيه (ص)وكل مسلم أن إن أحد من المشركين استجاره والمراد إن أحد من الكافرين استنجد به أى طلب منه النصر فعليه أن يجيره والمراد فعليه أن ينجده أى يأمنه على نفسه من أذى من يخافه ومدة التأمين هى حتى يسمع كلام الله والمراد حتى يعرف حكم الله ومطمئهو الإسلام ثم أبلغه مأمنه والمراد ثم أوصله مكان سكنه ،ذلك وهو حكم الإجارة سببه أنهم قوم لا يعلمون أى ناس لا يفهمون والخطاب للنبى(ص).
"كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين "المعنى كيف يصبح للكافرين ميثاق مع الرب ومع نبيه(ص)إلا الذين واثقتم لدى البيت الآمن فما أوفوا لكم فأوفوا لهم إن الرب يرحم المطيعين لحكمه ، يسأل الله كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله (ص )إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام أى إلا الذين واثقتم لدى البيت الآمن ؟والمراد كيف يصبح للكافرين ميثاق مع الرب ومع نبيه (ص)إلا العاقدين معاهدة سلام عند الكعبة؟وهذا يعنى أن الكفار يجب عدم الأمن لهم طالما ليسوا لهم عهد مع الله ونبيه (ص) والغرض من السؤال إخبار المؤمنين بالاستعداد المستمر لحرب الكفار،ويطلب منهم أن يستقيموا للمعاهدين أى أن يفوا بالعهد أى "وأتموا عهدهم إلى مدتهم "كما قال بآية سابقة طالما استقام أى أوفى المعاهدون بالعهد ويبين لهم أنه يحب المتقين أى يرحم المحسنين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله يحب المحسنين ".
"كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون "المعنى كيف وإن ينتصروا عليكم لا يرعون فيكم عهدا أى ميثاقا ،يعجبوكم بألسنتهم وترفض نفوسهم ومعظمهم كافرون ،يسأل الله :كيف تأمنون لهم وإن يظهروا عليكم والمراد وإن يتحكموا فيكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة والمراد لا يرعوا أى لا يفوا فيكم بعهد أى ميثاق؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بضرورة الحذر من الكفار والمنافقين معاهدين وغير معاهدين ويبين لهم أنهم يرضونهم بأفواههم والمراد ينالون قبول المؤمنين بألسنتهم عن طريق قول أمنا وتأبى قلوبهم أى وترفض نفوسهم أن تؤمن مصداق لقوله بسورة المائدة"قالوا أمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم "وأكثرهم فاسقون أى وأغلب الناس كافرون مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون"وهذا إخبار للمؤمنين أن المنافقين سيؤمن منهم فى المستقبل عدد قليل والخطاب وما بعده وما بعده ما بعده للمؤمنين .
"اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون"المعنى باعوا أحكام الرب بمتاع زهيد فردوا عن دينه إنهم قبح ما كانوا يفعلون ،يبين الله لنا أن الناس اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا والمراد تركوا طاعة أحكام الله وهو الإيمان مقابل أخذ متاع فانى وهو الكفر فى قوله بسورة البقرة "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان"فكانت النتيجة أن صدوا عن سبيله أى أن أبعدوا أنفسهم وغيرهم عن دين الله بعملهم هذا إنهم ساء ما كانوا يعملون والمراد إنهم قبح الذى "كانوا يصنعون"كما قال بسورة المائدة وهذا يعنى أنهم كانوا يفعلون الأفعال المحرمة القبيحة فى حياتهم .
"لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون "المعنى لا يراعون فى مصدق عهدا أى ميثاقا وأولئك هم الظالمون ،يبين الله للمؤمنين أن المشترين بآيات الله الثمن القليل لا يرقبون فى مؤمن إلا أى ذمة والمراد لا يرعون فى مسلم عهدا أى ميثاقا وهذا يعنى أنهم لا يقيمون وزنا لعهدهم مع المسلمين ولذا يجب الحذر منهم لأنهم هم المعتدون أى الظالمون وهم متعدى حدود الله مصداق لقوله بسورة البقرة "ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ".
"فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم فى الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون "المعنى فإن أسلموا أى أطاعوا الدين أى عملوا الحق فإخوانكم فى الإسلام ونبين الأحكام لناس يطيعون ،يبين الله للمؤمنين أن المشترين بآيات الله ثمنا قليلا إن تابوا أى أسلموا تاركين الكفر وفسر هذا بأنهم أقاموا الصلاة أى أطاعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسر هذا بأنهم أتوا الزكاة أى عملوا الحق فإنهم يصبحون إخوانهم فى الدين أى اخوتهم فى الإسلام لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ويبين لهم أنه يفصل الآيات لقوم يعلمون أى يبين الحدود أى الأحكام لناس يطيعونها مصداق لقوله بسورة البقرة "وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ".
"وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم يتقون"المعنى وإن خالفوا إسلامهم من بعد ميثاقهم وحرفوا فى إسلامكم فحاربوا رءوس التكذيب إنهم لا عهد لهم لعلهم يذكرون ،يبين الله للمؤمنين أن الناس إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم والمراد إن تركوا إسلامهم من بعد ميثاقهم وهو إعلان إسلامهم وطعنوا فى دينكم أى وتقولوا فى إسلامكم أقوال الكذب فالواجب أن تقاتلوا أئمة الكفر والمراد أن تحاربوا متبعى الكذب أى أولياء الشيطان مصداق لقوله بسورة النساء"فقاتلوا أولياء الشيطان" وهذا يعنى وجوب قتال المرتدين والسبب أنهم لا أيمان لهم أى أنهم لا عهود لهم وهذا القتال من أجل أن يتقوا أى يذكروا أى يتوب المرتدين عن ردتهم والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين "المعنى ألا تحاربون ناسا نقضوا عهودهم وأرادوا طرد النبى (ص)وهم اعتدوا أسبق مرة أتخافونهم فالرب أولى أن تخافوه إن كنتم مصدقين بحكمه ،يسأل الله ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم والمراد ألا تحاربون ناسا خالفوا مواثيقهم وهموا بإخراج الرسول (ص)أى وأرادوا طرد النبى (ص)من بلده وهم بدؤكم أول مرة أى وهم حاربوكم أسبق مرة ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بوجوب حربهم للكفار والأسباب هى نكثهم العهد وهمهم بطرد النبى (ص)وسبقهم بالاعتداء عليهم ،ويسألهم أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه والمراد أتخافون الكفار فالرب أولى أن تخافوه مصداق لقوله بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين "والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب الخوف من عذابه وليس من أذى الكفار إن كانوا مصدقين بحكم الله .
"قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم "المعنى حاربوهم يعاقبهم الرب بقوتكم أى يذلهم أى يؤيدكم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين والمراد ويداوى نفوس ناس مصدقين أى يزيل غضب نفوسهم ويرحم الرب من يريد والرب خبير قاضى ،يطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا أى يحاربوا الكفار حتى يحدث التالى :يعذبهم الله بأيديهم والمراد يعاقبهم الرب بقوتكم وفسر هذا بأن يخزهم أى يذلهم وفسر هذا بأن ينصرهم عليهم أى يؤيدهم أى يعينهم على الكفار ،ويشف صدور قوم مؤمنين والمراد ويداوى نفوس ناس مصدقين من الغيظ وفسر هذا بأنه يذهب غيظ قلوبهم أى يزيل غضب نفوسهم على الكفار بسبب ما فعلوا فيهم ويتوب الله على من يشاء أى "ويغفر لمن يشاء"كما قال بسورة المائدة والمراد ويرحم الرب من يريد وهو المسلم والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين
"أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله وليجة والله خبير بما تعملون " المعنى هل ظننتم أن ترحموا ولما يعرف الرب الذين قاتلوا منكم ولم يجعلوا من سوى الرب ولا نبيه (ص)بطانة والرب عليم بالذى تصنعون ،يسأل الله المؤمنين :أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله وليجة والمراد هل ظنتتم أن تدخلوا الجنة ولم يعرف الرب الذين قاتلوا منكم ولم يجعلوا من سوى الرب ولا نبيه (ص)بطانة أى أنصار مصداق لقوله بسورة البقرة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين "والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بعدم اتخاذ أولياء من الكافرين مصداق لقوله بسورة النساء"لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين "ويبين لهم أن الله خبير بما تعملون والمراد أن الرب عليم بالذى تصنعون مصداق لقوله بسورة فاطر"إن الله عليم بما تصنعون ".
"ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفى النار هم خالدون "المعنى ما كان للكافرين أن يصونوا بيوت الله مقرين على أنفسهم بالكذب أولئك خسرت أفعالهم وفى جهنم هم باقون ،يبين الله للمؤمنين أن ليس للمشركين وهم الكافرين بحكم الله عمل التالى :عمارة مساجد الله أى صيانة بيوت الرب وهى القيام بنظافتها وترميمها والقيام على خدمة داخليها ،شاهدين على أنفسهم بالكفر والمراد معترفين على ذواتهم بالكذب وهذا يعنى أنهم لا يحق لهم تعمير المسجد ما داموا يقرون بكفرهم ،أولئك حبطت أعمالهم والمراد أولئك خسرت أفعالهم أى ضلت أجور أعمالهم مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم "وفى النار وهى العذاب هم خالدون أى باقون مصداق لقوله بسورة المائدة "وفى العذاب هم خالدون " والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين "المعنى إنما يصون بيوت الرب من صدق بالرب ويوم القيامة وأطاع الدين أى عمل الحق أى لم يخف إلا الرب فعسى أولئك أن يصبحوا من المرحومين ،يبين الله للمؤمنين أن الذى يعمر مساجد الله أى من يصون بيوت الله بدخولها للصلاة ونظافتها وخدمة من يؤمها هو من آمن بالله واليوم الآخر والمراد من صدق بحكم الله ويوم الدين مصداق لقوله بسورة المعارج"والذين يصدقون بيوم الدين"وأقام الصلاة أى وأطاع الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسر أقام الصلاة بأنه أتى الزكاة أى عمل الحق وفسره بأنه لم يخش إلا الله والمراد ولم يخف سوى عذاب الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين والمراد فعسى أولئك أن يصبحوا من المفلحين وهم المرحومين مصداق لقوله بسورة القصص"فعسى أن يكون من المفلحين ".
"أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى هل ساويتم إرواء الزوار وصيانة البيت الآمن بمن صدق بحكم الله ويوم القيامة وقاتل لنصر الرب لا يتساوون لدى الرب والرب لا يرحم الناس الكافرين ،يسأل الله الكفار فيقول أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام والمراد هل ساويتم من يعمل فى إرواء زوار مكة وصيانة البيت الآمن كمن آمن بالله واليوم الآخر والمراد بمن صدق بحكم الرب ويوم القيامة وجاهد فى سبيل الله والمراد وحارب لنصر حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بالتالى أنهم لا يستوون عند الله والمراد أنهم لا يتساوون فى الجزاء فى حكم الله والله لا يهدى القوم الظالمين والمراد والرب لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين " والخطاب للكفار.
"الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم "المعنى الذين صدقوا وانتقلوا وحاربوا لنصر الرب بأملاكهم وذواتهم أفضل عطاء لدى الرب وأولئك هم المفلحون يخبرهم خالقهم بنفع منه أى فائدة أى حدائق لهم فيها متاع مستمر مقيمين فيها دوما إن الرب لديه ثواب كبير،يبين الله للكفار أن الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وهاجروا أى وانتقلوا من الكفر للإسلام وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم والمراد وقاتلوا لنصر حكم الله بأملاكهم وذواتهم أعظم درجة عند الله والمراد أفضل ثواب لدى الرب وهذا يعنى أن المؤمنين المجاهدين أفضل درجة فى الجنة من المؤمنين القاعدين مصداق لقوله بسورة النساء"وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "وأولئك هم الفائزون أى المفلحون مصداق لقوله بسورة البقرة"وأولئك هم المفلحون"يبشرهم ربهم برحمة منه وفسره بأنه رضوان وفسره بأنه جنات والمراد يخبرهم خالقهم أجرا حسنا أى فضلا أى حدائق مصداق لقوله بسورة الكهف"ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا "وقوله بسورة الأحزاب "وبشر المؤمنين بأنه لهم من الله فضلا كبيرا"وهذه الحدائق لهم فيها نعيم مقيم أى متاع مستمر خالدين فيها أبدا أى "ماكثين فيها أبدا"كما قال بسورة الكهف والمراد عائشين فيها دوما ،إن الله عنده أجر عظيم والمراد إن الرب لديه فى الآخرة ثواب حسن مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله عنده حسن الثواب" والخطاب للكفار.
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون "المعنى يا أيها الذين صدقوا لا تجعلوا آباءكم وإخوانكم أنصار إن فضلوا التكذيب على التصديق ومن يناصرهم منكم فأولئك هم الكافرون ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله فيقول :لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء والمراد لا تجعلوا آباءكم وإخوانكم أنصار إن استحبوا الكفر على الإيمان والمراد إن فضلوا العمى على الهدى مصداق لقوله بسورة فصلت "فاستحبوا العمى على الهدى "والمراد إن فضلوا متاع الدنيا على متاع الآخرة كما قال بسورة النحل"استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة "وهذا يعنى ألا يتخذوا الكفار أنصار لهم ويبين لهم أن من يتولهم من المؤمنين والمراد أن من يناصر الكفار منهم فأولئك هم الظالمون أى الفاسقون أى الكافرون مصداق لقوله بسورة النور"فأولئك هم الفاسقون "والخطاب للمؤمنين
"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين "المعنى قل إن كان آباؤكم وأولادكم وإخوانكم ونسائكم وأقاربكم وأملاك كسبتموها وسلع تخافون بوارها وبيوت تحبونها أفضل عندكم من الرب ونبيه (ص)وقتال فى نصر حكمه فترقبوا حتى يحدث الرب عذابه والرب لا يرحم الناس الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمؤمنين :إن كان آباؤكم وأبناؤكم أى أولادكم وإخوانكم وأزواجكم أى ونساؤكم وعشيرتكم أى أهلكم أى أقاربكم وأموال اقترفتموها والمراد وأملاك كسبتموها وتجارة تخشون كسادها أى وسلع تخافون بوارها ومساكن ترضونها أى وبيوت تحبونها أحب إليكم من الله ورسوله(ص)وجهاد فى سبيله والمراد أفضل عندكم من طاعة حكم الله ونبيه (ص)وقتال لنصر دينه فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والمراد فانتظروا حتى يجىء الرب بعقابه لكم ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب تفضيل طاعة الله ونبيه (ص)والجهاد على كل الأقارب والأموال والمساكن ويبين لهم أن الله لا يهدى القوم الفاسقين أى لا يرحم أى لا يحب الكافرين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين "وقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين "والخطاب للنبى.
"ولقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين "المعنى ولقد أيدكم الرب فى مواقع عديدة ويوم حنين وقت غركم عددكم فلم يمنع عنكم أذى وصغرت عليكم الأرض بما وسعت ثم أعرضتم هاربين ،يبين الله للمؤمنين أن الله نصرهم فى مواطن كثيرة والمراد أن الرب أيدهم فى مواقع عديدة فى الحرب ومنها يوم حنين وهو اسم مكان وقعت به معركة مع الكفار إذ أعجبتكم كثرتكم والمراد وقت غركم عددكم وهذا يعنى أن المؤمنين ساعتها خدعهم عددهم الكبير حيث ظنوا أنهم لا يهزمون بسبب كثرة العدد ،فلم تغن عنكم شيئا والمراد فلم تمنع كثرتكم عنكم الهزيمة وضاقت عليكم الأرض بما رحبت والمراد وصغرت أمامكم البلاد بما وسعت وهذا يعنى أن الهزيمة جعلت الأرض أمامهم صغيرة لا يستطيعون الهرب منها من العدو ثم وليتم مدبرين أى ثم تحركتم هاربين وهذا يعنى أن المؤمنين هربوا من ميدان المعركة خوفا من العدو وهو ما لا يجب حدوثه منهم والخطاب للمؤمنين.
"ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم "المعنى ثم أوحى الرب طمأنينته إلى نبيه (ص)وللمصدقين وأرسل عسكرا لم تشاهدوها وهزم الذين كذبوا وذلك عقاب المكذبين ثم يرحم الله من بعد الحرب من يريد والرب نافع مفيد ،يبين الله لنا أن الله أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والمراد أن الرب أوحى إلى نبيه (ص)والمصدقين بحكمه وحيا يخبرهم بوجوب الثبات وأنهم منتصرون وأنزل جنودا لم تروها والمراد وأرسل عسكرا لم تشاهدوها وهذا يعنى أنه بعث الملائكة يحاربون الكفار حيث عذب الذين كفروا أى حيث هزم أى أذل الذين كذبوا حكمه وذلك وهو الذل هو جزاء الكافرين أى عقاب الظالمين مصداق لقوله بسورة الأحزاب "وذلك جزاء الظالمين "ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والمراد ثم يغفر الرب من بعد الحرب لمن يريد وهذا يعنى أنه يرحم من يحب بعد الحرب وهم المؤمنين ومنهم من آمن من الكفار بعد الحرب والله غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يؤمن بحكمه والخطاب للناس حتى المؤمنين فهو جزء من آية محذوف بعضها وما بعده للمؤمنين وهو جزء من آية محذوف أولها.
"يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم "المعنى يا أيها الذين صدقوا إنما الكافرون أذى فلا يدخلوا مكة بعد سنتهم هذه وإن خشيتم فقر فسوف يكثر لكم الرب من رزقه إن أراد إن الرب خبير قاضى ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا حكمه فيقول :إنما المشركون نجس والمراد إنما الكافرون رجس أى أذى أى عصاة لحكمى مصداق لقوله بسورة التوبة "فأعرضوا عنهم إنهم رجس " فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا والمراد فلا يدخلوا البيت بعد سنتهم هذه وهذا أمر بعدم دخول الكفار البيت الحرام أيا كانوا ،ويبين لهم أنهم إن خافوا عيلة والمراد إن خشوا الحاجة وهى العوز أى الفقر بسبب عدم دخول الكفار البيت مع ما كانوا يأتون به من مال لها فسوف يغنيهم الله من فضله والمراد فسوف يكثر لكم الرب من رزقه إن شاء أى أراد وهذا يعنى أنه لا يكثر الرزق فى كل الأحوال وإنما بعضها وهذا حتى لا يعتمدوا على هذه الكثرة باستمرار دون سعى منهم لإكثار رزقهم ويبين لهم أنه عليم حكيم أى خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "المعنى حاربوا الذين لا يصدقون حكم الله ولا يوم القيامة ولا يمنعون ما منع الرب ونبيه (ص) أى لا يعتنقون حكم العدل من الذين أعطوا الوحى حتى يسلموا المال عن غنى وهم مطيعون ،يطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر والمراد أن يحاربوا الذين يقاتلونهم من الذين لا يصدقون بحكم الله ولا بيوم القيامة مصداق لقوله بسورة البقرة "وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم"ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله (ص)ولا يمنعون ما منع الله ونبيه(ص)عمله من الأعمال وفسر هذا بأنهم لا يدينون دين الحق والمراد لا يطيعون حكم العدل من الذين أوتوا الكتاب والمراد من الذين أعطوا الوحى سابقا وهذا القتال مستمر حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والمراد حتى يعطوا حق الله فى مالهم عن غنى وهم مطيعون لحكم المسلمين وهذا يعنى أن الجزية يدفعها الأغنياء فقط وهى مقابل الزكاة التى يدفعها المسلمون .
"وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون "المعنى زعم اليهود أن عزرا ولد الله وزعمت النصارى عيسى ولد الله ذلك حديثهم بألسنتهم يشابهون قول الذين كذبوا من قبل لعنهم الله كيف يفترون الكذب ، يبين الله لنا أن اليهود قالوا أن عزيرا وهو احد الرسل هو ابن أى ولد الله نسبا وقال النصارى أن المسيح وهو عيسى هو ابن أى ولد الله نسبا وهذا هو قولهم بأفواههم والمراد كلامهم بألسنتهم سببه أنه يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل والمراد يقلدوا كلام وهو حكم الذين أشركوا بالله من قبلهم والكل الذى قال هذا قاتلهم الله والمراد لعنهم أى أعد لهم العذاب الأليم أنى يؤفكون والمراد كيف يفترون الكذب على الله وهم يعلمون الحق
"اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون "المعنى جعلوا علمائهم أى عارفيهم آلهة من سوى الرب والمسيح ولد مريم (ص)وما أوصوا إلا ليطيعوا ربا واحدا لا رب إلا هو تعالى عن الذى يعبدون ،يبين الله للمؤمنين أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم وفسرهم بأنهم رهبانهم وهم علمائهم والمسيح ابن أى ولد مريم (ص) أربابا من دون الله أى آلهة من سوى الله أى أولياء من سوى الله مصداق لقوله تعالى بسورة الزمر "والذين اتخذوا من دونه أولياء"وهذا يعنى أنهم عبدوا الأحبار والرهبان والمسيح(ص)آلهة وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا والمراد وما أوصوا فى الوحى إلا ليطيعوا حكم ربا واحدا لا إله أى لا رب إلا هو ،سبحانه عما يشركون أى علا عن الذى يعبدون والمراد أنه أفضل من الآلهة المزعومة والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون "المعنى يحبون أن يمحو حكم الرب بألسنتهم ويرفض الرب إلا أن يكمل حكمه ولو بغض المكذبون،يبين الله للمؤمنين أن أهل الكتاب يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والمراد يحبون أن يزيلوا حكم الرب بكلماتهم وهو تحريفهم مصداق لقوله بسورة المائدة"يحرفون الكلم من بعد مواضعه"ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والمراد ويرفض الرب إلا أن يكمل نعمته وهو حكمه ولو مقت المشركون مصداق لقوله بسورة النحل"كذلك يتم نعمته عليك"وقوله بسورة التوبة "ولو كره المشركون".
"هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"المعنى هو الذى بعث نبيه (ص)بالحق أى حكم العدل لينصره على الأحكام جميعها ولو بغض الكافرون ،يبين الله لنا أن الله هو الذى أرسل رسوله (ص)بالهدى والمراد هو الذى بعث نبيه (ص)بالحق وفسره بأنه دين الحق أى حكم العدل والسبب ليظهره على الدين كله والمراد ليحكمه فى الأديان جميعها وهذا يعنى أن يحكم الإسلام كل أهل الأرض على اختلاف أحكامهم وهى أديانهم فيكون هو السلطان ولو كره المشركون والمراد ولو مقت الكافرون هذا مصداق لقوله فى نفس السورة "ولو كره الكافرون" والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون "المعنى يا أيها الذين صدقوا إن عديدا من العلماء أى الخوافين ليأخذون أملاك البشر بالزور ويردون عن حكم الرب والذين يجمعون الذهب والفضة ولا يصرفونها فى نصر الرب فأخبرهم بعقاب شديد يوم يوقد عليها فى لهب النار فتمس به جباههم وجنوبهم وخلفياتهم هذا ما جمعتم لأنفسكم فاطعموا الذى كنتم تجمعون ،يخاطب الله الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فيقول:إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل والمراد إن عديدا من العلماء أى الخوافين ليأخذون أملاك الخلق بالزور والمراد يأخذون السحت مصداق لقوله بسورة المائدة "أكالون للسحت"وهذا يعنى أنهم يفرضون دفع أموال دون أن ينزل الله بدفعها حكم ويصدون عن سبيل الله والمراد ويردون الناس عن اتباع حكم الله والذين يكنزون الذهب والفضة والمراد والذين يجمعون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله والمراد ولا يصرفونها فى نصر دين الرب فبشرهم بعذاب أليم والمراد فأخبرهم بعقاب شديد يوم يحمى عليها فى نار جهنم والمراد يوم يوقد على الذهب والفضة فى لهب النار فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم والمراد فتشوى بها مقدمات أجسامهم وهى الوجه والصدر والبطن والأفخاد والأقدام من الأمام وجنوبهم هى الأيمن والأيسر وخلفيات أجسامهم وتقول لهم الملائكة هذا ما كنزتم لأنفسكم والمراد هذا ما جمعتم لمصلحتكم أصبح ضررا لكم ،فذوقوا ما كنتم تكنزون والمراد فاعرفوا ألم الذى كنتم تجمعون .
"براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين "المعنى بيان من الرب ونبيه (ص)إلى الذين واثقتم من الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أنه سيقول براءة من الله ورسوله (ص) والمراد سيقول بلاغ أى أذان من الرب ونبيه مصداق لقوله بسورة التوبة "وأذان من الله ورسوله إلى الناس "وهم الذين عاهدوا من المشركين وهم الذين واثقوا من الكافرين على السلام بينهم وبينهم .
"فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزى الله وأن الله مخزى الكافرين "المعنى فانتشروا فى البلاد أربعة أشهر واعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وإن الرب مذل الكاذبين ،يبين الله للمؤمنين أن البراءة التى يجب أن يقولوها للمعاهدين :سيحوا فى الأرض والمراد سيروا فى بلاد الأرض أربعة أشهر فى أمان وهى الأشهر الحرام ،واعلموا أنكم غير معجزى الله والمراد واعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وهذا يعنى أنهم لا يقدرون على منع عذاب الله لهم وأن الله مخزى الكافرين والمراد وأن الرب مذل المكذبين أى موهن كيد المكذبين بحكمه مصداق لقوله بسورة الأنفال"وأن الله موهن كيد الكافرين ".
"وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر إن الله برىء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين "المعنى وبيان من الرب ونبيه (ص)إلى الكفار يوم الزيارة الأعظم إن الرب منفصل عن الكافرين ونبيه (ص)فإن أسلمتم فهو أفضل لكم وإن كفرتم فاعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وأخبر الذين كذبوا بعقاب شديد إلا الذين واثقتم من الكافرين ثم لم يظلموكم بعضا ولم يعينوا عليكم عدوا فأكملوا لهم ميثاقهم إلى وقتهم إن الرب يرحم المطيعين لحكمه،يبين الله للمؤمنين أنه سيقول أذان أى بيان أى براءة من الله ونبيه (ص)إلى الناس وهم المشركين مصداق لقوله بنفس السورة "براءة من الله ورسوله "وعليهم أن يقولوه لهم فى يوم الحج الأكبر وهو يوم الزيارة الأكبر وهو يوم عرفة وهو :إن الله برىء ورسوله (ص)من المشركين والمراد إن الرب ونبيه (ص)عدو أى محارب للمشركين إلا الذين عاهدتم من المشركين والمراد إلا الذين عاهدتم من الكافرين ثم لم ينقصوكم شيئا والمراد ثم لم يظلموكم بندا من بنود العهد أى ثم لم ينقضوا لكم حكما فى العهد ولم يظاهروا عليكم والمراد ولم يعينوا عليكم عدوا فهؤلاء عليكم أن تتموا لهم عهدهم إلى مدتهم والمراد عليكم أن تكملوا لهم ميثاقهم إلى وقتهم المحدد وهو وقت نقض العهد أو وقته المحدد فى العهد ،ويقول للكافرين فإن تبتم فهو خير لكم والمراد فإن أسلمتم يا كفار فهو أحسن أجرا لكم وإن توليتم أى استمررتم فى الكفر فاعلموا أنكم غير معجزى الله والمراد فاعرفوا أنكم غير قاهرى الرب وهذا يعنى أنهم لا يقدرون على منع عذاب الله عنهم ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يبشر الذين كفروا بعذاب أليم والمراد أن يخبر الذين كذبوا حكم الله بعقاب غليظ مصداق لقوله بسورة لقمان"عذاب غليظ" أى شديد ويبين لهم أن الله يحب المتقين والمراد أن الرب يرحم المحسنين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله يحب المحسنين "والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم"المعنى فإذا انتهت الشهور الآمنة فاذبحوا الكافرين حيث لقيتموهم وأمسكوهم واحبسوهم واجلسوا لهم فى كل مرقب فإن أسلموا أى أطاعوا الدين أى عملوا الحق فأطلقوا سراحهم إن الرب عفو نافع ،يبين الله للمؤمنين أن إذا انسلخت الأشهر الحرم والمراد إذا انتهت أيام الشهور الآمنة الأربعة فواجبهم أن يقتلوا المشركين حيث وجدوهم والمراد أن يذبحوا الكافرين حيث ثقفوهم أى لقوهم مصداق لقوله بسورة البقرة"واقتلوهم حيث ثقفتموهم "وخذوهم والمراد وأمسكوا الكفار إن لم تقتلوهم واحصروهم أى واحبسوهم عندكم واقعدوا لهم كل مرصد والمراد واجلسوا لهم فى كل مكان والمراد وراقبوهم من كل مكان لمعرفة تحركاتهم لقتلهم أو أسرهم ،ويبين لهم أن الأسرى إن تابوا أى أسلموا وفسره بأنهم أقاموا الصلاة أى أطاعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسره بأنهم أتوا الزكاة أى فعلوا الحق وهو الطهارة من الذنوب بطاعة حكم الله فعليهم أن يخلوا سبيلهم أى أن يطلقوا سراحهم دون مقابل إن الله غفور رحيم والمراد إن الرب عفو نافع .
"وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون "المعنى وإن أحد من الكفار استنجد بك فأنجده حتى يعلم حكم الرب ثم أوصله مسكنه ذلك بأنهم ناس لا يفقهون ،يبين الله لنبيه (ص)وكل مسلم أن إن أحد من المشركين استجاره والمراد إن أحد من الكافرين استنجد به أى طلب منه النصر فعليه أن يجيره والمراد فعليه أن ينجده أى يأمنه على نفسه من أذى من يخافه ومدة التأمين هى حتى يسمع كلام الله والمراد حتى يعرف حكم الله ومطمئهو الإسلام ثم أبلغه مأمنه والمراد ثم أوصله مكان سكنه ،ذلك وهو حكم الإجارة سببه أنهم قوم لا يعلمون أى ناس لا يفهمون والخطاب للنبى(ص).
"كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين "المعنى كيف يصبح للكافرين ميثاق مع الرب ومع نبيه(ص)إلا الذين واثقتم لدى البيت الآمن فما أوفوا لكم فأوفوا لهم إن الرب يرحم المطيعين لحكمه ، يسأل الله كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله (ص )إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام أى إلا الذين واثقتم لدى البيت الآمن ؟والمراد كيف يصبح للكافرين ميثاق مع الرب ومع نبيه (ص)إلا العاقدين معاهدة سلام عند الكعبة؟وهذا يعنى أن الكفار يجب عدم الأمن لهم طالما ليسوا لهم عهد مع الله ونبيه (ص) والغرض من السؤال إخبار المؤمنين بالاستعداد المستمر لحرب الكفار،ويطلب منهم أن يستقيموا للمعاهدين أى أن يفوا بالعهد أى "وأتموا عهدهم إلى مدتهم "كما قال بآية سابقة طالما استقام أى أوفى المعاهدون بالعهد ويبين لهم أنه يحب المتقين أى يرحم المحسنين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله يحب المحسنين ".
"كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون "المعنى كيف وإن ينتصروا عليكم لا يرعون فيكم عهدا أى ميثاقا ،يعجبوكم بألسنتهم وترفض نفوسهم ومعظمهم كافرون ،يسأل الله :كيف تأمنون لهم وإن يظهروا عليكم والمراد وإن يتحكموا فيكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة والمراد لا يرعوا أى لا يفوا فيكم بعهد أى ميثاق؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بضرورة الحذر من الكفار والمنافقين معاهدين وغير معاهدين ويبين لهم أنهم يرضونهم بأفواههم والمراد ينالون قبول المؤمنين بألسنتهم عن طريق قول أمنا وتأبى قلوبهم أى وترفض نفوسهم أن تؤمن مصداق لقوله بسورة المائدة"قالوا أمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم "وأكثرهم فاسقون أى وأغلب الناس كافرون مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون"وهذا إخبار للمؤمنين أن المنافقين سيؤمن منهم فى المستقبل عدد قليل والخطاب وما بعده وما بعده ما بعده للمؤمنين .
"اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون"المعنى باعوا أحكام الرب بمتاع زهيد فردوا عن دينه إنهم قبح ما كانوا يفعلون ،يبين الله لنا أن الناس اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا والمراد تركوا طاعة أحكام الله وهو الإيمان مقابل أخذ متاع فانى وهو الكفر فى قوله بسورة البقرة "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان"فكانت النتيجة أن صدوا عن سبيله أى أن أبعدوا أنفسهم وغيرهم عن دين الله بعملهم هذا إنهم ساء ما كانوا يعملون والمراد إنهم قبح الذى "كانوا يصنعون"كما قال بسورة المائدة وهذا يعنى أنهم كانوا يفعلون الأفعال المحرمة القبيحة فى حياتهم .
"لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون "المعنى لا يراعون فى مصدق عهدا أى ميثاقا وأولئك هم الظالمون ،يبين الله للمؤمنين أن المشترين بآيات الله الثمن القليل لا يرقبون فى مؤمن إلا أى ذمة والمراد لا يرعون فى مسلم عهدا أى ميثاقا وهذا يعنى أنهم لا يقيمون وزنا لعهدهم مع المسلمين ولذا يجب الحذر منهم لأنهم هم المعتدون أى الظالمون وهم متعدى حدود الله مصداق لقوله بسورة البقرة "ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ".
"فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم فى الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون "المعنى فإن أسلموا أى أطاعوا الدين أى عملوا الحق فإخوانكم فى الإسلام ونبين الأحكام لناس يطيعون ،يبين الله للمؤمنين أن المشترين بآيات الله ثمنا قليلا إن تابوا أى أسلموا تاركين الكفر وفسر هذا بأنهم أقاموا الصلاة أى أطاعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسر هذا بأنهم أتوا الزكاة أى عملوا الحق فإنهم يصبحون إخوانهم فى الدين أى اخوتهم فى الإسلام لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ويبين لهم أنه يفصل الآيات لقوم يعلمون أى يبين الحدود أى الأحكام لناس يطيعونها مصداق لقوله بسورة البقرة "وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ".
"وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم يتقون"المعنى وإن خالفوا إسلامهم من بعد ميثاقهم وحرفوا فى إسلامكم فحاربوا رءوس التكذيب إنهم لا عهد لهم لعلهم يذكرون ،يبين الله للمؤمنين أن الناس إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم والمراد إن تركوا إسلامهم من بعد ميثاقهم وهو إعلان إسلامهم وطعنوا فى دينكم أى وتقولوا فى إسلامكم أقوال الكذب فالواجب أن تقاتلوا أئمة الكفر والمراد أن تحاربوا متبعى الكذب أى أولياء الشيطان مصداق لقوله بسورة النساء"فقاتلوا أولياء الشيطان" وهذا يعنى وجوب قتال المرتدين والسبب أنهم لا أيمان لهم أى أنهم لا عهود لهم وهذا القتال من أجل أن يتقوا أى يذكروا أى يتوب المرتدين عن ردتهم والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين "المعنى ألا تحاربون ناسا نقضوا عهودهم وأرادوا طرد النبى (ص)وهم اعتدوا أسبق مرة أتخافونهم فالرب أولى أن تخافوه إن كنتم مصدقين بحكمه ،يسأل الله ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم والمراد ألا تحاربون ناسا خالفوا مواثيقهم وهموا بإخراج الرسول (ص)أى وأرادوا طرد النبى (ص)من بلده وهم بدؤكم أول مرة أى وهم حاربوكم أسبق مرة ؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بوجوب حربهم للكفار والأسباب هى نكثهم العهد وهمهم بطرد النبى (ص)وسبقهم بالاعتداء عليهم ،ويسألهم أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه والمراد أتخافون الكفار فالرب أولى أن تخافوه مصداق لقوله بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين "والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب الخوف من عذابه وليس من أذى الكفار إن كانوا مصدقين بحكم الله .
"قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم "المعنى حاربوهم يعاقبهم الرب بقوتكم أى يذلهم أى يؤيدكم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين والمراد ويداوى نفوس ناس مصدقين أى يزيل غضب نفوسهم ويرحم الرب من يريد والرب خبير قاضى ،يطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا أى يحاربوا الكفار حتى يحدث التالى :يعذبهم الله بأيديهم والمراد يعاقبهم الرب بقوتكم وفسر هذا بأن يخزهم أى يذلهم وفسر هذا بأن ينصرهم عليهم أى يؤيدهم أى يعينهم على الكفار ،ويشف صدور قوم مؤمنين والمراد ويداوى نفوس ناس مصدقين من الغيظ وفسر هذا بأنه يذهب غيظ قلوبهم أى يزيل غضب نفوسهم على الكفار بسبب ما فعلوا فيهم ويتوب الله على من يشاء أى "ويغفر لمن يشاء"كما قال بسورة المائدة والمراد ويرحم الرب من يريد وهو المسلم والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين
"أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله وليجة والله خبير بما تعملون " المعنى هل ظننتم أن ترحموا ولما يعرف الرب الذين قاتلوا منكم ولم يجعلوا من سوى الرب ولا نبيه (ص)بطانة والرب عليم بالذى تصنعون ،يسأل الله المؤمنين :أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله وليجة والمراد هل ظنتتم أن تدخلوا الجنة ولم يعرف الرب الذين قاتلوا منكم ولم يجعلوا من سوى الرب ولا نبيه (ص)بطانة أى أنصار مصداق لقوله بسورة البقرة "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين "والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين بعدم اتخاذ أولياء من الكافرين مصداق لقوله بسورة النساء"لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين "ويبين لهم أن الله خبير بما تعملون والمراد أن الرب عليم بالذى تصنعون مصداق لقوله بسورة فاطر"إن الله عليم بما تصنعون ".
"ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفى النار هم خالدون "المعنى ما كان للكافرين أن يصونوا بيوت الله مقرين على أنفسهم بالكذب أولئك خسرت أفعالهم وفى جهنم هم باقون ،يبين الله للمؤمنين أن ليس للمشركين وهم الكافرين بحكم الله عمل التالى :عمارة مساجد الله أى صيانة بيوت الرب وهى القيام بنظافتها وترميمها والقيام على خدمة داخليها ،شاهدين على أنفسهم بالكفر والمراد معترفين على ذواتهم بالكذب وهذا يعنى أنهم لا يحق لهم تعمير المسجد ما داموا يقرون بكفرهم ،أولئك حبطت أعمالهم والمراد أولئك خسرت أفعالهم أى ضلت أجور أعمالهم مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم "وفى النار وهى العذاب هم خالدون أى باقون مصداق لقوله بسورة المائدة "وفى العذاب هم خالدون " والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين "المعنى إنما يصون بيوت الرب من صدق بالرب ويوم القيامة وأطاع الدين أى عمل الحق أى لم يخف إلا الرب فعسى أولئك أن يصبحوا من المرحومين ،يبين الله للمؤمنين أن الذى يعمر مساجد الله أى من يصون بيوت الله بدخولها للصلاة ونظافتها وخدمة من يؤمها هو من آمن بالله واليوم الآخر والمراد من صدق بحكم الله ويوم الدين مصداق لقوله بسورة المعارج"والذين يصدقون بيوم الدين"وأقام الصلاة أى وأطاع الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين "وفسر أقام الصلاة بأنه أتى الزكاة أى عمل الحق وفسره بأنه لم يخش إلا الله والمراد ولم يخف سوى عذاب الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين والمراد فعسى أولئك أن يصبحوا من المفلحين وهم المرحومين مصداق لقوله بسورة القصص"فعسى أن يكون من المفلحين ".
"أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى هل ساويتم إرواء الزوار وصيانة البيت الآمن بمن صدق بحكم الله ويوم القيامة وقاتل لنصر الرب لا يتساوون لدى الرب والرب لا يرحم الناس الكافرين ،يسأل الله الكفار فيقول أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام والمراد هل ساويتم من يعمل فى إرواء زوار مكة وصيانة البيت الآمن كمن آمن بالله واليوم الآخر والمراد بمن صدق بحكم الرب ويوم القيامة وجاهد فى سبيل الله والمراد وحارب لنصر حكم الله؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بالتالى أنهم لا يستوون عند الله والمراد أنهم لا يتساوون فى الجزاء فى حكم الله والله لا يهدى القوم الظالمين والمراد والرب لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين " والخطاب للكفار.
"الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم "المعنى الذين صدقوا وانتقلوا وحاربوا لنصر الرب بأملاكهم وذواتهم أفضل عطاء لدى الرب وأولئك هم المفلحون يخبرهم خالقهم بنفع منه أى فائدة أى حدائق لهم فيها متاع مستمر مقيمين فيها دوما إن الرب لديه ثواب كبير،يبين الله للكفار أن الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وهاجروا أى وانتقلوا من الكفر للإسلام وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم والمراد وقاتلوا لنصر حكم الله بأملاكهم وذواتهم أعظم درجة عند الله والمراد أفضل ثواب لدى الرب وهذا يعنى أن المؤمنين المجاهدين أفضل درجة فى الجنة من المؤمنين القاعدين مصداق لقوله بسورة النساء"وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "وأولئك هم الفائزون أى المفلحون مصداق لقوله بسورة البقرة"وأولئك هم المفلحون"يبشرهم ربهم برحمة منه وفسره بأنه رضوان وفسره بأنه جنات والمراد يخبرهم خالقهم أجرا حسنا أى فضلا أى حدائق مصداق لقوله بسورة الكهف"ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا "وقوله بسورة الأحزاب "وبشر المؤمنين بأنه لهم من الله فضلا كبيرا"وهذه الحدائق لهم فيها نعيم مقيم أى متاع مستمر خالدين فيها أبدا أى "ماكثين فيها أبدا"كما قال بسورة الكهف والمراد عائشين فيها دوما ،إن الله عنده أجر عظيم والمراد إن الرب لديه فى الآخرة ثواب حسن مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله عنده حسن الثواب" والخطاب للكفار.
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون "المعنى يا أيها الذين صدقوا لا تجعلوا آباءكم وإخوانكم أنصار إن فضلوا التكذيب على التصديق ومن يناصرهم منكم فأولئك هم الكافرون ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله فيقول :لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء والمراد لا تجعلوا آباءكم وإخوانكم أنصار إن استحبوا الكفر على الإيمان والمراد إن فضلوا العمى على الهدى مصداق لقوله بسورة فصلت "فاستحبوا العمى على الهدى "والمراد إن فضلوا متاع الدنيا على متاع الآخرة كما قال بسورة النحل"استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة "وهذا يعنى ألا يتخذوا الكفار أنصار لهم ويبين لهم أن من يتولهم من المؤمنين والمراد أن من يناصر الكفار منهم فأولئك هم الظالمون أى الفاسقون أى الكافرون مصداق لقوله بسورة النور"فأولئك هم الفاسقون "والخطاب للمؤمنين
"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين "المعنى قل إن كان آباؤكم وأولادكم وإخوانكم ونسائكم وأقاربكم وأملاك كسبتموها وسلع تخافون بوارها وبيوت تحبونها أفضل عندكم من الرب ونبيه (ص)وقتال فى نصر حكمه فترقبوا حتى يحدث الرب عذابه والرب لا يرحم الناس الكافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمؤمنين :إن كان آباؤكم وأبناؤكم أى أولادكم وإخوانكم وأزواجكم أى ونساؤكم وعشيرتكم أى أهلكم أى أقاربكم وأموال اقترفتموها والمراد وأملاك كسبتموها وتجارة تخشون كسادها أى وسلع تخافون بوارها ومساكن ترضونها أى وبيوت تحبونها أحب إليكم من الله ورسوله(ص)وجهاد فى سبيله والمراد أفضل عندكم من طاعة حكم الله ونبيه (ص)وقتال لنصر دينه فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والمراد فانتظروا حتى يجىء الرب بعقابه لكم ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بوجوب تفضيل طاعة الله ونبيه (ص)والجهاد على كل الأقارب والأموال والمساكن ويبين لهم أن الله لا يهدى القوم الفاسقين أى لا يرحم أى لا يحب الكافرين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الكافرين "وقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين "والخطاب للنبى.
"ولقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين "المعنى ولقد أيدكم الرب فى مواقع عديدة ويوم حنين وقت غركم عددكم فلم يمنع عنكم أذى وصغرت عليكم الأرض بما وسعت ثم أعرضتم هاربين ،يبين الله للمؤمنين أن الله نصرهم فى مواطن كثيرة والمراد أن الرب أيدهم فى مواقع عديدة فى الحرب ومنها يوم حنين وهو اسم مكان وقعت به معركة مع الكفار إذ أعجبتكم كثرتكم والمراد وقت غركم عددكم وهذا يعنى أن المؤمنين ساعتها خدعهم عددهم الكبير حيث ظنوا أنهم لا يهزمون بسبب كثرة العدد ،فلم تغن عنكم شيئا والمراد فلم تمنع كثرتكم عنكم الهزيمة وضاقت عليكم الأرض بما رحبت والمراد وصغرت أمامكم البلاد بما وسعت وهذا يعنى أن الهزيمة جعلت الأرض أمامهم صغيرة لا يستطيعون الهرب منها من العدو ثم وليتم مدبرين أى ثم تحركتم هاربين وهذا يعنى أن المؤمنين هربوا من ميدان المعركة خوفا من العدو وهو ما لا يجب حدوثه منهم والخطاب للمؤمنين.
"ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم "المعنى ثم أوحى الرب طمأنينته إلى نبيه (ص)وللمصدقين وأرسل عسكرا لم تشاهدوها وهزم الذين كذبوا وذلك عقاب المكذبين ثم يرحم الله من بعد الحرب من يريد والرب نافع مفيد ،يبين الله لنا أن الله أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والمراد أن الرب أوحى إلى نبيه (ص)والمصدقين بحكمه وحيا يخبرهم بوجوب الثبات وأنهم منتصرون وأنزل جنودا لم تروها والمراد وأرسل عسكرا لم تشاهدوها وهذا يعنى أنه بعث الملائكة يحاربون الكفار حيث عذب الذين كفروا أى حيث هزم أى أذل الذين كذبوا حكمه وذلك وهو الذل هو جزاء الكافرين أى عقاب الظالمين مصداق لقوله بسورة الأحزاب "وذلك جزاء الظالمين "ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والمراد ثم يغفر الرب من بعد الحرب لمن يريد وهذا يعنى أنه يرحم من يحب بعد الحرب وهم المؤمنين ومنهم من آمن من الكفار بعد الحرب والله غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يؤمن بحكمه والخطاب للناس حتى المؤمنين فهو جزء من آية محذوف بعضها وما بعده للمؤمنين وهو جزء من آية محذوف أولها.
"يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم "المعنى يا أيها الذين صدقوا إنما الكافرون أذى فلا يدخلوا مكة بعد سنتهم هذه وإن خشيتم فقر فسوف يكثر لكم الرب من رزقه إن أراد إن الرب خبير قاضى ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا حكمه فيقول :إنما المشركون نجس والمراد إنما الكافرون رجس أى أذى أى عصاة لحكمى مصداق لقوله بسورة التوبة "فأعرضوا عنهم إنهم رجس " فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا والمراد فلا يدخلوا البيت بعد سنتهم هذه وهذا أمر بعدم دخول الكفار البيت الحرام أيا كانوا ،ويبين لهم أنهم إن خافوا عيلة والمراد إن خشوا الحاجة وهى العوز أى الفقر بسبب عدم دخول الكفار البيت مع ما كانوا يأتون به من مال لها فسوف يغنيهم الله من فضله والمراد فسوف يكثر لكم الرب من رزقه إن شاء أى أراد وهذا يعنى أنه لا يكثر الرزق فى كل الأحوال وإنما بعضها وهذا حتى لا يعتمدوا على هذه الكثرة باستمرار دون سعى منهم لإكثار رزقهم ويبين لهم أنه عليم حكيم أى خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "المعنى حاربوا الذين لا يصدقون حكم الله ولا يوم القيامة ولا يمنعون ما منع الرب ونبيه (ص) أى لا يعتنقون حكم العدل من الذين أعطوا الوحى حتى يسلموا المال عن غنى وهم مطيعون ،يطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر والمراد أن يحاربوا الذين يقاتلونهم من الذين لا يصدقون بحكم الله ولا بيوم القيامة مصداق لقوله بسورة البقرة "وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم"ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله (ص)ولا يمنعون ما منع الله ونبيه(ص)عمله من الأعمال وفسر هذا بأنهم لا يدينون دين الحق والمراد لا يطيعون حكم العدل من الذين أوتوا الكتاب والمراد من الذين أعطوا الوحى سابقا وهذا القتال مستمر حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والمراد حتى يعطوا حق الله فى مالهم عن غنى وهم مطيعون لحكم المسلمين وهذا يعنى أن الجزية يدفعها الأغنياء فقط وهى مقابل الزكاة التى يدفعها المسلمون .
"وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون "المعنى زعم اليهود أن عزرا ولد الله وزعمت النصارى عيسى ولد الله ذلك حديثهم بألسنتهم يشابهون قول الذين كذبوا من قبل لعنهم الله كيف يفترون الكذب ، يبين الله لنا أن اليهود قالوا أن عزيرا وهو احد الرسل هو ابن أى ولد الله نسبا وقال النصارى أن المسيح وهو عيسى هو ابن أى ولد الله نسبا وهذا هو قولهم بأفواههم والمراد كلامهم بألسنتهم سببه أنه يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل والمراد يقلدوا كلام وهو حكم الذين أشركوا بالله من قبلهم والكل الذى قال هذا قاتلهم الله والمراد لعنهم أى أعد لهم العذاب الأليم أنى يؤفكون والمراد كيف يفترون الكذب على الله وهم يعلمون الحق
"اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون "المعنى جعلوا علمائهم أى عارفيهم آلهة من سوى الرب والمسيح ولد مريم (ص)وما أوصوا إلا ليطيعوا ربا واحدا لا رب إلا هو تعالى عن الذى يعبدون ،يبين الله للمؤمنين أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم وفسرهم بأنهم رهبانهم وهم علمائهم والمسيح ابن أى ولد مريم (ص) أربابا من دون الله أى آلهة من سوى الله أى أولياء من سوى الله مصداق لقوله تعالى بسورة الزمر "والذين اتخذوا من دونه أولياء"وهذا يعنى أنهم عبدوا الأحبار والرهبان والمسيح(ص)آلهة وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا والمراد وما أوصوا فى الوحى إلا ليطيعوا حكم ربا واحدا لا إله أى لا رب إلا هو ،سبحانه عما يشركون أى علا عن الذى يعبدون والمراد أنه أفضل من الآلهة المزعومة والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون "المعنى يحبون أن يمحو حكم الرب بألسنتهم ويرفض الرب إلا أن يكمل حكمه ولو بغض المكذبون،يبين الله للمؤمنين أن أهل الكتاب يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والمراد يحبون أن يزيلوا حكم الرب بكلماتهم وهو تحريفهم مصداق لقوله بسورة المائدة"يحرفون الكلم من بعد مواضعه"ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والمراد ويرفض الرب إلا أن يكمل نعمته وهو حكمه ولو مقت المشركون مصداق لقوله بسورة النحل"كذلك يتم نعمته عليك"وقوله بسورة التوبة "ولو كره المشركون".
"هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"المعنى هو الذى بعث نبيه (ص)بالحق أى حكم العدل لينصره على الأحكام جميعها ولو بغض الكافرون ،يبين الله لنا أن الله هو الذى أرسل رسوله (ص)بالهدى والمراد هو الذى بعث نبيه (ص)بالحق وفسره بأنه دين الحق أى حكم العدل والسبب ليظهره على الدين كله والمراد ليحكمه فى الأديان جميعها وهذا يعنى أن يحكم الإسلام كل أهل الأرض على اختلاف أحكامهم وهى أديانهم فيكون هو السلطان ولو كره المشركون والمراد ولو مقت الكافرون هذا مصداق لقوله فى نفس السورة "ولو كره الكافرون" والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون "المعنى يا أيها الذين صدقوا إن عديدا من العلماء أى الخوافين ليأخذون أملاك البشر بالزور ويردون عن حكم الرب والذين يجمعون الذهب والفضة ولا يصرفونها فى نصر الرب فأخبرهم بعقاب شديد يوم يوقد عليها فى لهب النار فتمس به جباههم وجنوبهم وخلفياتهم هذا ما جمعتم لأنفسكم فاطعموا الذى كنتم تجمعون ،يخاطب الله الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فيقول:إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل والمراد إن عديدا من العلماء أى الخوافين ليأخذون أملاك الخلق بالزور والمراد يأخذون السحت مصداق لقوله بسورة المائدة "أكالون للسحت"وهذا يعنى أنهم يفرضون دفع أموال دون أن ينزل الله بدفعها حكم ويصدون عن سبيل الله والمراد ويردون الناس عن اتباع حكم الله والذين يكنزون الذهب والفضة والمراد والذين يجمعون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله والمراد ولا يصرفونها فى نصر دين الرب فبشرهم بعذاب أليم والمراد فأخبرهم بعقاب شديد يوم يحمى عليها فى نار جهنم والمراد يوم يوقد على الذهب والفضة فى لهب النار فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم والمراد فتشوى بها مقدمات أجسامهم وهى الوجه والصدر والبطن والأفخاد والأقدام من الأمام وجنوبهم هى الأيمن والأيسر وخلفيات أجسامهم وتقول لهم الملائكة هذا ما كنزتم لأنفسكم والمراد هذا ما جمعتم لمصلحتكم أصبح ضررا لكم ،فذوقوا ما كنتم تكنزون والمراد فاعرفوا ألم الذى كنتم تجمعون .
رد: تفسير سورة التوبة
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين "المعنى إن عدد الأشهر لدى الرب اثنا عشر شهرا فى حكم الرب يوم أبدع السموات والأرض منها أربعة
آمنة ذلك الحكم العادل فلا تبخسوا فيهن ذواتكم وحاربوا الكافرين كلكم كما يحاربونكم كلكم واعرفوا أن الرب ناصر المطيعين ،يبين الله للمؤمنين أن عدة وهى عدد الشهور فى السنة عند الله أى لدى الله فى كتابه أى حكمه هو اثنا عشر شهرا يوم خلق أى "فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام والمراد فى يوم أنشأ السموات والأرض من الإثنا عشر شهرا أربعة حرم أى أربعة آمنة يتم فيها الحج والعمرة ،ذلك وهو حكم الله هو الدين القيم أى الحكم العادل فلا تظلموا فيهن أنفسكم والمراد فلا تنقصوا فيهن ذواتكم وهذا يعنى ألا يفعلوا المحرم فى الأشهر الحرام ويطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوهم كافة والمراد أن يحاربوا الكافرين كلهم كما يحاربونهم جميعا وهذا يعنى وجوب وحدة المسلمين فى حرب الكفار ويطلب منهم أن يعلموا أن الله مع المتقين والمراد أن يعرفوا أن الرب ناصر المطيعين لحكمه وهم الصابرين مصداق لقوله بسورة البقرة "والله مع الصابرين ".
"إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين "المعنى إنما التبديل استمرار فى الكذب يبعد به الذين كذبوا يبيحونه سنة ويمنعونه سنة ليوافوا عدد ما منع الله فيبيحوا ما منع الله حسن لهم قبح أفعالهم والرب لا يثيب الناس الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن النسىء وهو تبديل شهر حرام مكان شهر غير حرام هو زيادة فى الكفر والمراد هو استمرار فى التكذيب لحكم الله ،يضل به الذين كفروا أى يبعد به الذين كذبوا والمراد يعاقب به الذين جحدوا حكم الله ،يحلونه عاما ويحرمونه عاما أى يبيحون التبديل سنة ويمنعون سنة تالية والسبب ليواطئوا عدة ما حرم الله والمراد ليتموا عدد ما منع الله أى حتى يكملوا عدد الشهور الحرام التى حرمها الله ،ويبين لهم أنه زين لهم سوء أعمالهم والمراد حسن لهم قبح أفعالهم وهذا يعنى أنهم ظنوا أن سيئاتهم حسنات والله لا يهدى القوم الكافرين والمراد والرب لا يرحم أى لا يحب الناس المكذبين بحكمه وهم الظالمين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الظالمين وقوله بسورة آل عمران"فإنه لا يحب الكافرين" والخطاب وما قبله وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم فى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير "المعنى يا أيها الذين صدقوا ما لكم إذا قيل لكم :اخرجوا فى نصر الرب قعدتم فى البلاد أأحببتم المعيشة الأولى عن الجنة ،فما نفع المعيشة الأولى من الجنة إلا صغير ،إلا تخرجوا يعاقبكم عقابا شديدا ويستخلف ناسا سواكم ولا تؤذوه بشىء والرب على كل أمر قادر ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول لهم :ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم فى الأرض والمراد مالكم إذا أمرتم اخرجوا فى نصر دين الله قعدتم فى البلاد؟وهذا يعنى أن النبى (ص)أمرهم بالخروج للجهاد فلم ينفذوا ويقول الله عن سبب قعودهم :
أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة والمراد أفضلتم متاع المعيشة الأولى على متاع الجنة ؟وهذا يعنى أنهم أحبوا الدنيا وتركوا العمل للجنة،فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل والمراد فما نفع المعيشة الأولى بالقياس لنفع الجنة إلا شىء هين يسير لا قيمة له ،ويبين لهم التالى إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما والمراد إلا تخرجوا للجهاد يعاقبكم عقابا شديدا فى الدنيا والآخرة وهذا تحذير لهم من عذاب الله فى حالة امتناعهم عن الجهاد ،ويستبدل قوما غيركم والمراد ويستخلف ناسا سواكم مصداق لقوله بسورة هود"ويستخلف ربى قوما غيركم" أى يأتى بخلق آخرين ولا تضروه شيئا أى ولا تؤذونه بأذى وهذا يعنى أن عصيانهم أمر الله لا يؤذيه بشىء والله على كل شىء قدير والمراد والرب لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد ".
"إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم "المعنى إلا تؤيدوه فقد أيده الرب حين طارده الذين كذبوا ثانى فردين وقت إذا هما فى الكهف وقت يقول لصديقه لا تخف إن الرب ناصرنا فأوحى الرب طمأنينته فيه ونصره بعسكر لم تشاهدوها وجعل حكم الذين كذبوا المهزوم وحكم الرب هو المنصور والرب قوى قاضى ،يبين الله للمؤمنين التالى :إلا تنصروه والمراد إن لم تؤيدوا النبى (ص)فقد نصره أى فقد أيده الله بقوته إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار والمراد وقت طارده الذين كذبوا ثانى فردين وقت هما فى الكهف إذ يقول لصاحبه والمراد وقت يقول لصديقه:لا تحزن أى لا تخف من أذى الكفار إن الله معنا والمراد إن الرب ناصرنا على الكفار وهذا يعنى أن الصاحب كان خائفا من أذى الكفار فأنزل الله سكينته عليه والمراد فأوحى الرب خبره له المطمئن لهما وأيده بجنود لم تروها والمراد ونصره بعسكر لم تشاهدوها وهذا يعنى أن الله صرف الكفار عن الغار بوسائل غير مرئية لأحد من البشر وجعل كلمة الذين كفروا السفلى والمراد وجعل حكم الذين كذبوا حكم الله الذليل وهو المهزوم وجعل كلمة الله هى العليا والمراد وجعل حكم الرب هو المنتصر أى الحادث والله عزيز حكيم والمراد والرب ناصر لمطيعيه قاضى بالحق والخطاب للمؤمنين.
"انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "المعنى جاهدوا متحركين ومقيمين أى قاتلوا بأملاككم وذواتكم فى نصر الرب ذلكم أفضل لكم إن كنتم تؤمنون ،يأمر الله المؤمنين فيقول:انفروا خفافا وثقالا والمراد قاتلوا متحركين ومقيمين أى ثابتين وهذا يعنى أن المقاتل الخفيف هو المتحرك فى الميدان والمقاتل الثقيل هو الثابت فى مكانه وهو مكان الرصد أو الكمين وهذا يعنى أن المقاتلين إما حربهم خفيفة أو ثقيلة وفسر هذا بأن جاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله والمراد قاتلوا بدفع أملاككم وذواتكم لنصر دين الله ،ذلكم وهو الجهاد خير لكم إن كنتم تعلمون أى القتال أحسن أجرا لكم إن كنتم تؤمنون مصداق لقوله بسورة الأعراف"ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين "والخطاب للمؤمنين.
"لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون "المعنى لو كان متاعا مأخوذا وانتقالا معروفا لأطاعوك ولكن كبرت عليهم المتعبة وسيقسمون بالرب لو قدرنا لذهبنا معكم يدمرون ذواتهم والرب يعرف إنهم لكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن النفير لو كان من أجل العرض القريب والمراد المتاع المأخوذ دون تعب والسفر القاصد وهو الانتقال النافع لهم لاتبعوك أى لخرجوا عندما أمرتهم ولكن بعدت عليهم الشقة والمراد ولكن ثقلت عليهم الرحلة للجهاد والمراد عرفوا أن الرحلة متعبة لهم لذا سيحلفون بالله أى سيقسمون بالرب لك :لو استطعنا لخرجنا معكم والمراد لو قدرنا لذهبنا معكم وهذا يعنى أنهم يتعللون بعدم قدرتهم الصحية وهم بهذا القسم يهلكون أنفسهم أى يدمرون أى يجلبون عذاب الله لهم والله يعلم أنهم لكاذبون والمراد والرب يعرف أنهم لمفترون والمراد أنهم لا يقولون الحقيقة والخطاب للنبى(ص).
"عفا الله عنك لما أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين "المعنى غفر الرب لك لما سمحت لهم حتى يظهر لك الذين أطاعوا وتعرف المخالفين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه عفا عنه أى غفر له ذنبه وهو إذنه للمنافقين بالقعود ويسأله لما أذنت لهم أى لما سمحت لهم بالقعود؟والغرض من السؤال إخباره بذنبه حتى لا يكرره ويبين له أن عدم السماح بالقعود كان سيبين له الذين صدقوا ويعلم الكاذبين والمراد سيعرفه الذين أطاعوا أمره ويعرف العاصين لأمره لأنهم كانوا سيخالفون أمره بعدم القعود وساعتها يعرفهم والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين "المعنى لا يستسمحك الذين يصدقون بحكم الله ويوم البعث أن يقاتلوا بأملاكهم وذواتهم والرب خبير بالمطيعين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر والمراد الذين يصدقون بحكم الله ويوم القيامة لا يستئذنونه أى لا يطلبون منه أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم أى أن يقاتلوا بأملاكهم وذواتهم وإنما هم يذهبون للقتال من أنفسهم والله عليم بالمتقين والمراد والرب خبير بالمطيعين لحكم الله.
"إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون "المعنى إنما يستسمحك الذين لا يصدقون بحكم الله ويوم البعث أى كذبت أنفسهم فهم فى تكذيبهم يستمرون،يبين الله لنبيه (ص)إن الذين يستئذنونه أى يطلبون منه السماح لهم بالقتال هم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الأخر والمراد هم الذين لا يصدقون بوحى الله ويوم القيامة وفسر هذا بأنهم ارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون والمراد وكفرت نفوسهم بحكم الله ويوم البعث فهم فى كفرهم يستمرون .
"ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين "المعنى ولو شاءوا الجهاد لجهزوا له جهازا ولكن بغض الرب خروجهم فمنعهم وقيل اجلسوا مع الجالسين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو أرادوا والمراد لو نووا الجهاد لأعدوا له عدة والمراد لجهزوا للجهاد جهازه وهو السلاح والطعام والركوبة إن وجدت ولكنهم لم يفعلوا ولكن كره الله انبعاثهم والمراد ولقد بغض الرب خروجهم والمراد لقد حرم الرب جهادهم فثبطهم أى فمنعهم أى أدخل فى أنفسهم كراهية الجهاد فقالوا لبعضهم البعض: اقعدوا مع القاعدين والمراد أقيموا مع المقيمين فى البلدة والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين "المعنى لو ذهبوا معكم ما أمدوكم إلا خلافا ولأوقعوا بينكم يريدون منكم الردة وفيكم مطيعون لهم والرب خبير بالكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو خرجوا فيهم أى لو ذهبوا معهم للجهاد ما فعلوا سوى تزويد المؤمنين بالخبال أى إمدادهم بالخلاف وهو الأذى وفسر هذا بأنهم أوضعوا بينهم أى أوقعوا الخلاف بين المؤمنين وهم يبغون بذلك الفتنة والمراد وهم يريدون من ذلك ردة المسلمين عن الجهاد ومن ثم عن الإسلام ،ويبين لهم أن مما يساعد على حدوث الخلاف بينهم وجود سماعون أى مطيعون لكلام المنافقين من المؤمنين ويبين لهم أنه عليم بالظالمين أى خبير بالمفسدين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله عليم بالمفسدين".
"لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق فظهر أمر الله وهم كارهون "المعنى لقد أرادوا الخلاف من قبل وخلطوا لك الأقوال حتى أتى العدل فبان حكم الله وهم باغضون،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقين قد ابتغوا الفتنة من قبل والمراد قد أرادوا الخلاف بين المسلمين من قبل فقلبوا لك الأمور والمراد فخلطوا لك الأقوال والمراد أظهروا الحق باطلا حتى جاء الحق والمراد حتى نزل الوحى فظهر أمر الله والمراد فبان حكم الله لك وللمؤمنين وهم كارهون أى باغضون للحق والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده.
"ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " المعنى ومنهم من يقول اسمح لى ولا تختبرنى ألا فى الردة وقعوا وإن النار لجامعة للمكذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن من المنافقين من يقول له:ائذن لى ولا تفتنى والمراد اسمح لى بالقعود ولا تمتحنى ،ويبين له أنهم فى الفتنة وهى الردة عن الإسلام سقطوا أى وقعوا وهذا يعنى أنهم ارتدوا بطلبهم القعود عن الإسلام ويبين لهم أن جهنم وهى النار محيطة بالكافرين أى جامعة للظالمين والمراد حابسة بسورها لهم مصداق لقوله بسورة الكهف"إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ".
"وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون "المعنى وإن تأتيك نافعة تحزنهم وإن تأتيك ضارة يقولوا قد عملنا حذرنا من قبل ويعرضوا وهم مسرورون،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن تصبه حسنة والمراد إن يمسه خير فى الحرب مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يمسسك بخير" يسؤهم أى يغمهم وإن تصبه مصيبة والمراد وإن يمسسه ضرر أى سيئة فى الحرب مصداق لقوله بسورة الأنعام" إن يمسسك الله بضر"وقوله بسورة آل عمران"وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها"يقول المنافقون :قد أخذنا أمرنا من قبل والمراد قد صنعنا احتياطنا من قبل والاحتياط هو عدم خروجهم للجهاد ،ويتولوا وهم فرحون والمراد وينصرفون وهم معرضون أى متمسكون بحكمهم الضال مصداق لقوله بسورة التوبة "وتولوا وهم معرضون".
"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون "المعنى قل لن يمسنا إلا ما أراد الرب لنا هو ناصرنا وبطاعة الرب فليحتمى المصدقون بحكمه ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس:لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا والمراد لن يحدث لنا إلا الذى قرره الرب لنا فى كتابه سابقا وهذا يعنى الإقرار بأن كل شىء يحدث لأن الله أرداه ،هو مولانا أى هو ناصرنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون والمراد بطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون بحكمه من عقابه والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون "المعنى قل هل تنتظرون بنا إلا إحدى النافعتين ونحن ننتظر بكم أن يمسكم الرب بعقاب من لديه أو بقوتنا فانتظروا إنا معكم منتظرون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين والمراد هل تترقبون بنا إلا إحدى النافعتين ؟والغرض من السؤال إخبار الناس أن واجبهم هو أن ينتظروا حدوث الحسنة الأولى انتصارهم فى القتال بالقتال والحسنة الثانية انتصارهم دون قتال بهروب العدو أو استسلامه ،ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا والمراد ونحن نترقب أن يمسكم الرب بعقاب من لدى جنوده الآخرين أو بسلاحنا وهذا يعنى أن المسلمين يعلمون أن المنافقين إما ينزل بهم عقاب من الله عن طريق جنوده من غير البشر المؤمنين وإما عن طريق سلاح المؤمنين ،فتربصوا إنا معكم متربصون أى "فانتظروا إنى معكم من المنتظرين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أن يتوقعوا حدوث ما قاله هنا فيهم .
"قل أنفقوا طوعا أو كرها لن نتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين "المعنى قل اعملوا حبا أو جبرا لن نرضى منكم إنكم كنتم ناسا كافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمنافقين :أنفقوا طوعا أو كرها والمراد اعملوا رضا أو بغضا والمراد برضا منكم أو بكره منكم لن نتقبل منكم والمراد لن نرضى منكم عملا والسبب إنكم كنتم قوما فاسقين والمراد إنكم كنتم ناسا كافرين والخطاب للنبى(ص) ومنه للمنافقين.
"وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أن كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون "المعنى وما حرمهم أن ترضى منهم أعمالهم إلا أن كذبوا حكم الله ونبيه (ص)أى لا يطيعون الدين إلا وهم مكذبون أى لا يعملون إلا وهم باغضون للحق ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى منع المنافقين أن تقبل منهم نفقاتهم والمراد أن الذى حرم المنافقين أن ترضى منهم أعمالهم هو أنهم كفروا بالله ورسوله (ص)أى أنهم كذبوا بحكم الرب ونبيه (ص)وفسر هذا بأنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى والمراد لا يطيعون الإسلام وهو الدين إلا وهم مكذبون به أى غير مؤمنين بقلوبهم مصداق لقوله بسورة الحجرات"ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم"وفسر هذا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون والمراد لا يطيعون حكم الله إلا وهم مكذبون به فهم يظهرون الطاعة ونفوسهم مكذبة بما يعملون من الطاعات لحكم الله .
"فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون "المعنى فلا تغرك أملاكهم ولا عيالهم إنما يحب الرب أن يعاقبهم بها فى المعيشة الأولى وتخرج ذواتهم وهم مكذبون ،يطلب الله من نبيه (ص)ألا تعجبه أموال المنافقين ولا أولادهم والمراد ألا تغره كثرة أملاك المنافقين وكثرة أولادهم والسبب أن الله يريد أن يعذبهم بها فى الحياة الدنيا والمراد أن الله يحب أن يذلهم بضياع أموالهم وإصابة عيالهم ويحب أن تزهق أنفسهم وهم كافرون والمراد ويريد أن تنتقل أنفسهم من الدنيا عند الموت للبرزخ وهم مكذبون بحكمه حتى يدخلهم النار والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون "المعنى ويقسمون بالرب إنهم لمسلمين وما هم بمسلمين ولكنهم ناس ينفصلون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحلفون والمراد يقسمون بالله فيقولون :والله إننا آمنا مثلكم مصداق لقوله بسورة البقرة "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا"ويبين لهم أن المنافقين ليسوا من المؤمنين ولكنهم قوم يفرقون والمراد ولكنهم ناس يختلفون عنكم فى الدين والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون "المعنى لو يلقون مأوى أى مخابىء أى مهربا لذهبوا له وهم يتسابقون،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو يجدون ملجأ أى مأمن وفسره بأنه مغارات أى مخابىء وفسره بأنه مدخل مكان للهرب إليه لولوا إليه وهم يجمحون والمراد لارتحلوا إليه وهم يتسابقون أى يتسارعون فى الرحيل .
"ومنهم من يلمزك فى الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون "المعنى ومنهم من يذمك فى العطايا فإن سلموا منها فرحوا وإن لم يسلموا إذا هم يغضبون،يبين الله لنبيه (ص)أن من المنافقين من يلمزك فى الصدقات والمراد منهم من يذمه بسبب توزيعه العادل للأموال فإن أعطوا منها والمراد فإن سلموا من الأموال بعضا رضوا أى فرحوا بما سلموا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون والمراد وإن لم يسلموا بعضا من الأموال إذا هم يغضبون أى يثورون والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"ولو أنهم رضوا ما أتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا من فضله ورسوله إنا إلى ربنا راغبون "المعنى ولو أنهم قبلوا الذى أعطاهم الرب ونبيه (ص)وقالوا كافينا الرب سيعطينا من رزقه ونبيه (ص)إنا لرحمة إلهنا طالبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقين لو رضوا ما أتاهم الله ورسوله (ص)والمراد لو أخذوا الذى أعطاهم الله أى أعطاهم نبيه (ص)فالله قد حكمه فى توزيع المال وفسر رضاهم بقولهم :حسبنا الله سيؤتينا من فضله ورسوله (ص)والمراد كافينا أى واهبنا هو الله الذى حكم نبيه (ص)فى التوزيع سيعطينا من رحمته والمراد من رزقه ،إنا إلى ربنا راغبون والمراد إنا لرحمة وهى رزق إلهنا قاصدون أى طالبون وهذا يعنى أن يقروا بأن الله هو الرازق وأنهم يرغبون فى رحمته .
"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"المعنى إنما النفقات للعجزة والمحتاجين والجامعين لها والمركبة نفوسهم وفى العبيد والمديونين وفى دين الرب وولد الطريق حكم من الرب والرب خبير قاضى ،يبين الله للمؤمنين أن الصدقات وهى النفقات المسماة الزكاة توزع على كل من :الفقراء وهم العجزة أصحاب العاهات الذين لا يستطيعون ضربا أى سعيا فى الأرض مصداق لقوله بسورة البقرة "للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض ،والمساكين وهم العمال الذين لا يكفيهم العمل نفقات معيشتهم والدليل على عملهم قوله بسورة الكهف"أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر "والعاملين عليها وهم الجامعين للزكاة من الأغنياء الموزعين لها على أصحابها والمؤلفة قلوبهم وهم المركبة نفوسهم أى المجانين وليس الأغنياء لتأليف قلوبهم على الإسلام لأن الله أخبر نبيه (ص)أنه لو أنفق مال الأرض ما ألف القلوب فقال بنفس السورة "لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم "فكيف يعطيهم المال وقد أخبره أنه لا ينفع فى تأليف قلوبهم على الإسلام؟،وفى الرقاب والمراد وفى عتق العبيد رجالا ونساء وفى الغارمين وهم أصحاب الديون الذين لا يستطيعون سدادها وفى سبيل الله وهو نصر دين الله وهو كل وسائل القوة ومنها الدعوة للدين وابن السبيل وهو المسافر الذى ليس له مال يوصله لبلده وهذا التوزيع هو فريضة من الله والمراد حكم واجب من الرب والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب للنبى (ص)وما بعده.
"ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم "المعنى ومنهم الذين يذمون الرسول(ص)ويقولون هو سماعة قل سماعة أنفع لكم يصدق بالله ويصدق للمصدقين ونفع للذين صدقوا منكم والذين يذمون نبى الرب لهم عقاب شديد ،يبين الله للمؤمنين أن من المنافقين الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن والمراد ومنهم الذين يذمون الرسول(ص)فيقولون عنه هو سماعة والمراد سماعة للكلام ويبلغه ولا يترك منه شيئا وهو جنون فهم يذمونه بما هو مدح له وفى أذاهم قال بسورة آل عمران"ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ومن الذين أشركوا أذى كثيرا"ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم أذن خير لكم والمراد سماعة مبلغ للحق أفضل لكم من محرف أو ممتنع عن التبليغ ،يؤمن بالله والمراد يصدق بحكم الله ويؤمن للمؤمنين والمراد ويصدق كلام المصدقين بحكم الله ،ويبين للناس أن النبى (ص)رحمة للذين أمنوا منكم والمراد ونافع للذين صدقوا بحكم الله منكم بما يبلغه وبما يعمله لهم ،ويبين للناس أن الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم والمراد والذين يذمون مبعوث الرب لهم عقاب مهين مصداق لقوله بسورة الأحزاب"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ".
"يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين "المعنى يقسمون بالرب لكم ليعجبوكم والرب ونبيه (ص)أولى أن يطيعوه إن كانوا مصدقين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحلفون بالله لهم والمراد يقسمون بالرب للمؤمنين والسبب أن يرضوهم أى أن يقبلوهم والمراد أن ينالوا استحسانهم مع أن الحق وهو الواجب أن يرضوا الله ورسوله (ص)والمراد أن يطيعوا حكم الله ونبيه (ص)؟إن كانوا مؤمنين أى إن كانوا صادقين فى زعمهم أنهم مصدقون بوحى الله مصداق لقوله القلم "إن كانوا صادقين " والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزى العظيم "المعنى ألم يعرفوا أنه من يعادى الرب ونبيه (ص)فإن له عذاب الجحيم مقيما فيها ذلك هو الذل الكبير ،يسأل الله ألم يعلموا أنه من يحادد والمراد هل لم يعرفوا أن من يشاقق أى يعصى حكم الله ونبيه (ص)فأن له نار جهنم خالدا فيها والمراد فإن مأواه عذاب النار مقيما فيه؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار عرفوا مصير من يحادد الله فى الدنيا ويبين أن ذلك وهو دخول النار هو الخزى العظيم أى العذاب الأليم مصداق لقوله بسورة الحجر"وأن عذابى هو العذاب الأليم "
"يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما فى قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون "المعنى يخاف المذبذبون أن توحى فيهم آيات تخبرهم بالذى فى نفوسهم قل اسخروا إن الرب مظهر الذى تخافون،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقون وهم المذبذبون بين الإسلام والكفر يحذروا أن تنزل عليهم سورة والمراد يخافوا أن توحى فيهم مجموعة آيات تنبئهم بما فى قلوبهم والمراد تخبرهم بالذى فى نفوسهم وهو الأضغان للمؤمنين ويطلب منه أن يقول لهم :استهزءوا أى اسخروا منا أى كذبونا إن الله مخرج ما تحذرون والمراد إن الرب مظهر الذى تخافون ظهوره وهو الأضغان التى كتموها مصداق لقوله بسورة محمد"أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم "وهذا يعنى أن الله أوحى فى المنافقين مجموعة آيات توضح ما فى قلوبهم تجاه المسلمين والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص)ومنه للمنافقين .
"ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون "المعنى ولئن استخبرتهم ليقولن إنما كنا نلهو أى نسخر ،قل هل بالله أى أحكامه أى بحكم مبعوثه كنتم تسخرون ؟يبين الله لنبيه (ص)أنه لو سأل أى استخبر المنافقين لماذا تستهزءون بنا ؟ ليقولن :إنما كنا نخوض أى نتكلم أى نلعب والمراد نضحك أى نسخر فقط ويطلب منه أن يقول لهم فى حالة إجابتهم :أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون والمراد هل بحكم الرب أى أحكامه أى حكم نبيه (ص) تكذبون ؟والغرض من السؤال إخبارهم بحرمة الاستهزاء بحكم الله الذى هو آياته الذى هو حكم نبيه (ص).
"لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا قوما مجرمين "المعنى لا تبرروا قد كذبتم بعد تصديقكم إن نرحم جماعة منكم نعاقب جماعة بأنهم كانوا ناسا كافرين ،يطلب الله على لسان النبى(ص) من المنافقين ألا يعتذروا أى ألا يبرروا فعلهم الاستهزاء بأى مبرر لأنه غير مقبول ،ويقول لهم قد كفرتم بعد إيمانكم والمراد قد كذبتم الحق بعد تصديقكم به أى كما قال بنفس السورة "وكفروا بعد إسلامهم"،إن نعف عن طائفة منكم والمراد إن نتوب على جماعة منكم مصداق لقوله بسورة الأحزاب"ويعذب المنافقين إن شاء
أو يتوب عليهم "وهذا يعنى أنه إن يرحم الجماعة التى تعود للإسلام يعذب طائفة والمراد يعاقب جماعة والسبب أنهم كانوا قوما مجرمين أى كانوا ناسا كافرين بحكم الله حتى ماتوا فلم يعودوا للإسلام .
"المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون"المعنى المذبذبون والمذبذبات بعضهم أنصار بعض يعملون بالشر أى يبعدون عن الخير أى يمسكون أنفسهم ،تركوا حكم الله فعاقبهم إن المذبذبين هم الكافرون،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض والمراد أن المترددين والمترددات بين الإسلام والكفر بعضهم أنصار أى أولياء بعض مصداق لقوله بسورة الجاثية "والظالمين بعضهم أولياء بعض"يأمرون بالمنكر والمراد يعملون بالشر وهو الباطل وفسره هذا بأنهم ينهون عن المعروف والمراد يبتعدون عن عمل العدل وهو الخير أى الحق وفسر هذا بأنهم قبضوا أيديهم أى منعوا أنفسهم من اتباع الحق وفسرهم بأنهم نسوا الله أى تركوا طاعة حكم الله لذا نسيهم الله أى عاقبهم على كفرهم ويبين لنا أن المنافقين هم الفاسقون والمراد أن المذبذبين هم الكافرون بحكم الله والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم "المعنى أخبر الرب المذبذبين والمذبذبات والمكذبين عذاب الجحيم مقيمين فيه هو مأواهم أى عاقبهم الرب أى لهم عقاب مستمر ،يبين الله للمؤمنين أن الله وعد والمراد أخبر المنافقين والمنافقات وهم المذبذبين والمذبذبات بين الكفر والإسلام والكفار وهم المكذبين حكم الله علنا وباطنا نار جهنم خالدين فيها والمراد عذاب السعير مقيمين فيه هى حسبهم والمراد النار مأواهم أى مولاهم مصداق لقوله بسورة الحديد"مأواكم النار هى مولاكم"وفسر هذا بأنهم لعنهم أى غضب عليهم مصداق لقوله بسورة الفتح"وغضب الله عليهم" أى عاقبهم وفسر هذا بأنه لهم عذاب مقيم أى عقاب مستمر لا ينتهى .
"كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذى خاضوا أولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون"المعنى كالذين سبقوكم كانوا أكبر منكم بأسا وأكبر أملاكا وعيالا فتلذذوا بطيباتهم فتلذذتم بطيباتكم كما تلذذ الذين سبقوكم بطيباتهم أى عملتم كالذى عملوا أولئك خسرت أفعالهم فى الأولى والقيامة وأولئك هم المعذبون ،يبين الله للمنافقين والكفار أنهم كالذين من قبلهم أى سبقوهم فى الحياة استمتعوا بخلاقهم أى تلذذوا بطيباتهم فى الدنيا فى أنهم استمتعوا بخلاقهم والمراد فى أنهم تلذذوا بطيباتهم فى الدنيا فأذهبوا طيباتهم فى الآخرة مصداق لقوله بسورة الأحقاف"أذهبتم طيباتكم فى الحياة الدنيا واستمتعتم بها "وفسر هذا بأنهم خاضوا كالذى خاضوا أى فعلوا كالذى فعل السابقون عليهم وهو الكفر لذا حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة والمراد لذا خسرت أى فسدت أفعالهم فى الأولى والقيامة ولذا هم الخاسرون أى المعذبون، وقد كانوا أشد منهم قوة أى أعظم منهم بأسا أى بطشا مصداق لقوله بسورة ق"أشد منهم بطشا"وأكثر أموالا وأولادا والمراد وأكبر أملاكا وعيالا وهذا يعنى أن الدول قبل عهد النبى (ص)كانوا أعظم قوة وأكثر مالا ونفرا من الكفار فى عهده والخطاب للكفار والمنافقين .
"ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "المعنى هل لم يبلغهم خبر الذين سبقوهم ناس نوح(ص)وعاد وثمود وشعب إبراهيم (ص)وأهل مدين وأهل لوط(ص) جاءتهم أنبياؤهم بالآيات فما كان الرب ليبخسهم ولكن كانوا ذواتهم يبخسون ،يسأل الله ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم والمراد هل لم يصل إلى مسامعهم قصص الذين سبقوهم فى الحياة قوم وهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود وقوم وهم شعب إبراهيم (ص)وأصحاب وهم سكان مدين والمؤتفكات وهم أهل لوط(ص) أتتهم رسلهم بالبينات والمراد جاءتهم مبعوثوهم بالآيات وهى الكتاب المنير مصداق لقوله بسورة فاطر"جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير "فكفروا كما قال بسورة غافر"كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا"والغرض من السؤال هو إخبار الناس عن طريق تبليغ الوحى قصص الأقوام السابقة وكفرهم وهلاكهم بسبب كفرهم بما أتت به الرسل(ص)ويبين لنا أن الله ما كان ليظلم أى لينقص حقوق الأقوام شيئا ولكن الذى حدث هو أنهم كانوا أنفسهم يظلمون أى أنهم كانوا أنفسهم يهلكون أى يعذبون مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يهلكون إلا أنفسهم" والخطاب للمؤمنين .
"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم "المعنى والمصدقون والمصدقات بعضهم أنصار بعض يعملون بالعدل أى يبتعدون عن الشر أى يطيعون الدين أى يعملون الحق أى يتبعون الرب ونبيه (ص)أولئك سينفعهم الرب إن الرب قوى قاضى ،يبين الله لنا أن المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض والمراد أن المصدقون والمصدقات بحكم الله بعضهم أنصار بعض يدافعون عن بعضهم يأمرون بالمعرف أى يعملون بالقسط وهو العدل مصداق لقوله بسورة آل عمران "يأمرون بالقسط"وفسر هذا بأنهم ينهون عن المنكر والمراد يبتعدون عن الشر وهو السوء مصداق لقوله بسورة الأعراف "ينهون عن السوء"وفسر هذا بأنهم يقيمون الصلاة أى يطيعون الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسر هذا بأنهم يؤتون الزكاة أى يعملون العدل وفسر هذا بأنهم يطيعون أى يتبعون حكم الله ورسوله (ص)مصداق لقوله بسورة الأعراف"ويتبعون الرسول "وأولئك سيرحمهم الله والمراد سيدخلهم الله جناته مصداق لقوله بسورة النساء"والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات "إن الله عزيز حكيم أى قوى ناصر لمطيعيه قاضى بالحق .
" وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم "المعنى أخبر الرب المصدقين والمصدقات بحكمه حدائق تسير من تحتها العيون مقيمين فيها أى بيوت حسنة فى حدائق الخلود أى رحمة من الرب أعظم ذلك هو النصر الكبير ،يبين الله لنا أن الله وعد المؤمنين والمؤمنات جنات والمراد أخبر المصدقين والمصدقات لحكمه أن لهم الحسنى وهى الحدائق مصداق لقوله بسورة النساء"وكلا وعد الله الحسنى"وهى تجرى من تحتها الأنهار والمراد وهى تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم خالدين فيها أى "ماكثين فيه أبدا"كما قال بسورة الكهف والمراد عائشين فيها وفسرها بأنها مساكن طيبة فى جنات عدن والمراد بيوت حسنة فى حدائق الخلود وفسرها بأنها رضوان من الله أكبر والمراد رحمة من الله أعظم أى أبقى مصداق لقوله بسورة القصص "وما عند ربك خير وأبقى" وذلك وهو دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير "والخطاب وما قبله للناس.
"يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير"المعنى يا أيها الرسول قاتل المكذبين والمذبذبين واشدد عليهم ومقامهم النار وساء المقام ،يخاطب الله النبى وهو محمد(ص)فيقول جاهد أى فقاتل فى سبيل الله كما قال بسورة النساء أى حارب الكفار وهم المكذبين بحكم الله والمنافقين وهم المذبذبين بين الإسلام والكفر واغلظ عليهم أى واشدد عليهم والمراد كما قال بنفس السورة "فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان"ومأواهم جهنم أى "ومأواهم النار"كما قال بسورة آل عمران والمراد ومقرهم وهو مقامهم النار وبئس المصير أى وساء أى وقبح المقام مصداق لقوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما" والخطاب للنبى(ص).
"يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما فى الدنيا والآخرة وما لهم فى الأرض من ولى ولا نصير "المعنى يقسمون بالرب ما تحدثوا ولقد تحدثوا بحكم التكذيب أى كذبوا بعد إيمانهم وأرادوا الذى لم يقدروا عليه وما غضبوا إلا أن أكثرهم الرب ونبيه (ص)من رزقه فإن يستغفروا يك أنفع لهم وإن يكفروا يعاقبهم الرب عقابا مهينا فى الأولى والقيامة وما لهم فى البلاد من واق أى منقذ ،يبين الله لنا أن المنافقين يحلفون بالله ما قالوا والمراد يقسموا بالله ما تحدثوا بحديث الكفر بحكم الله فيقولون والله ما كفرنا فى حديثنا وهم قد قالوا لكلمة الكفر والمراد قد تحدثوا حديث التكذيب بحكم الله وفسر الله هذا بأنهم كفروا بعد إسلامهم والمراد كذبوا بعد إيمانهم مصداق لقوله بنفس السورة "قد كفرتم بعد إيمانكم " وقد هم المنافقون بما لم ينالوا والمراد وقد أراد المنافقون الذى لم يقدروا على عمله وهو القضاء على المسلمين ،وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله والمراد وما كفروا إلا أن أعطاهم الرب ونبيه من رزقه الوفير وهذا يعنى أن سبب حقدهم وهو كفرهم هو كثرة عطايا النبى (ص)لهم المال بأمر من الله ويبين للمؤمنين أن المنافقين إن يتوبوا أى يرجعوا لإسلامهم يك خير لهم والمراد يصبح إسلامهم أنفع لهم فى الأجر وإن يتولوا يعذبهم عذابا أليما فى الدنيا والآخرة والمراد وإن يكفروا يعاقبهم عقابا مهينا فى الأولى هو قتلهم وأخذ مالهم وفى القيامة وهو دخولهم النار وما لهم فى الأرض من ولى ولا نصير والمراد وليس لهم فى البلاد منقذ أى واقى من العذاب مهما كانت قوته والخطاب للناس.
"ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "المعنى ومنهم من واثق الرب لئن أعطانا من رزقه لننفقن و لنصبحن من المحسنين فلما أعطاهم من رزقه منعوه وخالفوا وهم مكذبون فأوجد فيهم مرضا فى نفوسهم إلى يوم يقابلونه بالذى نقضوا الرب الذى واثقوه وبالذى كانوا يكفرون ،يبين الله للمؤمنين أن من المنافقين من عاهد الله والمراد من واثق أى من قال لله:لئن أتيتنا من فضلك لنصدقن ولنكونن من الصالحين والمراد لئن أعطيتنا من رزقك لنفيدن منه الآخرين ولنصبحن من المحسنين وهم الطائعين لك أى "لنكونن من الشاكرين"كما قال بسورة الأنعام وهذا هى عبادة الله على حرف أى شرط وهى غير نافعة ،فلما أتاهم الله من فضله والمراد فلما أعطاهم الرب من رزقه الكثير بخلوا به أى منعوا عونه عن الناس مصداق لقوله بسورة الماعون"ويمنعون الماعون" وتولوا وهم معرضون والمراد وخالفوا حكم الله وهم مكذبون به وهو هنا حكم الصدقات لذا أعقبهم الله نفاق فى قلوبهم أى زادهم الرب مرضا فى نفوسهم مصداق لقوله بسورة البقرة "فزادهم الله مرضا"والمراد وضع فى نفوسهم حب النفاق إلى يوم يلقونه والمراد إلى يوم يدخلون عقابه والسبب ما أخلفوا الله ما وعدوه والمراد الذى خالفوا الرب الذى أخبروه وهو التصدق والصلاح وبما كانوا يكذبون أى وبالذى كانوا يكفرون مصداق لقوله بسورة يونس"بما كانوا يكفرون "والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب "المعنى هل لم يعرفوا أن الرب يعرف خفيهم وحديثهم وأن الرب عراف المجهولات،يسأل الله ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم والمراد هل لم يعرف المنافقون أن الرب يعرف نيتهم وحديثهم الخافت وأن الله علام الغيوب والمراد وان الرب عارف المجهولات؟والغرض من السؤال إخبارنا أن المنافقين عرفوا علم الله بكل شىء ومع هذا تعمدوا تناسى هذا وفعلوا ما فعلوا.
"الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم "المعنى الذين يذمون المتبرعين من المصدقين بالنفقات والذين لا يلقون إلا عملهم أى يستهزءون بهم استهزىء الرب بهم أى لهم عقاب مهين ،يبين الله للنبى(ص) أن المنافقين هم الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم والمراد هم الذين يذمون أى يعيبون على المتبرعين من المصدقين بحكم الله بالأموال للجهاد ويعيبون على الذين لا يلقون سوى عملهم بأنفسهم دون دفع مال لحاجتهم وفسر الله يلمزون بأنهم يسخرون منهم أى يستهزءون أى يضحكون عليهم مصداق لقوله بسورة المطففين"إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون"فلا هم يعجبهم الدافع أو الذى لا يدفع والله سخر منهم أى استهزى بالمنافقين أى عاقبهم وفسر هذا بأن لهم عذاب أليم أى عقاب مهين مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولهم عذاب مهين"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"استغفر لهم أولا تستغفر إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين "المعنى استعفى لهم أو لا تستعفى يا محمد إن تستعفى لهم سبعين مرة فلن يرحمهم الرب السبب أنهم كذبوا بحكم الرب ونبيه (ص)والرب لا يرحم الناس الكافرين ،ييبن الله لنبيه (ص)أنه إن يستغفر للمنافقين أو لا يستغفر لهم والمراد إن يطلب ترك عقاب الله للمنافقين أو لا يطلب ترك العقاب فالله لن يغفر لهم أى لن يترك عقابهم حتى ولو استغفر سبعين مرة والمراد حتى ولو طلب ترك العقاب منه سبعين والعدد هنا ليس للتحديد وإنما رمز للكثرة مهما كانت ،ذلك وهو السبب فى عدم رحمتهم وهو ترك عقابهم هو أنهم كفروا بالله ورسوله (ص) والمراد أنهم كذبوا حكم الرب ونبيه (ص)والله لا يهدى القوم الفاسقين والمراد والرب لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بنفس السورة "والله لا يهدى القوم الكافرين "وقوله بسورة آل عمران " فإن الله لا يحب الكافرين".
"فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون " المعنى سر القاعدون ببقائهم وراء نبى الله(ص)وبغضوا أن يقاتلوا بأملاكهم وذواتهم لنصر الرب وقالوا لا تخرجوا فى القيظ قل لهب النار أعظم حرارة لو كانوا يفهمون ،يبين الله للمؤمنين أن المخلفون فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله (ص)والمراد أن القاعدون عن الجهاد سروا ببقائهم فى المدينة وراء نبى الله (ص)والسبب أنهم قد كرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والمراد أنهم قد مقتوا أن يقاتلوا بأملاكهم وحياتهم فى سبيل الله أى فى نصر دين الله وقالوا لبعضهم البعض:لا تنفروا فى الحر والمراد لا تخرجوا للجهاد وقت القيظ وهو الحرارة الشديدة ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون والمراد لهب الجحيم أعظم حرارة من حرارة الدنيا لو كانوا يفهمون الحق فيتبعونه والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون "المعنى فليفرحوا قصيرا وليحزنوا طويلا عقابا على الذى كانوا يعملون ،يبين الله لنا أن على المنافقين أن يضحكوا قليلا والمراد أن يفرحوا وقتا قصيرا هو وقت الدنيا لأنهم سيبكون كثيرا أى سيحزنون طويلا أى دائما فى النار جزاء بما كانوا يكسبون أى عقابا على الذى كانوا يعملون وهو الكفر مصداق لقوله بسورة الواقعة "جزاء بما كانوا يعملون ".
"فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستئذنوك للخروج قل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين "المعنى فإن أعادك الرب إلى جمع منهم فاستسمحوك للذهاب معك قل لن تذهبوا معى ولن تحاربوا معى كارها إنكم قبلتم بالبقاء أسبق مرة فأقيموا مع القاعدين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن رجعه لطائفة منهم والمراد إن أعاده لبيوت جماعة من المنافقين لسبب ما فاستئذنوك للخروج والمراد فطلبوا منك السماح لهم بالذهاب للحرب معك فعليه أن يقول لهم لن تخرجوا معى أبدا والمراد لن تذهبوا معى إطلاقا وفسر هذا بقوله ولن تقاتلوا معى عدوا أى ولن تحاربوا معى كارها للمسلمين وهذا يعنى أن الله قد قدر أن لن يذهب منافق للحرب مع المسلمين والسبب فى منعهم من الخروج للجهاد:إنكم رضيتم بالقعود أول مرة والمراد أنكم قبلتم بالبقاء فى البلدة فى المرة السابقة التى طلبت منكم فيها الخروج فاقعدوا مع الخالفين أى فأقيموا مع القاعدين أى الباقين فى البلدة مصداق لقوله بنفس السورة "فاقعدوا مع القاعدين ".
"ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون "المعنى ولا تصل على واحد توفى منهم دوما ولا تقف عند مدفنه إنهم كذبوا بالرب ونبيه(ص)وتوفوا وهم كافرون ،يطلب الله من نبيه (ص)ألا يصل على أحد من المنافقين مات أبدا والمراد ألا يصلى صلاة الجنازة على أى واحد توفى من المنافقين فى حياته دائما وألا يقم على قبره والمراد وألا يقف عند مدفن المنافق عند الدفن فترة وهذا يعنى وجوب صلاة الجنازة والوقوف عند قبر المسلم مدة فقط والسبب فى الصلاة على المنافقين وعد القيام عند قبورهم أنهم كفروا أى كذبوا الله ورسوله "(ص)كما قال بنفس السورة والمراد جحدوا حكم الرب ونبيه (ص)وماتوا وهم فاسقون أى وتوفوا وهم كافرون مصداق لقوله بنفس السورة "وتزهق أنفسهم وهم كافرون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
آمنة ذلك الحكم العادل فلا تبخسوا فيهن ذواتكم وحاربوا الكافرين كلكم كما يحاربونكم كلكم واعرفوا أن الرب ناصر المطيعين ،يبين الله للمؤمنين أن عدة وهى عدد الشهور فى السنة عند الله أى لدى الله فى كتابه أى حكمه هو اثنا عشر شهرا يوم خلق أى "فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام والمراد فى يوم أنشأ السموات والأرض من الإثنا عشر شهرا أربعة حرم أى أربعة آمنة يتم فيها الحج والعمرة ،ذلك وهو حكم الله هو الدين القيم أى الحكم العادل فلا تظلموا فيهن أنفسكم والمراد فلا تنقصوا فيهن ذواتكم وهذا يعنى ألا يفعلوا المحرم فى الأشهر الحرام ويطلب الله من المؤمنين أن يقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوهم كافة والمراد أن يحاربوا الكافرين كلهم كما يحاربونهم جميعا وهذا يعنى وجوب وحدة المسلمين فى حرب الكفار ويطلب منهم أن يعلموا أن الله مع المتقين والمراد أن يعرفوا أن الرب ناصر المطيعين لحكمه وهم الصابرين مصداق لقوله بسورة البقرة "والله مع الصابرين ".
"إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين "المعنى إنما التبديل استمرار فى الكذب يبعد به الذين كذبوا يبيحونه سنة ويمنعونه سنة ليوافوا عدد ما منع الله فيبيحوا ما منع الله حسن لهم قبح أفعالهم والرب لا يثيب الناس الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن النسىء وهو تبديل شهر حرام مكان شهر غير حرام هو زيادة فى الكفر والمراد هو استمرار فى التكذيب لحكم الله ،يضل به الذين كفروا أى يبعد به الذين كذبوا والمراد يعاقب به الذين جحدوا حكم الله ،يحلونه عاما ويحرمونه عاما أى يبيحون التبديل سنة ويمنعون سنة تالية والسبب ليواطئوا عدة ما حرم الله والمراد ليتموا عدد ما منع الله أى حتى يكملوا عدد الشهور الحرام التى حرمها الله ،ويبين لهم أنه زين لهم سوء أعمالهم والمراد حسن لهم قبح أفعالهم وهذا يعنى أنهم ظنوا أن سيئاتهم حسنات والله لا يهدى القوم الكافرين والمراد والرب لا يرحم أى لا يحب الناس المكذبين بحكمه وهم الظالمين مصداق لقوله بسورة التوبة "والله لا يهدى القوم الظالمين وقوله بسورة آل عمران"فإنه لا يحب الكافرين" والخطاب وما قبله وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم فى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير "المعنى يا أيها الذين صدقوا ما لكم إذا قيل لكم :اخرجوا فى نصر الرب قعدتم فى البلاد أأحببتم المعيشة الأولى عن الجنة ،فما نفع المعيشة الأولى من الجنة إلا صغير ،إلا تخرجوا يعاقبكم عقابا شديدا ويستخلف ناسا سواكم ولا تؤذوه بشىء والرب على كل أمر قادر ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله فيقول لهم :ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم فى الأرض والمراد مالكم إذا أمرتم اخرجوا فى نصر دين الله قعدتم فى البلاد؟وهذا يعنى أن النبى (ص)أمرهم بالخروج للجهاد فلم ينفذوا ويقول الله عن سبب قعودهم :
أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة والمراد أفضلتم متاع المعيشة الأولى على متاع الجنة ؟وهذا يعنى أنهم أحبوا الدنيا وتركوا العمل للجنة،فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل والمراد فما نفع المعيشة الأولى بالقياس لنفع الجنة إلا شىء هين يسير لا قيمة له ،ويبين لهم التالى إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما والمراد إلا تخرجوا للجهاد يعاقبكم عقابا شديدا فى الدنيا والآخرة وهذا تحذير لهم من عذاب الله فى حالة امتناعهم عن الجهاد ،ويستبدل قوما غيركم والمراد ويستخلف ناسا سواكم مصداق لقوله بسورة هود"ويستخلف ربى قوما غيركم" أى يأتى بخلق آخرين ولا تضروه شيئا أى ولا تؤذونه بأذى وهذا يعنى أن عصيانهم أمر الله لا يؤذيه بشىء والله على كل شىء قدير والمراد والرب لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد ".
"إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم "المعنى إلا تؤيدوه فقد أيده الرب حين طارده الذين كذبوا ثانى فردين وقت إذا هما فى الكهف وقت يقول لصديقه لا تخف إن الرب ناصرنا فأوحى الرب طمأنينته فيه ونصره بعسكر لم تشاهدوها وجعل حكم الذين كذبوا المهزوم وحكم الرب هو المنصور والرب قوى قاضى ،يبين الله للمؤمنين التالى :إلا تنصروه والمراد إن لم تؤيدوا النبى (ص)فقد نصره أى فقد أيده الله بقوته إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار والمراد وقت طارده الذين كذبوا ثانى فردين وقت هما فى الكهف إذ يقول لصاحبه والمراد وقت يقول لصديقه:لا تحزن أى لا تخف من أذى الكفار إن الله معنا والمراد إن الرب ناصرنا على الكفار وهذا يعنى أن الصاحب كان خائفا من أذى الكفار فأنزل الله سكينته عليه والمراد فأوحى الرب خبره له المطمئن لهما وأيده بجنود لم تروها والمراد ونصره بعسكر لم تشاهدوها وهذا يعنى أن الله صرف الكفار عن الغار بوسائل غير مرئية لأحد من البشر وجعل كلمة الذين كفروا السفلى والمراد وجعل حكم الذين كذبوا حكم الله الذليل وهو المهزوم وجعل كلمة الله هى العليا والمراد وجعل حكم الرب هو المنتصر أى الحادث والله عزيز حكيم والمراد والرب ناصر لمطيعيه قاضى بالحق والخطاب للمؤمنين.
"انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "المعنى جاهدوا متحركين ومقيمين أى قاتلوا بأملاككم وذواتكم فى نصر الرب ذلكم أفضل لكم إن كنتم تؤمنون ،يأمر الله المؤمنين فيقول:انفروا خفافا وثقالا والمراد قاتلوا متحركين ومقيمين أى ثابتين وهذا يعنى أن المقاتل الخفيف هو المتحرك فى الميدان والمقاتل الثقيل هو الثابت فى مكانه وهو مكان الرصد أو الكمين وهذا يعنى أن المقاتلين إما حربهم خفيفة أو ثقيلة وفسر هذا بأن جاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله والمراد قاتلوا بدفع أملاككم وذواتكم لنصر دين الله ،ذلكم وهو الجهاد خير لكم إن كنتم تعلمون أى القتال أحسن أجرا لكم إن كنتم تؤمنون مصداق لقوله بسورة الأعراف"ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين "والخطاب للمؤمنين.
"لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون "المعنى لو كان متاعا مأخوذا وانتقالا معروفا لأطاعوك ولكن كبرت عليهم المتعبة وسيقسمون بالرب لو قدرنا لذهبنا معكم يدمرون ذواتهم والرب يعرف إنهم لكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن النفير لو كان من أجل العرض القريب والمراد المتاع المأخوذ دون تعب والسفر القاصد وهو الانتقال النافع لهم لاتبعوك أى لخرجوا عندما أمرتهم ولكن بعدت عليهم الشقة والمراد ولكن ثقلت عليهم الرحلة للجهاد والمراد عرفوا أن الرحلة متعبة لهم لذا سيحلفون بالله أى سيقسمون بالرب لك :لو استطعنا لخرجنا معكم والمراد لو قدرنا لذهبنا معكم وهذا يعنى أنهم يتعللون بعدم قدرتهم الصحية وهم بهذا القسم يهلكون أنفسهم أى يدمرون أى يجلبون عذاب الله لهم والله يعلم أنهم لكاذبون والمراد والرب يعرف أنهم لمفترون والمراد أنهم لا يقولون الحقيقة والخطاب للنبى(ص).
"عفا الله عنك لما أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين "المعنى غفر الرب لك لما سمحت لهم حتى يظهر لك الذين أطاعوا وتعرف المخالفين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه عفا عنه أى غفر له ذنبه وهو إذنه للمنافقين بالقعود ويسأله لما أذنت لهم أى لما سمحت لهم بالقعود؟والغرض من السؤال إخباره بذنبه حتى لا يكرره ويبين له أن عدم السماح بالقعود كان سيبين له الذين صدقوا ويعلم الكاذبين والمراد سيعرفه الذين أطاعوا أمره ويعرف العاصين لأمره لأنهم كانوا سيخالفون أمره بعدم القعود وساعتها يعرفهم والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين "المعنى لا يستسمحك الذين يصدقون بحكم الله ويوم البعث أن يقاتلوا بأملاكهم وذواتهم والرب خبير بالمطيعين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر والمراد الذين يصدقون بحكم الله ويوم القيامة لا يستئذنونه أى لا يطلبون منه أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم أى أن يقاتلوا بأملاكهم وذواتهم وإنما هم يذهبون للقتال من أنفسهم والله عليم بالمتقين والمراد والرب خبير بالمطيعين لحكم الله.
"إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون "المعنى إنما يستسمحك الذين لا يصدقون بحكم الله ويوم البعث أى كذبت أنفسهم فهم فى تكذيبهم يستمرون،يبين الله لنبيه (ص)إن الذين يستئذنونه أى يطلبون منه السماح لهم بالقتال هم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الأخر والمراد هم الذين لا يصدقون بوحى الله ويوم القيامة وفسر هذا بأنهم ارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون والمراد وكفرت نفوسهم بحكم الله ويوم البعث فهم فى كفرهم يستمرون .
"ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين "المعنى ولو شاءوا الجهاد لجهزوا له جهازا ولكن بغض الرب خروجهم فمنعهم وقيل اجلسوا مع الجالسين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو أرادوا والمراد لو نووا الجهاد لأعدوا له عدة والمراد لجهزوا للجهاد جهازه وهو السلاح والطعام والركوبة إن وجدت ولكنهم لم يفعلوا ولكن كره الله انبعاثهم والمراد ولقد بغض الرب خروجهم والمراد لقد حرم الرب جهادهم فثبطهم أى فمنعهم أى أدخل فى أنفسهم كراهية الجهاد فقالوا لبعضهم البعض: اقعدوا مع القاعدين والمراد أقيموا مع المقيمين فى البلدة والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين "المعنى لو ذهبوا معكم ما أمدوكم إلا خلافا ولأوقعوا بينكم يريدون منكم الردة وفيكم مطيعون لهم والرب خبير بالكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو خرجوا فيهم أى لو ذهبوا معهم للجهاد ما فعلوا سوى تزويد المؤمنين بالخبال أى إمدادهم بالخلاف وهو الأذى وفسر هذا بأنهم أوضعوا بينهم أى أوقعوا الخلاف بين المؤمنين وهم يبغون بذلك الفتنة والمراد وهم يريدون من ذلك ردة المسلمين عن الجهاد ومن ثم عن الإسلام ،ويبين لهم أن مما يساعد على حدوث الخلاف بينهم وجود سماعون أى مطيعون لكلام المنافقين من المؤمنين ويبين لهم أنه عليم بالظالمين أى خبير بالمفسدين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله عليم بالمفسدين".
"لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق فظهر أمر الله وهم كارهون "المعنى لقد أرادوا الخلاف من قبل وخلطوا لك الأقوال حتى أتى العدل فبان حكم الله وهم باغضون،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقين قد ابتغوا الفتنة من قبل والمراد قد أرادوا الخلاف بين المسلمين من قبل فقلبوا لك الأمور والمراد فخلطوا لك الأقوال والمراد أظهروا الحق باطلا حتى جاء الحق والمراد حتى نزل الوحى فظهر أمر الله والمراد فبان حكم الله لك وللمؤمنين وهم كارهون أى باغضون للحق والخطاب وما بعده للنبى(ص) وما بعده.
"ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " المعنى ومنهم من يقول اسمح لى ولا تختبرنى ألا فى الردة وقعوا وإن النار لجامعة للمكذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أن من المنافقين من يقول له:ائذن لى ولا تفتنى والمراد اسمح لى بالقعود ولا تمتحنى ،ويبين له أنهم فى الفتنة وهى الردة عن الإسلام سقطوا أى وقعوا وهذا يعنى أنهم ارتدوا بطلبهم القعود عن الإسلام ويبين لهم أن جهنم وهى النار محيطة بالكافرين أى جامعة للظالمين والمراد حابسة بسورها لهم مصداق لقوله بسورة الكهف"إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ".
"وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون "المعنى وإن تأتيك نافعة تحزنهم وإن تأتيك ضارة يقولوا قد عملنا حذرنا من قبل ويعرضوا وهم مسرورون،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن تصبه حسنة والمراد إن يمسه خير فى الحرب مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يمسسك بخير" يسؤهم أى يغمهم وإن تصبه مصيبة والمراد وإن يمسسه ضرر أى سيئة فى الحرب مصداق لقوله بسورة الأنعام" إن يمسسك الله بضر"وقوله بسورة آل عمران"وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها"يقول المنافقون :قد أخذنا أمرنا من قبل والمراد قد صنعنا احتياطنا من قبل والاحتياط هو عدم خروجهم للجهاد ،ويتولوا وهم فرحون والمراد وينصرفون وهم معرضون أى متمسكون بحكمهم الضال مصداق لقوله بسورة التوبة "وتولوا وهم معرضون".
"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون "المعنى قل لن يمسنا إلا ما أراد الرب لنا هو ناصرنا وبطاعة الرب فليحتمى المصدقون بحكمه ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس:لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا والمراد لن يحدث لنا إلا الذى قرره الرب لنا فى كتابه سابقا وهذا يعنى الإقرار بأن كل شىء يحدث لأن الله أرداه ،هو مولانا أى هو ناصرنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون والمراد بطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون بحكمه من عقابه والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون "المعنى قل هل تنتظرون بنا إلا إحدى النافعتين ونحن ننتظر بكم أن يمسكم الرب بعقاب من لديه أو بقوتنا فانتظروا إنا معكم منتظرون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين والمراد هل تترقبون بنا إلا إحدى النافعتين ؟والغرض من السؤال إخبار الناس أن واجبهم هو أن ينتظروا حدوث الحسنة الأولى انتصارهم فى القتال بالقتال والحسنة الثانية انتصارهم دون قتال بهروب العدو أو استسلامه ،ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا والمراد ونحن نترقب أن يمسكم الرب بعقاب من لدى جنوده الآخرين أو بسلاحنا وهذا يعنى أن المسلمين يعلمون أن المنافقين إما ينزل بهم عقاب من الله عن طريق جنوده من غير البشر المؤمنين وإما عن طريق سلاح المؤمنين ،فتربصوا إنا معكم متربصون أى "فانتظروا إنى معكم من المنتظرين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أن يتوقعوا حدوث ما قاله هنا فيهم .
"قل أنفقوا طوعا أو كرها لن نتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين "المعنى قل اعملوا حبا أو جبرا لن نرضى منكم إنكم كنتم ناسا كافرين ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمنافقين :أنفقوا طوعا أو كرها والمراد اعملوا رضا أو بغضا والمراد برضا منكم أو بكره منكم لن نتقبل منكم والمراد لن نرضى منكم عملا والسبب إنكم كنتم قوما فاسقين والمراد إنكم كنتم ناسا كافرين والخطاب للنبى(ص) ومنه للمنافقين.
"وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أن كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون "المعنى وما حرمهم أن ترضى منهم أعمالهم إلا أن كذبوا حكم الله ونبيه (ص)أى لا يطيعون الدين إلا وهم مكذبون أى لا يعملون إلا وهم باغضون للحق ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى منع المنافقين أن تقبل منهم نفقاتهم والمراد أن الذى حرم المنافقين أن ترضى منهم أعمالهم هو أنهم كفروا بالله ورسوله (ص)أى أنهم كذبوا بحكم الرب ونبيه (ص)وفسر هذا بأنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى والمراد لا يطيعون الإسلام وهو الدين إلا وهم مكذبون به أى غير مؤمنين بقلوبهم مصداق لقوله بسورة الحجرات"ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم"وفسر هذا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون والمراد لا يطيعون حكم الله إلا وهم مكذبون به فهم يظهرون الطاعة ونفوسهم مكذبة بما يعملون من الطاعات لحكم الله .
"فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون "المعنى فلا تغرك أملاكهم ولا عيالهم إنما يحب الرب أن يعاقبهم بها فى المعيشة الأولى وتخرج ذواتهم وهم مكذبون ،يطلب الله من نبيه (ص)ألا تعجبه أموال المنافقين ولا أولادهم والمراد ألا تغره كثرة أملاك المنافقين وكثرة أولادهم والسبب أن الله يريد أن يعذبهم بها فى الحياة الدنيا والمراد أن الله يحب أن يذلهم بضياع أموالهم وإصابة عيالهم ويحب أن تزهق أنفسهم وهم كافرون والمراد ويريد أن تنتقل أنفسهم من الدنيا عند الموت للبرزخ وهم مكذبون بحكمه حتى يدخلهم النار والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون "المعنى ويقسمون بالرب إنهم لمسلمين وما هم بمسلمين ولكنهم ناس ينفصلون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحلفون والمراد يقسمون بالله فيقولون :والله إننا آمنا مثلكم مصداق لقوله بسورة البقرة "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا"ويبين لهم أن المنافقين ليسوا من المؤمنين ولكنهم قوم يفرقون والمراد ولكنهم ناس يختلفون عنكم فى الدين والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون "المعنى لو يلقون مأوى أى مخابىء أى مهربا لذهبوا له وهم يتسابقون،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو يجدون ملجأ أى مأمن وفسره بأنه مغارات أى مخابىء وفسره بأنه مدخل مكان للهرب إليه لولوا إليه وهم يجمحون والمراد لارتحلوا إليه وهم يتسابقون أى يتسارعون فى الرحيل .
"ومنهم من يلمزك فى الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون "المعنى ومنهم من يذمك فى العطايا فإن سلموا منها فرحوا وإن لم يسلموا إذا هم يغضبون،يبين الله لنبيه (ص)أن من المنافقين من يلمزك فى الصدقات والمراد منهم من يذمه بسبب توزيعه العادل للأموال فإن أعطوا منها والمراد فإن سلموا من الأموال بعضا رضوا أى فرحوا بما سلموا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون والمراد وإن لم يسلموا بعضا من الأموال إذا هم يغضبون أى يثورون والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"ولو أنهم رضوا ما أتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا من فضله ورسوله إنا إلى ربنا راغبون "المعنى ولو أنهم قبلوا الذى أعطاهم الرب ونبيه (ص)وقالوا كافينا الرب سيعطينا من رزقه ونبيه (ص)إنا لرحمة إلهنا طالبون ،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقين لو رضوا ما أتاهم الله ورسوله (ص)والمراد لو أخذوا الذى أعطاهم الله أى أعطاهم نبيه (ص)فالله قد حكمه فى توزيع المال وفسر رضاهم بقولهم :حسبنا الله سيؤتينا من فضله ورسوله (ص)والمراد كافينا أى واهبنا هو الله الذى حكم نبيه (ص)فى التوزيع سيعطينا من رحمته والمراد من رزقه ،إنا إلى ربنا راغبون والمراد إنا لرحمة وهى رزق إلهنا قاصدون أى طالبون وهذا يعنى أن يقروا بأن الله هو الرازق وأنهم يرغبون فى رحمته .
"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"المعنى إنما النفقات للعجزة والمحتاجين والجامعين لها والمركبة نفوسهم وفى العبيد والمديونين وفى دين الرب وولد الطريق حكم من الرب والرب خبير قاضى ،يبين الله للمؤمنين أن الصدقات وهى النفقات المسماة الزكاة توزع على كل من :الفقراء وهم العجزة أصحاب العاهات الذين لا يستطيعون ضربا أى سعيا فى الأرض مصداق لقوله بسورة البقرة "للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض ،والمساكين وهم العمال الذين لا يكفيهم العمل نفقات معيشتهم والدليل على عملهم قوله بسورة الكهف"أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر "والعاملين عليها وهم الجامعين للزكاة من الأغنياء الموزعين لها على أصحابها والمؤلفة قلوبهم وهم المركبة نفوسهم أى المجانين وليس الأغنياء لتأليف قلوبهم على الإسلام لأن الله أخبر نبيه (ص)أنه لو أنفق مال الأرض ما ألف القلوب فقال بنفس السورة "لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم "فكيف يعطيهم المال وقد أخبره أنه لا ينفع فى تأليف قلوبهم على الإسلام؟،وفى الرقاب والمراد وفى عتق العبيد رجالا ونساء وفى الغارمين وهم أصحاب الديون الذين لا يستطيعون سدادها وفى سبيل الله وهو نصر دين الله وهو كل وسائل القوة ومنها الدعوة للدين وابن السبيل وهو المسافر الذى ليس له مال يوصله لبلده وهذا التوزيع هو فريضة من الله والمراد حكم واجب من الرب والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب للنبى (ص)وما بعده.
"ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم "المعنى ومنهم الذين يذمون الرسول(ص)ويقولون هو سماعة قل سماعة أنفع لكم يصدق بالله ويصدق للمصدقين ونفع للذين صدقوا منكم والذين يذمون نبى الرب لهم عقاب شديد ،يبين الله للمؤمنين أن من المنافقين الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن والمراد ومنهم الذين يذمون الرسول(ص)فيقولون عنه هو سماعة والمراد سماعة للكلام ويبلغه ولا يترك منه شيئا وهو جنون فهم يذمونه بما هو مدح له وفى أذاهم قال بسورة آل عمران"ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ومن الذين أشركوا أذى كثيرا"ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم أذن خير لكم والمراد سماعة مبلغ للحق أفضل لكم من محرف أو ممتنع عن التبليغ ،يؤمن بالله والمراد يصدق بحكم الله ويؤمن للمؤمنين والمراد ويصدق كلام المصدقين بحكم الله ،ويبين للناس أن النبى (ص)رحمة للذين أمنوا منكم والمراد ونافع للذين صدقوا بحكم الله منكم بما يبلغه وبما يعمله لهم ،ويبين للناس أن الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم والمراد والذين يذمون مبعوث الرب لهم عقاب مهين مصداق لقوله بسورة الأحزاب"إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ".
"يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين "المعنى يقسمون بالرب لكم ليعجبوكم والرب ونبيه (ص)أولى أن يطيعوه إن كانوا مصدقين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحلفون بالله لهم والمراد يقسمون بالرب للمؤمنين والسبب أن يرضوهم أى أن يقبلوهم والمراد أن ينالوا استحسانهم مع أن الحق وهو الواجب أن يرضوا الله ورسوله (ص)والمراد أن يطيعوا حكم الله ونبيه (ص)؟إن كانوا مؤمنين أى إن كانوا صادقين فى زعمهم أنهم مصدقون بوحى الله مصداق لقوله القلم "إن كانوا صادقين " والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزى العظيم "المعنى ألم يعرفوا أنه من يعادى الرب ونبيه (ص)فإن له عذاب الجحيم مقيما فيها ذلك هو الذل الكبير ،يسأل الله ألم يعلموا أنه من يحادد والمراد هل لم يعرفوا أن من يشاقق أى يعصى حكم الله ونبيه (ص)فأن له نار جهنم خالدا فيها والمراد فإن مأواه عذاب النار مقيما فيه؟والغرض من السؤال إخبارنا أن الكفار عرفوا مصير من يحادد الله فى الدنيا ويبين أن ذلك وهو دخول النار هو الخزى العظيم أى العذاب الأليم مصداق لقوله بسورة الحجر"وأن عذابى هو العذاب الأليم "
"يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما فى قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون "المعنى يخاف المذبذبون أن توحى فيهم آيات تخبرهم بالذى فى نفوسهم قل اسخروا إن الرب مظهر الذى تخافون،يبين الله لنبيه (ص)أن المنافقون وهم المذبذبون بين الإسلام والكفر يحذروا أن تنزل عليهم سورة والمراد يخافوا أن توحى فيهم مجموعة آيات تنبئهم بما فى قلوبهم والمراد تخبرهم بالذى فى نفوسهم وهو الأضغان للمؤمنين ويطلب منه أن يقول لهم :استهزءوا أى اسخروا منا أى كذبونا إن الله مخرج ما تحذرون والمراد إن الرب مظهر الذى تخافون ظهوره وهو الأضغان التى كتموها مصداق لقوله بسورة محمد"أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم "وهذا يعنى أن الله أوحى فى المنافقين مجموعة آيات توضح ما فى قلوبهم تجاه المسلمين والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص)ومنه للمنافقين .
"ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون "المعنى ولئن استخبرتهم ليقولن إنما كنا نلهو أى نسخر ،قل هل بالله أى أحكامه أى بحكم مبعوثه كنتم تسخرون ؟يبين الله لنبيه (ص)أنه لو سأل أى استخبر المنافقين لماذا تستهزءون بنا ؟ ليقولن :إنما كنا نخوض أى نتكلم أى نلعب والمراد نضحك أى نسخر فقط ويطلب منه أن يقول لهم فى حالة إجابتهم :أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون والمراد هل بحكم الرب أى أحكامه أى حكم نبيه (ص) تكذبون ؟والغرض من السؤال إخبارهم بحرمة الاستهزاء بحكم الله الذى هو آياته الذى هو حكم نبيه (ص).
"لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا قوما مجرمين "المعنى لا تبرروا قد كذبتم بعد تصديقكم إن نرحم جماعة منكم نعاقب جماعة بأنهم كانوا ناسا كافرين ،يطلب الله على لسان النبى(ص) من المنافقين ألا يعتذروا أى ألا يبرروا فعلهم الاستهزاء بأى مبرر لأنه غير مقبول ،ويقول لهم قد كفرتم بعد إيمانكم والمراد قد كذبتم الحق بعد تصديقكم به أى كما قال بنفس السورة "وكفروا بعد إسلامهم"،إن نعف عن طائفة منكم والمراد إن نتوب على جماعة منكم مصداق لقوله بسورة الأحزاب"ويعذب المنافقين إن شاء
أو يتوب عليهم "وهذا يعنى أنه إن يرحم الجماعة التى تعود للإسلام يعذب طائفة والمراد يعاقب جماعة والسبب أنهم كانوا قوما مجرمين أى كانوا ناسا كافرين بحكم الله حتى ماتوا فلم يعودوا للإسلام .
"المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون"المعنى المذبذبون والمذبذبات بعضهم أنصار بعض يعملون بالشر أى يبعدون عن الخير أى يمسكون أنفسهم ،تركوا حكم الله فعاقبهم إن المذبذبين هم الكافرون،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض والمراد أن المترددين والمترددات بين الإسلام والكفر بعضهم أنصار أى أولياء بعض مصداق لقوله بسورة الجاثية "والظالمين بعضهم أولياء بعض"يأمرون بالمنكر والمراد يعملون بالشر وهو الباطل وفسره هذا بأنهم ينهون عن المعروف والمراد يبتعدون عن عمل العدل وهو الخير أى الحق وفسر هذا بأنهم قبضوا أيديهم أى منعوا أنفسهم من اتباع الحق وفسرهم بأنهم نسوا الله أى تركوا طاعة حكم الله لذا نسيهم الله أى عاقبهم على كفرهم ويبين لنا أن المنافقين هم الفاسقون والمراد أن المذبذبين هم الكافرون بحكم الله والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم "المعنى أخبر الرب المذبذبين والمذبذبات والمكذبين عذاب الجحيم مقيمين فيه هو مأواهم أى عاقبهم الرب أى لهم عقاب مستمر ،يبين الله للمؤمنين أن الله وعد والمراد أخبر المنافقين والمنافقات وهم المذبذبين والمذبذبات بين الكفر والإسلام والكفار وهم المكذبين حكم الله علنا وباطنا نار جهنم خالدين فيها والمراد عذاب السعير مقيمين فيه هى حسبهم والمراد النار مأواهم أى مولاهم مصداق لقوله بسورة الحديد"مأواكم النار هى مولاكم"وفسر هذا بأنهم لعنهم أى غضب عليهم مصداق لقوله بسورة الفتح"وغضب الله عليهم" أى عاقبهم وفسر هذا بأنه لهم عذاب مقيم أى عقاب مستمر لا ينتهى .
"كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذى خاضوا أولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون"المعنى كالذين سبقوكم كانوا أكبر منكم بأسا وأكبر أملاكا وعيالا فتلذذوا بطيباتهم فتلذذتم بطيباتكم كما تلذذ الذين سبقوكم بطيباتهم أى عملتم كالذى عملوا أولئك خسرت أفعالهم فى الأولى والقيامة وأولئك هم المعذبون ،يبين الله للمنافقين والكفار أنهم كالذين من قبلهم أى سبقوهم فى الحياة استمتعوا بخلاقهم أى تلذذوا بطيباتهم فى الدنيا فى أنهم استمتعوا بخلاقهم والمراد فى أنهم تلذذوا بطيباتهم فى الدنيا فأذهبوا طيباتهم فى الآخرة مصداق لقوله بسورة الأحقاف"أذهبتم طيباتكم فى الحياة الدنيا واستمتعتم بها "وفسر هذا بأنهم خاضوا كالذى خاضوا أى فعلوا كالذى فعل السابقون عليهم وهو الكفر لذا حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة والمراد لذا خسرت أى فسدت أفعالهم فى الأولى والقيامة ولذا هم الخاسرون أى المعذبون، وقد كانوا أشد منهم قوة أى أعظم منهم بأسا أى بطشا مصداق لقوله بسورة ق"أشد منهم بطشا"وأكثر أموالا وأولادا والمراد وأكبر أملاكا وعيالا وهذا يعنى أن الدول قبل عهد النبى (ص)كانوا أعظم قوة وأكثر مالا ونفرا من الكفار فى عهده والخطاب للكفار والمنافقين .
"ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "المعنى هل لم يبلغهم خبر الذين سبقوهم ناس نوح(ص)وعاد وثمود وشعب إبراهيم (ص)وأهل مدين وأهل لوط(ص) جاءتهم أنبياؤهم بالآيات فما كان الرب ليبخسهم ولكن كانوا ذواتهم يبخسون ،يسأل الله ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم والمراد هل لم يصل إلى مسامعهم قصص الذين سبقوهم فى الحياة قوم وهم شعب نوح(ص)وعاد وثمود وقوم وهم شعب إبراهيم (ص)وأصحاب وهم سكان مدين والمؤتفكات وهم أهل لوط(ص) أتتهم رسلهم بالبينات والمراد جاءتهم مبعوثوهم بالآيات وهى الكتاب المنير مصداق لقوله بسورة فاطر"جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير "فكفروا كما قال بسورة غافر"كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا"والغرض من السؤال هو إخبار الناس عن طريق تبليغ الوحى قصص الأقوام السابقة وكفرهم وهلاكهم بسبب كفرهم بما أتت به الرسل(ص)ويبين لنا أن الله ما كان ليظلم أى لينقص حقوق الأقوام شيئا ولكن الذى حدث هو أنهم كانوا أنفسهم يظلمون أى أنهم كانوا أنفسهم يهلكون أى يعذبون مصداق لقوله بسورة الأنعام"وإن يهلكون إلا أنفسهم" والخطاب للمؤمنين .
"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم "المعنى والمصدقون والمصدقات بعضهم أنصار بعض يعملون بالعدل أى يبتعدون عن الشر أى يطيعون الدين أى يعملون الحق أى يتبعون الرب ونبيه (ص)أولئك سينفعهم الرب إن الرب قوى قاضى ،يبين الله لنا أن المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض والمراد أن المصدقون والمصدقات بحكم الله بعضهم أنصار بعض يدافعون عن بعضهم يأمرون بالمعرف أى يعملون بالقسط وهو العدل مصداق لقوله بسورة آل عمران "يأمرون بالقسط"وفسر هذا بأنهم ينهون عن المنكر والمراد يبتعدون عن الشر وهو السوء مصداق لقوله بسورة الأعراف "ينهون عن السوء"وفسر هذا بأنهم يقيمون الصلاة أى يطيعون الدين مصداق لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسر هذا بأنهم يؤتون الزكاة أى يعملون العدل وفسر هذا بأنهم يطيعون أى يتبعون حكم الله ورسوله (ص)مصداق لقوله بسورة الأعراف"ويتبعون الرسول "وأولئك سيرحمهم الله والمراد سيدخلهم الله جناته مصداق لقوله بسورة النساء"والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات "إن الله عزيز حكيم أى قوى ناصر لمطيعيه قاضى بالحق .
" وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم "المعنى أخبر الرب المصدقين والمصدقات بحكمه حدائق تسير من تحتها العيون مقيمين فيها أى بيوت حسنة فى حدائق الخلود أى رحمة من الرب أعظم ذلك هو النصر الكبير ،يبين الله لنا أن الله وعد المؤمنين والمؤمنات جنات والمراد أخبر المصدقين والمصدقات لحكمه أن لهم الحسنى وهى الحدائق مصداق لقوله بسورة النساء"وكلا وعد الله الحسنى"وهى تجرى من تحتها الأنهار والمراد وهى تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم خالدين فيها أى "ماكثين فيه أبدا"كما قال بسورة الكهف والمراد عائشين فيها وفسرها بأنها مساكن طيبة فى جنات عدن والمراد بيوت حسنة فى حدائق الخلود وفسرها بأنها رضوان من الله أكبر والمراد رحمة من الله أعظم أى أبقى مصداق لقوله بسورة القصص "وما عند ربك خير وأبقى" وذلك وهو دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير "والخطاب وما قبله للناس.
"يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير"المعنى يا أيها الرسول قاتل المكذبين والمذبذبين واشدد عليهم ومقامهم النار وساء المقام ،يخاطب الله النبى وهو محمد(ص)فيقول جاهد أى فقاتل فى سبيل الله كما قال بسورة النساء أى حارب الكفار وهم المكذبين بحكم الله والمنافقين وهم المذبذبين بين الإسلام والكفر واغلظ عليهم أى واشدد عليهم والمراد كما قال بنفس السورة "فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان"ومأواهم جهنم أى "ومأواهم النار"كما قال بسورة آل عمران والمراد ومقرهم وهو مقامهم النار وبئس المصير أى وساء أى وقبح المقام مصداق لقوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما" والخطاب للنبى(ص).
"يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما فى الدنيا والآخرة وما لهم فى الأرض من ولى ولا نصير "المعنى يقسمون بالرب ما تحدثوا ولقد تحدثوا بحكم التكذيب أى كذبوا بعد إيمانهم وأرادوا الذى لم يقدروا عليه وما غضبوا إلا أن أكثرهم الرب ونبيه (ص)من رزقه فإن يستغفروا يك أنفع لهم وإن يكفروا يعاقبهم الرب عقابا مهينا فى الأولى والقيامة وما لهم فى البلاد من واق أى منقذ ،يبين الله لنا أن المنافقين يحلفون بالله ما قالوا والمراد يقسموا بالله ما تحدثوا بحديث الكفر بحكم الله فيقولون والله ما كفرنا فى حديثنا وهم قد قالوا لكلمة الكفر والمراد قد تحدثوا حديث التكذيب بحكم الله وفسر الله هذا بأنهم كفروا بعد إسلامهم والمراد كذبوا بعد إيمانهم مصداق لقوله بنفس السورة "قد كفرتم بعد إيمانكم " وقد هم المنافقون بما لم ينالوا والمراد وقد أراد المنافقون الذى لم يقدروا على عمله وهو القضاء على المسلمين ،وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله والمراد وما كفروا إلا أن أعطاهم الرب ونبيه من رزقه الوفير وهذا يعنى أن سبب حقدهم وهو كفرهم هو كثرة عطايا النبى (ص)لهم المال بأمر من الله ويبين للمؤمنين أن المنافقين إن يتوبوا أى يرجعوا لإسلامهم يك خير لهم والمراد يصبح إسلامهم أنفع لهم فى الأجر وإن يتولوا يعذبهم عذابا أليما فى الدنيا والآخرة والمراد وإن يكفروا يعاقبهم عقابا مهينا فى الأولى هو قتلهم وأخذ مالهم وفى القيامة وهو دخولهم النار وما لهم فى الأرض من ولى ولا نصير والمراد وليس لهم فى البلاد منقذ أى واقى من العذاب مهما كانت قوته والخطاب للناس.
"ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "المعنى ومنهم من واثق الرب لئن أعطانا من رزقه لننفقن و لنصبحن من المحسنين فلما أعطاهم من رزقه منعوه وخالفوا وهم مكذبون فأوجد فيهم مرضا فى نفوسهم إلى يوم يقابلونه بالذى نقضوا الرب الذى واثقوه وبالذى كانوا يكفرون ،يبين الله للمؤمنين أن من المنافقين من عاهد الله والمراد من واثق أى من قال لله:لئن أتيتنا من فضلك لنصدقن ولنكونن من الصالحين والمراد لئن أعطيتنا من رزقك لنفيدن منه الآخرين ولنصبحن من المحسنين وهم الطائعين لك أى "لنكونن من الشاكرين"كما قال بسورة الأنعام وهذا هى عبادة الله على حرف أى شرط وهى غير نافعة ،فلما أتاهم الله من فضله والمراد فلما أعطاهم الرب من رزقه الكثير بخلوا به أى منعوا عونه عن الناس مصداق لقوله بسورة الماعون"ويمنعون الماعون" وتولوا وهم معرضون والمراد وخالفوا حكم الله وهم مكذبون به وهو هنا حكم الصدقات لذا أعقبهم الله نفاق فى قلوبهم أى زادهم الرب مرضا فى نفوسهم مصداق لقوله بسورة البقرة "فزادهم الله مرضا"والمراد وضع فى نفوسهم حب النفاق إلى يوم يلقونه والمراد إلى يوم يدخلون عقابه والسبب ما أخلفوا الله ما وعدوه والمراد الذى خالفوا الرب الذى أخبروه وهو التصدق والصلاح وبما كانوا يكذبون أى وبالذى كانوا يكفرون مصداق لقوله بسورة يونس"بما كانوا يكفرون "والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب "المعنى هل لم يعرفوا أن الرب يعرف خفيهم وحديثهم وأن الرب عراف المجهولات،يسأل الله ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم والمراد هل لم يعرف المنافقون أن الرب يعرف نيتهم وحديثهم الخافت وأن الله علام الغيوب والمراد وان الرب عارف المجهولات؟والغرض من السؤال إخبارنا أن المنافقين عرفوا علم الله بكل شىء ومع هذا تعمدوا تناسى هذا وفعلوا ما فعلوا.
"الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم "المعنى الذين يذمون المتبرعين من المصدقين بالنفقات والذين لا يلقون إلا عملهم أى يستهزءون بهم استهزىء الرب بهم أى لهم عقاب مهين ،يبين الله للنبى(ص) أن المنافقين هم الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم والمراد هم الذين يذمون أى يعيبون على المتبرعين من المصدقين بحكم الله بالأموال للجهاد ويعيبون على الذين لا يلقون سوى عملهم بأنفسهم دون دفع مال لحاجتهم وفسر الله يلمزون بأنهم يسخرون منهم أى يستهزءون أى يضحكون عليهم مصداق لقوله بسورة المطففين"إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون"فلا هم يعجبهم الدافع أو الذى لا يدفع والله سخر منهم أى استهزى بالمنافقين أى عاقبهم وفسر هذا بأن لهم عذاب أليم أى عقاب مهين مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولهم عذاب مهين"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"استغفر لهم أولا تستغفر إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين "المعنى استعفى لهم أو لا تستعفى يا محمد إن تستعفى لهم سبعين مرة فلن يرحمهم الرب السبب أنهم كذبوا بحكم الرب ونبيه (ص)والرب لا يرحم الناس الكافرين ،ييبن الله لنبيه (ص)أنه إن يستغفر للمنافقين أو لا يستغفر لهم والمراد إن يطلب ترك عقاب الله للمنافقين أو لا يطلب ترك العقاب فالله لن يغفر لهم أى لن يترك عقابهم حتى ولو استغفر سبعين مرة والمراد حتى ولو طلب ترك العقاب منه سبعين والعدد هنا ليس للتحديد وإنما رمز للكثرة مهما كانت ،ذلك وهو السبب فى عدم رحمتهم وهو ترك عقابهم هو أنهم كفروا بالله ورسوله (ص) والمراد أنهم كذبوا حكم الرب ونبيه (ص)والله لا يهدى القوم الفاسقين والمراد والرب لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بنفس السورة "والله لا يهدى القوم الكافرين "وقوله بسورة آل عمران " فإن الله لا يحب الكافرين".
"فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون " المعنى سر القاعدون ببقائهم وراء نبى الله(ص)وبغضوا أن يقاتلوا بأملاكهم وذواتهم لنصر الرب وقالوا لا تخرجوا فى القيظ قل لهب النار أعظم حرارة لو كانوا يفهمون ،يبين الله للمؤمنين أن المخلفون فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله (ص)والمراد أن القاعدون عن الجهاد سروا ببقائهم فى المدينة وراء نبى الله (ص)والسبب أنهم قد كرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والمراد أنهم قد مقتوا أن يقاتلوا بأملاكهم وحياتهم فى سبيل الله أى فى نصر دين الله وقالوا لبعضهم البعض:لا تنفروا فى الحر والمراد لا تخرجوا للجهاد وقت القيظ وهو الحرارة الشديدة ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون والمراد لهب الجحيم أعظم حرارة من حرارة الدنيا لو كانوا يفهمون الحق فيتبعونه والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون "المعنى فليفرحوا قصيرا وليحزنوا طويلا عقابا على الذى كانوا يعملون ،يبين الله لنا أن على المنافقين أن يضحكوا قليلا والمراد أن يفرحوا وقتا قصيرا هو وقت الدنيا لأنهم سيبكون كثيرا أى سيحزنون طويلا أى دائما فى النار جزاء بما كانوا يكسبون أى عقابا على الذى كانوا يعملون وهو الكفر مصداق لقوله بسورة الواقعة "جزاء بما كانوا يعملون ".
"فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستئذنوك للخروج قل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين "المعنى فإن أعادك الرب إلى جمع منهم فاستسمحوك للذهاب معك قل لن تذهبوا معى ولن تحاربوا معى كارها إنكم قبلتم بالبقاء أسبق مرة فأقيموا مع القاعدين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه إن رجعه لطائفة منهم والمراد إن أعاده لبيوت جماعة من المنافقين لسبب ما فاستئذنوك للخروج والمراد فطلبوا منك السماح لهم بالذهاب للحرب معك فعليه أن يقول لهم لن تخرجوا معى أبدا والمراد لن تذهبوا معى إطلاقا وفسر هذا بقوله ولن تقاتلوا معى عدوا أى ولن تحاربوا معى كارها للمسلمين وهذا يعنى أن الله قد قدر أن لن يذهب منافق للحرب مع المسلمين والسبب فى منعهم من الخروج للجهاد:إنكم رضيتم بالقعود أول مرة والمراد أنكم قبلتم بالبقاء فى البلدة فى المرة السابقة التى طلبت منكم فيها الخروج فاقعدوا مع الخالفين أى فأقيموا مع القاعدين أى الباقين فى البلدة مصداق لقوله بنفس السورة "فاقعدوا مع القاعدين ".
"ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون "المعنى ولا تصل على واحد توفى منهم دوما ولا تقف عند مدفنه إنهم كذبوا بالرب ونبيه(ص)وتوفوا وهم كافرون ،يطلب الله من نبيه (ص)ألا يصل على أحد من المنافقين مات أبدا والمراد ألا يصلى صلاة الجنازة على أى واحد توفى من المنافقين فى حياته دائما وألا يقم على قبره والمراد وألا يقف عند مدفن المنافق عند الدفن فترة وهذا يعنى وجوب صلاة الجنازة والوقوف عند قبر المسلم مدة فقط والسبب فى الصلاة على المنافقين وعد القيام عند قبورهم أنهم كفروا أى كذبوا الله ورسوله "(ص)كما قال بنفس السورة والمراد جحدوا حكم الرب ونبيه (ص)وماتوا وهم فاسقون أى وتوفوا وهم كافرون مصداق لقوله بنفس السورة "وتزهق أنفسهم وهم كافرون "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
تفسير سورة التوبة
"ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد أن يعذبهم بها فى الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون "المعنى ولا تغرك أملاكهم وعيالهم إنما يحب أن يعاقبهم بها فى الأولى وتخرج ذواتهم وهم مكذبون ،يطلب الله من نبيه (ص)ألا تعجبه أموال وأولاد المنافقين والمراد ألا تخدعه كثرة أملاك المنافقين وكثرة عيالهم والسبب هو أن الله يريد أن يعذبهم بها فى الدنيا أى أن الرب يحب أن يعاقبهم بها فى الأولى فالمال عقابه هو تضييعه والأولاد عقاب المنافقين فيهم إما إسلام الأولاد أو إصابتهم بالمرض وغيره وهو يريد أن تزهق أنفسهم وهم كافرون أى والمراد يريد أن تنتقل أنفسهم من الدنيا للبرزخ وهم مكذبون بحكم الله حتى يدخلهم النار.
"وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استئذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا أن يكونوا من الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون "المعنى وإذ أوحيت آيات أن صدقوا بالرب وقاتلوا مع نبيه (ص)استسمحك أصحاب الغنى منهم وقالوا اتركنا نقيم مع المقيمين ،قبلوا أن يصبحوا من القاعدين أى ختم على عقولهم فهم لا يطيعون حكم الله ،يبين الله للمؤمنين أن إذا أنزلت سورة والمراد إذا أوحى قول يقول:أمنوا بالله والمراد صدقوا بحكم الرب وجاهدوا مع رسوله (ص)والمراد وقاتلوا مع نبيه (ص)مصداق لقوله بسورة محمد"وإذ أنزلت سورة محكمة ذكر فيها القتال"كان رد فعل المنافقين هو أن يستئذن أولوا الطول منهم والمراد أن يطلب السماح بالقعود أهل الغنى منهم حيث قالوا :ذرنا نكن مع القاعدين والمراد اتركنا نقيم مع المقيمين فى المدينة وهم بهذا رضوا أن يكونوا من الخوالف والمراد أحبوا أن يصبحوا من القاعدين وفسر الله هذا بأنه طبع أى ختم على قلوبهم وهى نفوسهم مصداق لقوله بسورة البقرة "ختم الله على قلوبهم"فهم لا يفقهون أى فهم لا يعلمون كما قال بسورة التوبة "وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون"والمراد فهم لا يطيعون حكم الله فالله شاء عدم فقههم لأنهم شاءوا عدم طاعتهم للسورة مصداق لقوله بسورة الإنسان"وما تشاءون إلا أن يشاء الله" والخطاب للنبى(ص).
"لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم "المعنى لكن النبى (ص)والذين صدقوا معه قاتلوا بأملاكهم وحياتهم أولئك لهم الرحمات أى أولئك هم الفائزون جهز الرب لهم حدائق تسير من أسفلها العيون مقيمين فيها ذلك النصر الكبير ،يبين الله لنا أن الرسول وهو محمد(ص)والذين آمنوا معه وهم الذين صدقوا بحكم الله معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم والمراد حاربوا بأملاكهم وحياتهم لنصر دين الله أولئك لهم الخيرات وهى الرحمات وهى الجنات وهى الأمن مصداق لقوله بسورة الأنعام"أولئك لهم الأمن"وفسر هذا بأنهم هم المفلحون أى الفائزون كما قال بسورة التوبة "أولئك هم الفائزون "وفسر هذا بأن الله أعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد جهز لهم حدائق تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أى مقيمين فيها دوما ذلك وهو دخول الجنة الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"وجاء المعذورون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم "المعنى وأتى العاجزون من الأعراب ليسمح لهم وتخلف الذين كفروا بالرب ونبيه(ص)سيمس الذين كذبوا منهم عقاب موجع ،يبين الله لنا أن المعذورين وهم أصحاب الأعذار وهم العاجزون عن الحركة من الأعراب جاءوا ليؤذن لهم والمراد أتوا ليسمح لهم بالذهاب للجهاد مع أنهم ليسوا مسموح لهم بالجهاد لعجزهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله والمراد وتخلف عن الجهاد الذين كفروا بحكم الرب ونبيه (ص)،سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم والمراد سينزل بالذين كذبوا أى سيدخل الذين أجرموا منهم عقاب شديد مصداق لقوله بسورة الأنعام"سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد"والخطاب وما قبله للناس.
"ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم "المعنى ليس على العجزة ولا على العليلين ولا على الذين لا يلقون ما يدفعون عقاب إذا أخلصوا للرب ونبيه (ص)ليس على المطيعين من عقاب والرب عفو نافع ،يبين الله لنا أن ليس حرج والمراد لا يوجد عقاب على كل من:الضعفاء وهم العاجزين عن الحركة والمرضى وهم المصابين بعلل تؤلمهم والذين لا يجدون ما ينفقون وهم الذين لا يلقون مالا يدفعونه للجهاد أو ليذهبوا به للجهاد إذا لم يذهبوا للجهاد بشرط أن ينصحوا لله ورسوله (ص) والمراد بشرط أن يطيعوا حكم الرب ونبيه (ص)،وفسر هذا بأن ما على المحسنين من سبيل والمراد أن ليس على المطيعين لحكم الله من عقاب والله غفور رحيم والمراد والرب نافع مفيد للمحسنين والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون "المعنى وليس على الذين جاءوك لتركبهم عقاب قلت لا ألقى ما أركبكم عليه انصرفوا وأنظارهم تنزل من الدموع غما ألا يلقوا ما يعملون فى الجهاد،يبين الله لنبيه (ص)أن الحرج وهو العقاب ليس على الذين أتوه ليحملهم وهم الذين جاءوه ليركبهم أى ليجد لهم دواب يركبون عليها للسفر للجهاد قلت لهم :لا أجد ما أحملكم عليه والمراد لا ألقى ما أركبكم عليه وهذا يعنى أن دواب السفر كانت أقل من عدد من يريدون الذهاب للجهاد فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع والمراد فانصرفوا من المكان وأنظارهم تنزل من الدموع والسبب حزنا ألا يجدوا ما ينفقون والمراد غما ألا يلقوا الذى يعملون من أجل الجهاد أى الذين لا يلقون الذى يشاركون به فى الجهاد.
"إنما السبيل على الذين يستئذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون "المعنى إنما العقاب للذين يستسمحوك وهم أقوياء قبلوا بأن يصبحوا من القاعدين أى ختم الرب على نفوسهم فهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبيل وهو العقاب على الذين يستئذنونه وهم أغنياء والمراد الذين يطلبون منه السماح لهم بالقعود وهم قادرين على الجهاد ،رضوا بأن يكونوا مع الخوالف والمراد أحبوا بأن يصبحوا من القاعدين فى المدينة وفسر هذا بأنه طبع على قلوبهم فهم لا يعلمون والمراد ختم على عقولهم فهم لا يفقهون أى لا يعقلون مصداق لقوله بسورة البقرة "ختم الله على قلوبهم "وقوله بسورة التوبة "وطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون "وهذا يعنى أنهم كفروا بقعودهم عن الجهاد فشاء الله فى نفس الوقت الطبع على قلوبهم والخطاب للنبى(ص).
"يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون "المعنى يتبررون لكم إذا عدتم لهم قل لا تتبرروا قد عرفنا الرب من حكاياتكم وسيعرف الرب فعلكم ونبيه (ص)ثم تعودون لعارف المجهول والظاهر فيخبركم بالذى كنتم تفعلون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين الأغنياء يعتذرون لهم أى يتبررون أمامهم إذا رجعوا إليهم أى إذا عادوا إليهم فى المدينة والمراد يقولون لهم أسباب واهية ليرضوهم ،ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم :لا تعتذروا أى لا تتبرروا والمراد لا تقولوا لنا كذبكم ،قد نبأنا الله من أخباركم والمراد قد عرفنا الله من حكاياتكم وهذا يعنى أن الله أنزل وحى أخبر فيه المسلمين بما فعله الأغنياء فى غيابهم وهو وحى محاه الله من القرآن ،وسيرى الله عملكم ورسوله (ص)والمراد وسيعرف الرب فعلكم ونبيه(ص)سيعرف فعلكم من خلال وحى الله ،ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة والمراد ثم ترجعون إلى عارف السر والمعلن فينبئكم بما كنتم تعملون والمراد فيخبركم بالذى كنتم تفعلون من خلال تسليم الكتب المنشرة لكم والخطاب للمؤمنين ثم للنبى(ص).
"سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون "المعنى سيقسمون بالرب لكم إذا عدتم لهم لتتولوا عنهم فتولوا عنهم إنهم نجس ومقامهم النار عقابا بالذى كانوا يصنعون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين سيحلفون بالله لهم والمراد سيقسمون بالرب لهم إذا انقلبوا إليهم والمراد إذا عادوا للمدينة والسبب فى قسمهم بالله على مبرراتهم هو أن تعرضوا عنهم والمراد أن تتركوهم بلا عقاب فأعرضوا عنهم والمراد فاتركوهم بلا عقاب حتى ينزل عقاب الله لتنفذوه عليهم والسبب أنهم رجس أى نجاسة أى أذى ومأواهم جهنم والمراد ومقامهم النار مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومأواهم النار"بما كانوا يكسبون والمراد بالذى كانوا يعملون مصداق لقوله بسورة الواقعة "بما كانوا يعملون"من الكفر والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين "المعنى يقسمون لكم لتقبلوهم فإنهم تقبلوهم فإن الرب لا يقبل من الناس الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحلفون لهم أى يقسمون لهم بالله على مبرراتهم الواهية والسبب أن يرضوا عنهم أى أن يقبلوا مبرراتهم ،ويبين لهم أنهم إن رضوا منهم أى قبلوا منهم المبررات الواهية فالله لا يرضى عن القوم الفاسقين والمراد فالرب لا يقبل من الناس الكافرين أى لا يحب الناس الظالمين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله لا يحب الظالمين ".
"الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم "المعنى من البدو جماعة أعظم تكذيبا أى مرضا وأحق ألا يعرفوا أحكام الذى أوحى الرب إلى نبيه (ص)والرب خبير قاضى ،يبين الله للمؤمنين أن من الأعراب وهم البدو حول المدينة جماعة أشد كفرا ونفاقا والمراد أعظم تكذيب لحكم الله أى مرضا وهو التكذيب نفسه ومن ثم فالأجدر وهو الواجب هو ألا يعلموا حدود ما أنزل الله والمراد ألا يعرفوا أحكام الذى أوحى الرب إلى نبيه (ص)وهذا معناه ألا يبلغوهم بالوحى لأنهم سواء بلغوا أم لم يبلغوا لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة البقرة "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون"وهذا توفير لجهد المؤمنين فى الدعوة والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم "المعنى ومن البدو من يجعل ما يدفع عبء وينتظر بكم الأضرار لهم جزاء الأذى والرب خبير محيط ،يبين الله للمؤمنين أن من الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما والمراد من يعتبر ما يدفع من مال الصدقة عبء أى ثقل أى أذى له ليس واجبا عليه ويتربص بكم الدوائر والمراد وينتظر أن تحل بكم الأضرار ،عليهم دائرة السوء والمراد لهم عقاب الكفر والله سميع عليم والمراد والرب خبير محيط بكل أمر .
"ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا أنها قربة لهم سيدخلهم الله فى رحمته إن الله غفور رحيم "المعنى ومن البدو من يصدق بحكم الرب ويوم القيامة ويحتسب الذى يدفع حسنات لدى الرب ودعوات النبى (ص)ألا أنها مستجابة لهم سيسكنهم الرب فى جنته إن الرب نافع مفيد ،يبين الله للمؤمنين أن من الأعراب وهم البدو من يؤمن بالله والمراد من يصدق بحكم الرب واليوم الآخر وهو يوم البعث ويتخذ ما ينفق قربات عند الله والمراد ويعتبر الذى يدفع من مال حسنات لدى الرب فى كتابه المنشر وصلوات وهى دعوات الرسول (ص)لهم وهى استغفاراته لهم هى قربة لهم أى هى مستجابة عند الله لهم لأنهم مؤمنون يستحقون الغفران،سيدخلهم الله فى رحمته والمراد سيسكنهم الرب فى جنته مصداق لقوله بسورة الحج"إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات"إن الله غفور رحيم والمراد إن الرب نافع مفيد لمن يستغفره.
"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم"المعنى والمسارعون السابقون من المنتقلين والمؤيدين والذين تلوهم ببر قبل الله منهم وقبلوا منه وجهز لهم حدائق تسير من أسفلها العيون مقيمين بها دوما ذلك النصر الكبير ،يبين الله للناس أن السابقون الأولون وهم المسارعون السابقون للإسلام من المهاجرين وهم المنتقلين من بلدهم للمدينة والأنصار وهم أهل المدينة المؤيدين للنبى (ص)والذين اتبعوهم بإحسان وهم الذين أتوا من بعدهم بإسلام أى ببر رضى الله عنهم والمراد قبل الرب منهم إسلامهم مصداق لقوله بسورة آل عمران "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" ورضوا عنه والمراد وقبلوا منه نصره لهم فى الدنيا والآخرة وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار والراد جهز لهم حدائق تسير من أسفل مستوى أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أبدا والمراد"ماكثين فيها أبدا"كما قال بسورة الكهف والمراد مقيمين فيها دوما ذلك وهو دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير "والخطاب للناس.
"وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم "المعنى ومن الذين فى محيطكم من البدو مذبذبون ومن سكان البلدة استمروا فى الكفر لا تعرفهم نحن نعرفهم سنعاقبهم مرتين ثم يذهبون إلى عقاب كبير ،يبين الله للنبى(ص) أن ممن حولهم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة والمراد أن من الذين فى محيط بلدتهم من البدو ومن أهل المدينة وهم سكان يثرب مذبذبون بين الإسلام والكفر وهذا يعنى وجود منافقين داخل المدينة ومنافقين خارج المدينة والكل مردوا على النفاق أى استمروا فى المرض وهو الكفر الخفى والنبى (ص)لا يعلمهم أى لا يعرف بأشخاصهم والله يعلمهم أى يعرفهم واحدا واحدا ،ويبين له أنه سيعاقبهم مرتين والمراد سيذلهم مرتين فى الدنيا قبل الموت ثم يردون إلى عذاب عظيم والمراد ثم يدخلون بعد الموت فى عقاب شديد والخطاب فى أوله للمؤمنين ثم للنبى(ص) وما بعده له .
"وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم "المعنى وآخرون أقروا بسيئاتهم مزجوا فعلا حسنا وأخر باطلا عسى الرب أن يغفر لهم إن الرب عفو نافع لهم ،يبين الله لنبيه (ص)من المنافقين آخرين اعترفوا بذنوبهم والمراد أقروا بسيئاتهم أى شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين فاعترفوا أنهم خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا والمراد عملوا فعلا حسنا هو الإسلام وفعلا باطلا هو الباطل وتابوا من الباطل فعسى الله أن يتوب عليهم أى يغفر لهم أى يرحمهم والله غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يتوب إليه .
"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم "المعنى اقبض من أملاكهم نفقة تزكيهم أى تقبلهم بها وادعوا لهم إن دعوتك راحة لهم والرب خبير محيط ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يأخذ من أموالهم المعترفين صدقة والمراد أن يقبل من أملاكهم نفقة مالية والسبب تطهرهم وفسرها بأنها تزكيهم بها أى تقبلهم بها إخوان للمسلمين ويطلب منه أن يصل عليهم والمراد أن يستغفر لهم الله والسبب أن صلاته سكن لهم أى أن دعوته راحة لهم والمراد رحمة لهم تطمئن بها قلوبهم على قبولهم فى زمرة المسلمين والله سميع عليم أى والرب خبير محيط بكل شىء والخطاب للنبى(ص).
"ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة من عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم "المعنى هل لم يعرفوا أن الرب يرضى العودة له من خلقه ويقبل النفقات وأن الرب هو الغفور النافع ؟يسأل الله :ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة من عباده والمراد هل لم يعرفوا أن الرب يرضى العودة لإسلامه من خلقه ويأخذ الصدقات والمراد ويقبل النفقات وأن الله هو التواب الرحيم والمراد وأن الرب هو الغفور النافع للتائبين ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المنافقين وغيرهم عرفوا أن الله يقبل عودة التائب لدينه ويقبل الصدقات دون واسطة أو شفيع والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون "المعنى وقل افعلوا فسيعرف الرب فعلكم ونبيه (ص)والمصدقون وسترجعون لعارف السر والمعلن فيخبركم بالذى كنتم تفعلون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمنافقين وغيرهم اعملوا أى" افعلوا ما شئتم "كما قال بسورة فصلت"اعملوا ما شئتم"فسيرى الله عملكم ورسوله (ص)والمؤمنون والمراد فسيعرف أى فسيشهد الرب فعلكم ونبيه (ص)والمصدقون بحكمه مصداق لقوله بسورة البقرة "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"وهذا يعنى علم الله بكل العمل ظاهره وخفيه والنبى (ص) والمؤمنون بظاهر العمل وما يعلن الله لهم فى وحيه من عمل الناس الخفى ،وستردون إلى عالم الغيب والشهادة والمراد وسترجعون إلى جزاء عارف المجهول وهو الخفى والظاهر فينبئكم بما كنتم تعملون والمراد فيبين لكم الذى كنتم تفعلون مصداق لقوله بسورة النحل" وليبينن لكم يوم القيامة ".
"وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم "المعنى وآخرون منتظرون لحكم الرب إما يعاقبهم وإما يغفر لهم والرب عارف قاضى ،يبين الله لنبيه (ص)أن من المنافقين آخرون مرجون لأمر الله أى منتظرون لحكم الرب فيهم إما يعذبهم أى يعاقبهم إن استمروا فى نفاقهم حتى الموت وإما يتوب عليهم أى وإما يغفر لهم أى يرحمهم إن عادوا للإسلام والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون "المعنى والذين بنوا مصلى أذى و تكذيبا وإيقاعا بين المصدقين وتجميعا لمن عادى الرب ونبيه (ص)من قبل وليقسمن إن شئنا إلا النفع والرب يحكم أنهم لمفترون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا والمراد أن الذين شيدوا مصلى أذى للمسلمين وتكذيبا بحكم الله وتفريقا بين المؤمنين والمراد وإيقاعا للانقسام بين المصدقين بحكم الله وإرصادا لمن حارب الله ورسوله والمراد وتجميعا لمن قاتل الرب ونبيه (ص)من قبل إعلانهم الإسلام حتى يكونوا يدا واحدة على إضرار المسلمين يشهد الله أنهم لكاذبون والمراد يحكم الرب أنهم مفترون أى لا يقولون الحقيقة فى حلفهم وهو قسمهم والله إن أردنا به إلا الحسنى والمراد والرب ما شئنا بتشييد المصلى إلا الخير .
"لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "المعنى لا تدخل فيه دوما لمصلى شيد على الخير من أسبق يوم أولى أن تبقى فيه ،فيه ذكور يريدون أن يتزكوا والرب يرحم المتزكين ،يطلب الله من نبيه (ص)ألا يقم فى مسجد الضرار أبدا والمراد ألا يصلى فى مسجد الضرار دوما وهذا يعنى أن يمتنع عن دخوله ،ويبين له أن المسجد الذى أسس على التقوى والمراد أن المصلى الذى شيد على الخير للمسلمين من أول يوم أحق أن يقوم فيه أى والمراد أولى أن يبقى فيه للصلاة والسبب أن فيه رجال يحبون أن يتطهروا والمراد أنه يدخله ذكور يريدون أن يتزكوا أى يرحموا من قبل الله والله يحب المطهرين والمراد والرب يرحم المتزكين وهم طلاب الرحمة أى طلاب التقدم وهو الخير.
"أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به فى نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى هل من قامت قواعده على خوف من الرب وطلب رحمته أفضل أم من قامت قواعده على أساس كفر واهى فوقع بأصحابه فى عذاب النار والرب لا يرحم الناس الكافرين ،يسأل الله المؤمنين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه والمراد هل من شيدت قواعده على خوف من عذاب الله وطلب رضاه وهو رحمته خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار والمراد أفضل أم من شيدت قواعده على أساس كفر مهزوم فانهار به فى نار جهنم والمراد فدخل الكفر بأصحابه فى عذاب النار؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن مسجد التقوى أحسن من مسجد الضرار ،والله لا يهدى القوم الظالمين أى والرب لا يرحم الناس الكافرين مصداق لقوله بنفس السورة "والله لا يهدى القوم الكافرين ".
"لا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة فى قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم "المعنى لا يفتأ مسجدهم الذى شيدوا تكذيب فى نفوسهم إلى أن تزهق أنفسهم والرب خبير قاضى ،يبين الله لنبيه(ص)أن بنيان وهو مسجد المنافقين لا يزال ريبة فى قلوبهم أى لا يفتأ كفر فى أنفسهم وهذا يعنى أنه يستمر فى أنفسهم تكذيب لحكم الله إلا أن تقطع قلوبهم والمراد إلى أن تزهق أى تموت أنفسهم وهى الساعة التى يؤمن فيها كل كافر عندما يرى العذاب والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق .
"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك الفوز العظيم "المعنى إن الرب أخذ من المصدقين ذواتهم وأملاكهم مقابل الحديقة يحاربون فى نصر دين الرب فيذبحون ويذبحون حكما عليه صدقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أتم بوعده من الرب فافرحوا بجنتكم الذى قايضتم بها وذلك هو النصر الكبير ،يبين الله للنبى(ص) أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم والمراد إن الله قبل من المصدقين بحكمه حياة ذواتهم وأملاكهم مقابل أن يدخلهم الجنة وهى الحديقة وهم يقاتلون فى سبيل الله والمراد وهم يجاهدون لنصر حكم الله فيقتلون أى فيذبحون الكفار ويقتلون أى ويذبحون من قبل الكفار وهذا وعد عليه حق والمراد وهذا قول منه واقع أى صادق موجود فى التوراة والإنجيل والقرآن،ويسأل ومن أوفى بعهده من الله والمراد ومن أتم لقوله من الرب ؟والغرض إخبارنا أن الرب هو أفضل من يفى بالعهد ويطلب من المؤمنين أن يستبشروا ببيعهم الذى بايعوا به والمراد أن يفرحوا بجنتهم التى قايضوا بها حياتهم ومالهم فى الدنيا وذلك وهو دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز العظيم "والخطاب فى معظم القول للنبى(ص) حتى بعهده من الله ثم للمؤمنين.
"التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر والحافظون حدود الله وبشر المؤمنين"المعنى العائدون المطيعون الشاكرون المتبعون المطيعون المتبعون العاملون بالعدل المبتعدون عن الباطل أى المطيعون أحكام الله وأفرح المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمنين هم التائبون وهم العائدون للإسلام كلما أذنبوا وهم العابدون أى المطيعون لحكم الله الحامدون أى المطيعون حكم الله السائحون وهم المتبعون حكم الله الراكعون وهم المطيعون حكم الله الساجدون وهم المطيعون حكم الله الآمرون بالمعروف وهم العاملون بالإسلام الناهون عن المنكر وهم المبتعدون عن طاعة الباطل والحافظون لحدود الله وهم المطيعون لأحكام الرب ويطلب منه أن يبشر المؤمنين أى أن يخبر المصدقين "بأن لهم من الله فضلا كبيرا"كما قال بسورة الأحزاب والخطاب للنبى(ص).
"ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم "المعنى ما يحق للرسول(ص)والذين صدقوا أن يستعفوا للكافرين ولو كانوا أصحاب قرابة من بعد الذى ظهر لهم أنهم سكان النار ،يبين الله للناس أن ما كان للنبى(ص) والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين والمراد لا يحق للرسول(ص)والذين صدقوا حكم الله أن يستعفوا والمراد أن يطلبوا الرحمة وهى الجنة للكافرين ولو كانوا أولى قربى والمراد حتى ولو كانوا أهل قرابة كالأب والأم والابن والسبب أنه قد تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم والمراد أنه ظهر لهم فى الوحى أن الكافرين هم سكان النار مصداق لقوله بسورة البقرة "فأولئك أصحاب النار ".
"وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لآواه حليم "المعنى وما كان استعفاء إبراهيم(ص)لوالده إلا بسبب قولة قالها له فلما ظهر له أنه كاره لله اعتزله إن إبراهيم(ص)عواد عاقل ،يبين الله للناس أن استغفار إبراهيم (ص)لأبيه وهو استعفاء أى طلب إبراهيم (ص)الرحمة لوالده كان سببه موعدة وعدها إياها أى قولة قالها له ووجب تحقيقها عليه وهى قوله بسورة مريم"سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا"فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه والمراد فلما ظهر لإبراهيم(ص)أن والده كاره لدين الله اعتزله أى فارقه وإبراهيم (ص)أواه حليم أى رشيد عاقل والخطاب وما قبله وما بعده وما بعده للناس.
"وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شىء عليم "المعنى ولا يحق لله أن يعاقب ناسا بعد أن نفعهم حتى يوضح لهم الذى يعملون إن الرب بكل أمر خبير ،يبين الله للناس أن ما كان لله ليضل قوما بعد إذ هداهم والمراد لا يحق لله أن يعاقب ناسا بعد أن نفعهم حتى يبين لهم ما يتقون أى حتى يوضح لهم ما يعملون من الحق وهذا يعنى أن الله لا يغير معاملته لقوم حتى ينزل الوحى فإن كذبوا غير معاملته لهم مصداق لقوله بسورة الأنفال "ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "والله بكل شىء عليم والمراد والرب بكل أمر خبير .
"إن الله له ملك السموات والأرض يحيى ويميت وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير "المعنى إن الرب له حكم السموات والأرض يخلق ويهلك وما لكم من سوى الرب من منقذ ولا واق ،يبين الله للناس أن الله له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة آل عمران،وهو يحيى أى يخلق الخلق ويميت أى ويهلك الخلق أى ينقلهم من حياة لحياة أخرى ،وما لكم من دون الله من ولى أى نصير والمراد ليس لكم من سوى الله من منقذ أى واقى من عذاب الله مصداق لقوله بسورة الرعد"ما لك من الله من ولى ولا واق".
" لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم"المعنى لقد غفر الرب للرسول(ص)والمنتقلين والمؤيدين الذين أطاعوه فى وقت الضيق من بعد ما هم يبعد نفوس جمع منهم أى غفر لهم إنه لهم نافع مفيد ،يبين الله للناس أنه قد تاب أى غفر أى رحم كل من النبى (ص)والمهاجرين وهم المنتقلين من بلادهم للمدينة والأنصار وهم المؤيدين لحكم الله فى المدينة وهم الذين اتبعوه فى ساعة العسرة والمراد وهم الذين أطاعوا أمر النبى (ص)بالجهاد فى وقت الشدة أى الضيق من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم والمراد من بعد ما أراد أى شاء الله أن يبعد عقول جمع منهم عن الطاعة والسبب أنهم أرادوا أى شاءوا فى ذلك الوقت البعد عن الطاعة وفى هذا قال بسورة الإنسان "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"ثم تاب عليهم والمراد ثم غفر الله لهذا الفريق لأنه تاب من ذنبه إنه بهم رءوف رحيم والمراد إنه لهم نافع مفيد والخطاب وما بعده للناس .ل الل
"وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم "المعنى وتاب على الثلاثة الذى قعدوا حتى إذا صغرت عندهم الأرض بالذى وسعت وخافت عليهم ذواتهم واعتقدوا أن لا مفر من الرب إلا له وغفر الرب لهم ليعودوا إن الرب هو الغفور النافع ،يبين الله للناس أنه تاب على الثلاثة الذين خلفوا والمراد أنه غفر للثلاثة الذين قعدوا عن الجهاد حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت والمراد حتى صغرت فى أنفسهم البلاد بالذى وسعت أى رغم كبرها العظيم وضاقت عليهم أنفسهم والمراد وخافت عليهم ذواتهم من النار وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه والمراد واعتقدوا أن لا مهرب من الرب إلا بالعودة إلى دينه لذا تاب الله عليهم ليتوبوا والمراد لذا غفر الرب لهم ليعودوا لجمع المسلمين وهو التواب الرحيم أى الغفور النافع لمن يتوب إليه والخطاب للناس.
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "المعنى يا أيها الذين صدقوا أطيعوا الرب أى أصبحوا من العادلين،يخاطب الله الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فيقول:اتقوا الله أى "أطيعوا الله"كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله وفسر هذا بقوله وكونوا مع الصادقين أى أصبحوا من المطيعين لحكم الله والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"وما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا مخمصة فى سبيل الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوا نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين "المعنى ولا يحق لسكان يثرب ومن فى محيطها من البدو أن يقعدوا عن نبى الله(ص)ولا يفضلوا ذواتهم على ذاته ذلك بأنهم لا يمسهم عطش ولا جوع فى نصر الرب ولا يحتلون مكانا يغضب المكذبين ولا يأخذون من كاره أخذا إلا سجل لهم به فعل حسن إن الرب لا يخسر ثواب المصلحين ،يبين الله للمؤمنين أنه ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله والمراد لا يحق لسكان يثرب ومن فى أطرافها من البدو المؤمنين أن يقعدوا عن الجهاد مع نبى الرب(ص)طالما أمرهم بالجهاد وفسر هذا بألا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه والمراد ألا يفضلوا بقاء حياتهم بالقعود عن بقاء حياته ذلك وهو السبب أنهم لا يصيبهم ظمأ ولا مخمصة فى سبيل الله والمراد أنهم لا ينزل بهم عطش ولا جوع فى نصر دين الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا يملكون مكانا يغضب ملكه المكذبين بدين الله ولا ينالون من عدوا نيلا أى ولا يأخذون من كاره لدين الله أخذا سواء ماليا أو نفوسا إلا كتب لهم به عمل صالح والمراد إلا سجل الله لهم بالعطش والجوع وملكية المكان والنيل كل واحد فعل حسن والله لا يضيع أجر المحسنين والمراد والرب لا يخسر ثواب الصالحين .
"ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون " المعنى ولا يدفعون مالا قليلا ولا كثيرا ولا يعبرون مكانا إلا سجل لهم ليثيبهم الرب بأفضل الذى كانوا يفعلون ،يبين الله للمؤمنين أنهم لا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة والمراد لا يعطون مالا قليلا ولا كثيرا فى سبيل الله ولا يقطعوا واديا أى ولا يجتازون مكانا لحرب العدو إلا كتب لهم والمراد إلا سجل لهم الإنفاق عملا صالحا وقطع الوادى عملا صالحا أخر والسبب أن يجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون والمراد أن يعطيهم أجرهم بأفضل ما كانوا يصنعون مصداق لقوله بسورة النحل"ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
"وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "المعنى لا يحق للمصدقين أن يخرجوا كلهم فلولا خرج من كل قوم منهم جمع ليتعلموا الإسلام وليخبروا ناسهم إذا عادوا لهم لعلهم يطيعون ،يبين الله للناس أنه ما كان المؤمنون لينفروا كافة والمراد لا يحق للمصدقين بحكم الله أن يخرجوا كلهم لتعلم الإسلام وإنما الواجب أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة والمراد أن يخرج من كل قوم وهم أهل كل بلدة جمع أى عدد قليل والسبب أن يتفقهوا فى الدين والمراد أن يتعمقوا فى الإسلام والمراد أن يتعلموا أحكام الإسلام حتى ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم والمراد حتى يبلغوا أهل بلدهم إذا عادوا إليهم بحكم الإسلام فى أى قضية لعلهم يحذرون أى لعلهم يطيعون حكم الرب والخطاب للناس.
"يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين "المعنى يا أيها الذين صدقوا حاربوا الذين يحاربونكم من المكذبين وليلقوا منكم شدة واعرفوا أن الرب ناصر المطيعين ،يخاطب الله الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فيقول:قاتلوا الذين يلونكم من الكفار والمراد حاربوا الذين يحاربونكم من المجرمين مصداق لقوله بسورة البقرة"وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم "وليجدوا فيكم غلظة والمراد وليلاقوا منكم شدة وهى ضرب الأعناق والبنان مصداق لقوله بسورة التوبة "فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان"واعلموا أن الله مع المتقين والمراد واعرفوا أن الرب ناصر الصابرين وهم المؤمنين مصداق لقوله بسورة البقرة "إن الله مع الصابرين"وقوله بسورة الحج"إن الله يدافع عن الذين آمنوا" والخطاب للمؤمنين.
"وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون "المعنى وإذا ما أوحى حديث فمنهم من يقول أيكم أدامه هذا تصديقا فأما الذين صدقوا فأدامهم تصديقا وهم يفرحون ،يبين الله للنبى(ص) أن إذا ما أنزلت سورة والمراد أذا أوحيت مجموعة آيات فمن المنافقين من يسأل :أيكم زادته هذه إيمانا والمراد أيكم أضافت الآيات تصديقا لتصديقهم السابق بأخواتها ؟والغرض من السؤال هو أنهم يختبرون الناس من معهم ومن ليس معهم من خلال الإجابة ،ويبين لهم أن الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فزادتهم إيمانا أى فأضافت الآيات تصديقا لما سبق نزوله من آيات الله وهم يستبشرون أى يفرحون بها أى يؤمنون بها والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"وأما الذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون "المعنى وأما الذين فى نفوسهم نفاق فأدامتهم مرضا مع مرضهم وتوفوا وهم مكذبون،يبين الله للمؤمنين أن الذين فى قلوبهم مرض وهم الذين أعقبهم الله فى نفوسهم نفاقا فزادتهم السورة رجسا إلى رجسهم والمراد"فزادهم الله مرضا"كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أن السورة أضافت كفرا إلى كفرهم السابق على نزولها وماتوا وهم كافرون أى وتوفوا وهم فاسقون كما قال بسورة التوبة"وماتوا وهم فاسقون "أى مكذبون بالسور.
"أو لا يرون أنهم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون "المعنى هل لا يعلمون أنهم يسقطون فى كل سنة مرة أو مرتين ثم لا يستغفرون أى ليسوا يتوبون ،يسأل الله أو لا يرون والمراد هل لا يعرف المنافقون أنهم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين والمراد هل لا يعلم المنافقون أنهم يسقطون فى كل سنة مرة أو اثنين بعملهم الذنوب ثم لا يتوبون أى لا يذكرون والمراد لا يستغفرون الله لذنبهم أى لا يعودون للإسلام؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المنافقين كان لهم مع المسلمين سقطة أو اثنين فى كل عام والمراد مؤامرة كبرى لاضرار المسلمين كحادثة الإفك وبناء مسجد الضرار وكمواقفهم فى الغزوات كالتحجج بأن بيوتهم عورة أو القول أن الشهداء لم يكونوا سيموتون لو قعدوا فى بيوتهم تظهر ومع هذا كانوا لا يتوبون مما يعملون.
"وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون "المعنى وإذا ما أوحيت آيات بصر بعضهم ببعض هل يعرفكم من أحد ثم ابتعدوا أبعد الرب نفوسهم بأنهم ناس لا يفهمون ،يبين الله للمؤمنين أن إذا أنزلت سورة والمراد إذا ما أوحيت مجموعة آيات فيهم وقرأت وهم موجودين نظر بعضهم إلى بعض والمراد رنا كل واحد منهم ببصره تجاه أصحابه وهو يقول فى نفسه:هل يراكم من أحد أى هل يعرف بأشخاصكم أحد ؟وهذا السؤال يعنى أنهم يظنون أن الله لا يعلمهم ولا يعلم بهم المؤمنون ثم انصرفوا أى ابتعدوا عن مكان المسلمين صرف الله قلوبهم أى أبعد الله نفوسهم عن الإيمان والسبب أنهم قوم لا يفقهون أى ناس لا يعقلون كما قال بسورة الحشر"بأنهم قوم لا يعقلون ".
"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "المعنى لقد أتاكم مبعوث من وسطكم كبير عنده الذى خالفتم ،خائف عليكم للمصدقين نافع مفيد،يبين الله للناس أنهم جاءهم رسول من أنفسهم والمراد أنهم أتاهم مبعوث من وسطهم والمراد من جنسهم البشرى وهو عزيز عليه ما عنتم والمراد عظيم لديه الذى خالفتم أى كبير عنده الإسلام الذى كذبتم به،وهو حريص عليكم أى خائف عليكم من دخول النار ،بالمؤمنين رءوف رحيم والمراد للمصدقين بحكم الله نافع مفيد أى خادم مطيع والخطاب للناس.
"فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "المعنى فإن كذبوا فقل حامينى الرب لا رب سواه به احتميت وهو خالق الملك الكريم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس إن تولوا أى كفروا بحكم الله فعليه أن يقول لهم :حسبى الله أى ناصرى أى حامينى هو الله لا إله إلا هو أى لا رب سواه والمراد لا خالق غيره ،عليه توكلت أى بطاعة حكمه احتميت من العذاب وهو رب العرش العظيم وهو خالق الكون الكريم مصداق لقوله بسورة المؤمنون"رب العرش الكريم "والخطاب للنبى(ص).
"وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استئذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا أن يكونوا من الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون "المعنى وإذ أوحيت آيات أن صدقوا بالرب وقاتلوا مع نبيه (ص)استسمحك أصحاب الغنى منهم وقالوا اتركنا نقيم مع المقيمين ،قبلوا أن يصبحوا من القاعدين أى ختم على عقولهم فهم لا يطيعون حكم الله ،يبين الله للمؤمنين أن إذا أنزلت سورة والمراد إذا أوحى قول يقول:أمنوا بالله والمراد صدقوا بحكم الرب وجاهدوا مع رسوله (ص)والمراد وقاتلوا مع نبيه (ص)مصداق لقوله بسورة محمد"وإذ أنزلت سورة محكمة ذكر فيها القتال"كان رد فعل المنافقين هو أن يستئذن أولوا الطول منهم والمراد أن يطلب السماح بالقعود أهل الغنى منهم حيث قالوا :ذرنا نكن مع القاعدين والمراد اتركنا نقيم مع المقيمين فى المدينة وهم بهذا رضوا أن يكونوا من الخوالف والمراد أحبوا أن يصبحوا من القاعدين وفسر الله هذا بأنه طبع أى ختم على قلوبهم وهى نفوسهم مصداق لقوله بسورة البقرة "ختم الله على قلوبهم"فهم لا يفقهون أى فهم لا يعلمون كما قال بسورة التوبة "وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون"والمراد فهم لا يطيعون حكم الله فالله شاء عدم فقههم لأنهم شاءوا عدم طاعتهم للسورة مصداق لقوله بسورة الإنسان"وما تشاءون إلا أن يشاء الله" والخطاب للنبى(ص).
"لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم أولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم "المعنى لكن النبى (ص)والذين صدقوا معه قاتلوا بأملاكهم وحياتهم أولئك لهم الرحمات أى أولئك هم الفائزون جهز الرب لهم حدائق تسير من أسفلها العيون مقيمين فيها ذلك النصر الكبير ،يبين الله لنا أن الرسول وهو محمد(ص)والذين آمنوا معه وهم الذين صدقوا بحكم الله معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم والمراد حاربوا بأملاكهم وحياتهم لنصر دين الله أولئك لهم الخيرات وهى الرحمات وهى الجنات وهى الأمن مصداق لقوله بسورة الأنعام"أولئك لهم الأمن"وفسر هذا بأنهم هم المفلحون أى الفائزون كما قال بسورة التوبة "أولئك هم الفائزون "وفسر هذا بأن الله أعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد جهز لهم حدائق تسير من أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أى مقيمين فيها دوما ذلك وهو دخول الجنة الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير".
"وجاء المعذورون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم "المعنى وأتى العاجزون من الأعراب ليسمح لهم وتخلف الذين كفروا بالرب ونبيه(ص)سيمس الذين كذبوا منهم عقاب موجع ،يبين الله لنا أن المعذورين وهم أصحاب الأعذار وهم العاجزون عن الحركة من الأعراب جاءوا ليؤذن لهم والمراد أتوا ليسمح لهم بالذهاب للجهاد مع أنهم ليسوا مسموح لهم بالجهاد لعجزهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله والمراد وتخلف عن الجهاد الذين كفروا بحكم الرب ونبيه (ص)،سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم والمراد سينزل بالذين كذبوا أى سيدخل الذين أجرموا منهم عقاب شديد مصداق لقوله بسورة الأنعام"سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد"والخطاب وما قبله للناس.
"ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم "المعنى ليس على العجزة ولا على العليلين ولا على الذين لا يلقون ما يدفعون عقاب إذا أخلصوا للرب ونبيه (ص)ليس على المطيعين من عقاب والرب عفو نافع ،يبين الله لنا أن ليس حرج والمراد لا يوجد عقاب على كل من:الضعفاء وهم العاجزين عن الحركة والمرضى وهم المصابين بعلل تؤلمهم والذين لا يجدون ما ينفقون وهم الذين لا يلقون مالا يدفعونه للجهاد أو ليذهبوا به للجهاد إذا لم يذهبوا للجهاد بشرط أن ينصحوا لله ورسوله (ص) والمراد بشرط أن يطيعوا حكم الرب ونبيه (ص)،وفسر هذا بأن ما على المحسنين من سبيل والمراد أن ليس على المطيعين لحكم الله من عقاب والله غفور رحيم والمراد والرب نافع مفيد للمحسنين والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون "المعنى وليس على الذين جاءوك لتركبهم عقاب قلت لا ألقى ما أركبكم عليه انصرفوا وأنظارهم تنزل من الدموع غما ألا يلقوا ما يعملون فى الجهاد،يبين الله لنبيه (ص)أن الحرج وهو العقاب ليس على الذين أتوه ليحملهم وهم الذين جاءوه ليركبهم أى ليجد لهم دواب يركبون عليها للسفر للجهاد قلت لهم :لا أجد ما أحملكم عليه والمراد لا ألقى ما أركبكم عليه وهذا يعنى أن دواب السفر كانت أقل من عدد من يريدون الذهاب للجهاد فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع والمراد فانصرفوا من المكان وأنظارهم تنزل من الدموع والسبب حزنا ألا يجدوا ما ينفقون والمراد غما ألا يلقوا الذى يعملون من أجل الجهاد أى الذين لا يلقون الذى يشاركون به فى الجهاد.
"إنما السبيل على الذين يستئذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون "المعنى إنما العقاب للذين يستسمحوك وهم أقوياء قبلوا بأن يصبحوا من القاعدين أى ختم الرب على نفوسهم فهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبيل وهو العقاب على الذين يستئذنونه وهم أغنياء والمراد الذين يطلبون منه السماح لهم بالقعود وهم قادرين على الجهاد ،رضوا بأن يكونوا مع الخوالف والمراد أحبوا بأن يصبحوا من القاعدين فى المدينة وفسر هذا بأنه طبع على قلوبهم فهم لا يعلمون والمراد ختم على عقولهم فهم لا يفقهون أى لا يعقلون مصداق لقوله بسورة البقرة "ختم الله على قلوبهم "وقوله بسورة التوبة "وطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون "وهذا يعنى أنهم كفروا بقعودهم عن الجهاد فشاء الله فى نفس الوقت الطبع على قلوبهم والخطاب للنبى(ص).
"يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون "المعنى يتبررون لكم إذا عدتم لهم قل لا تتبرروا قد عرفنا الرب من حكاياتكم وسيعرف الرب فعلكم ونبيه (ص)ثم تعودون لعارف المجهول والظاهر فيخبركم بالذى كنتم تفعلون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين الأغنياء يعتذرون لهم أى يتبررون أمامهم إذا رجعوا إليهم أى إذا عادوا إليهم فى المدينة والمراد يقولون لهم أسباب واهية ليرضوهم ،ويطلب الله من نبيه (ص)أن يقول لهم :لا تعتذروا أى لا تتبرروا والمراد لا تقولوا لنا كذبكم ،قد نبأنا الله من أخباركم والمراد قد عرفنا الله من حكاياتكم وهذا يعنى أن الله أنزل وحى أخبر فيه المسلمين بما فعله الأغنياء فى غيابهم وهو وحى محاه الله من القرآن ،وسيرى الله عملكم ورسوله (ص)والمراد وسيعرف الرب فعلكم ونبيه(ص)سيعرف فعلكم من خلال وحى الله ،ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة والمراد ثم ترجعون إلى عارف السر والمعلن فينبئكم بما كنتم تعملون والمراد فيخبركم بالذى كنتم تفعلون من خلال تسليم الكتب المنشرة لكم والخطاب للمؤمنين ثم للنبى(ص).
"سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون "المعنى سيقسمون بالرب لكم إذا عدتم لهم لتتولوا عنهم فتولوا عنهم إنهم نجس ومقامهم النار عقابا بالذى كانوا يصنعون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين سيحلفون بالله لهم والمراد سيقسمون بالرب لهم إذا انقلبوا إليهم والمراد إذا عادوا للمدينة والسبب فى قسمهم بالله على مبرراتهم هو أن تعرضوا عنهم والمراد أن تتركوهم بلا عقاب فأعرضوا عنهم والمراد فاتركوهم بلا عقاب حتى ينزل عقاب الله لتنفذوه عليهم والسبب أنهم رجس أى نجاسة أى أذى ومأواهم جهنم والمراد ومقامهم النار مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومأواهم النار"بما كانوا يكسبون والمراد بالذى كانوا يعملون مصداق لقوله بسورة الواقعة "بما كانوا يعملون"من الكفر والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين "المعنى يقسمون لكم لتقبلوهم فإنهم تقبلوهم فإن الرب لا يقبل من الناس الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحلفون لهم أى يقسمون لهم بالله على مبرراتهم الواهية والسبب أن يرضوا عنهم أى أن يقبلوا مبرراتهم ،ويبين لهم أنهم إن رضوا منهم أى قبلوا منهم المبررات الواهية فالله لا يرضى عن القوم الفاسقين والمراد فالرب لا يقبل من الناس الكافرين أى لا يحب الناس الظالمين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله لا يحب الظالمين ".
"الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم "المعنى من البدو جماعة أعظم تكذيبا أى مرضا وأحق ألا يعرفوا أحكام الذى أوحى الرب إلى نبيه (ص)والرب خبير قاضى ،يبين الله للمؤمنين أن من الأعراب وهم البدو حول المدينة جماعة أشد كفرا ونفاقا والمراد أعظم تكذيب لحكم الله أى مرضا وهو التكذيب نفسه ومن ثم فالأجدر وهو الواجب هو ألا يعلموا حدود ما أنزل الله والمراد ألا يعرفوا أحكام الذى أوحى الرب إلى نبيه (ص)وهذا معناه ألا يبلغوهم بالوحى لأنهم سواء بلغوا أم لم يبلغوا لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة البقرة "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون"وهذا توفير لجهد المؤمنين فى الدعوة والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم "المعنى ومن البدو من يجعل ما يدفع عبء وينتظر بكم الأضرار لهم جزاء الأذى والرب خبير محيط ،يبين الله للمؤمنين أن من الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما والمراد من يعتبر ما يدفع من مال الصدقة عبء أى ثقل أى أذى له ليس واجبا عليه ويتربص بكم الدوائر والمراد وينتظر أن تحل بكم الأضرار ،عليهم دائرة السوء والمراد لهم عقاب الكفر والله سميع عليم والمراد والرب خبير محيط بكل أمر .
"ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا أنها قربة لهم سيدخلهم الله فى رحمته إن الله غفور رحيم "المعنى ومن البدو من يصدق بحكم الرب ويوم القيامة ويحتسب الذى يدفع حسنات لدى الرب ودعوات النبى (ص)ألا أنها مستجابة لهم سيسكنهم الرب فى جنته إن الرب نافع مفيد ،يبين الله للمؤمنين أن من الأعراب وهم البدو من يؤمن بالله والمراد من يصدق بحكم الرب واليوم الآخر وهو يوم البعث ويتخذ ما ينفق قربات عند الله والمراد ويعتبر الذى يدفع من مال حسنات لدى الرب فى كتابه المنشر وصلوات وهى دعوات الرسول (ص)لهم وهى استغفاراته لهم هى قربة لهم أى هى مستجابة عند الله لهم لأنهم مؤمنون يستحقون الغفران،سيدخلهم الله فى رحمته والمراد سيسكنهم الرب فى جنته مصداق لقوله بسورة الحج"إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات"إن الله غفور رحيم والمراد إن الرب نافع مفيد لمن يستغفره.
"والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم"المعنى والمسارعون السابقون من المنتقلين والمؤيدين والذين تلوهم ببر قبل الله منهم وقبلوا منه وجهز لهم حدائق تسير من أسفلها العيون مقيمين بها دوما ذلك النصر الكبير ،يبين الله للناس أن السابقون الأولون وهم المسارعون السابقون للإسلام من المهاجرين وهم المنتقلين من بلدهم للمدينة والأنصار وهم أهل المدينة المؤيدين للنبى (ص)والذين اتبعوهم بإحسان وهم الذين أتوا من بعدهم بإسلام أى ببر رضى الله عنهم والمراد قبل الرب منهم إسلامهم مصداق لقوله بسورة آل عمران "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" ورضوا عنه والمراد وقبلوا منه نصره لهم فى الدنيا والآخرة وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار والراد جهز لهم حدائق تسير من أسفل مستوى أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أبدا والمراد"ماكثين فيها أبدا"كما قال بسورة الكهف والمراد مقيمين فيها دوما ذلك وهو دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير "والخطاب للناس.
"وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم "المعنى ومن الذين فى محيطكم من البدو مذبذبون ومن سكان البلدة استمروا فى الكفر لا تعرفهم نحن نعرفهم سنعاقبهم مرتين ثم يذهبون إلى عقاب كبير ،يبين الله للنبى(ص) أن ممن حولهم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة والمراد أن من الذين فى محيط بلدتهم من البدو ومن أهل المدينة وهم سكان يثرب مذبذبون بين الإسلام والكفر وهذا يعنى وجود منافقين داخل المدينة ومنافقين خارج المدينة والكل مردوا على النفاق أى استمروا فى المرض وهو الكفر الخفى والنبى (ص)لا يعلمهم أى لا يعرف بأشخاصهم والله يعلمهم أى يعرفهم واحدا واحدا ،ويبين له أنه سيعاقبهم مرتين والمراد سيذلهم مرتين فى الدنيا قبل الموت ثم يردون إلى عذاب عظيم والمراد ثم يدخلون بعد الموت فى عقاب شديد والخطاب فى أوله للمؤمنين ثم للنبى(ص) وما بعده له .
"وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم "المعنى وآخرون أقروا بسيئاتهم مزجوا فعلا حسنا وأخر باطلا عسى الرب أن يغفر لهم إن الرب عفو نافع لهم ،يبين الله لنبيه (ص)من المنافقين آخرين اعترفوا بذنوبهم والمراد أقروا بسيئاتهم أى شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين فاعترفوا أنهم خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا والمراد عملوا فعلا حسنا هو الإسلام وفعلا باطلا هو الباطل وتابوا من الباطل فعسى الله أن يتوب عليهم أى يغفر لهم أى يرحمهم والله غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يتوب إليه .
"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم "المعنى اقبض من أملاكهم نفقة تزكيهم أى تقبلهم بها وادعوا لهم إن دعوتك راحة لهم والرب خبير محيط ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يأخذ من أموالهم المعترفين صدقة والمراد أن يقبل من أملاكهم نفقة مالية والسبب تطهرهم وفسرها بأنها تزكيهم بها أى تقبلهم بها إخوان للمسلمين ويطلب منه أن يصل عليهم والمراد أن يستغفر لهم الله والسبب أن صلاته سكن لهم أى أن دعوته راحة لهم والمراد رحمة لهم تطمئن بها قلوبهم على قبولهم فى زمرة المسلمين والله سميع عليم أى والرب خبير محيط بكل شىء والخطاب للنبى(ص).
"ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة من عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم "المعنى هل لم يعرفوا أن الرب يرضى العودة له من خلقه ويقبل النفقات وأن الرب هو الغفور النافع ؟يسأل الله :ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة من عباده والمراد هل لم يعرفوا أن الرب يرضى العودة لإسلامه من خلقه ويأخذ الصدقات والمراد ويقبل النفقات وأن الله هو التواب الرحيم والمراد وأن الرب هو الغفور النافع للتائبين ؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المنافقين وغيرهم عرفوا أن الله يقبل عودة التائب لدينه ويقبل الصدقات دون واسطة أو شفيع والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون "المعنى وقل افعلوا فسيعرف الرب فعلكم ونبيه (ص)والمصدقون وسترجعون لعارف السر والمعلن فيخبركم بالذى كنتم تفعلون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمنافقين وغيرهم اعملوا أى" افعلوا ما شئتم "كما قال بسورة فصلت"اعملوا ما شئتم"فسيرى الله عملكم ورسوله (ص)والمؤمنون والمراد فسيعرف أى فسيشهد الرب فعلكم ونبيه (ص)والمصدقون بحكمه مصداق لقوله بسورة البقرة "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"وهذا يعنى علم الله بكل العمل ظاهره وخفيه والنبى (ص) والمؤمنون بظاهر العمل وما يعلن الله لهم فى وحيه من عمل الناس الخفى ،وستردون إلى عالم الغيب والشهادة والمراد وسترجعون إلى جزاء عارف المجهول وهو الخفى والظاهر فينبئكم بما كنتم تعملون والمراد فيبين لكم الذى كنتم تفعلون مصداق لقوله بسورة النحل" وليبينن لكم يوم القيامة ".
"وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم "المعنى وآخرون منتظرون لحكم الرب إما يعاقبهم وإما يغفر لهم والرب عارف قاضى ،يبين الله لنبيه (ص)أن من المنافقين آخرون مرجون لأمر الله أى منتظرون لحكم الرب فيهم إما يعذبهم أى يعاقبهم إن استمروا فى نفاقهم حتى الموت وإما يتوب عليهم أى وإما يغفر لهم أى يرحمهم إن عادوا للإسلام والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون "المعنى والذين بنوا مصلى أذى و تكذيبا وإيقاعا بين المصدقين وتجميعا لمن عادى الرب ونبيه (ص)من قبل وليقسمن إن شئنا إلا النفع والرب يحكم أنهم لمفترون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا والمراد أن الذين شيدوا مصلى أذى للمسلمين وتكذيبا بحكم الله وتفريقا بين المؤمنين والمراد وإيقاعا للانقسام بين المصدقين بحكم الله وإرصادا لمن حارب الله ورسوله والمراد وتجميعا لمن قاتل الرب ونبيه (ص)من قبل إعلانهم الإسلام حتى يكونوا يدا واحدة على إضرار المسلمين يشهد الله أنهم لكاذبون والمراد يحكم الرب أنهم مفترون أى لا يقولون الحقيقة فى حلفهم وهو قسمهم والله إن أردنا به إلا الحسنى والمراد والرب ما شئنا بتشييد المصلى إلا الخير .
"لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين "المعنى لا تدخل فيه دوما لمصلى شيد على الخير من أسبق يوم أولى أن تبقى فيه ،فيه ذكور يريدون أن يتزكوا والرب يرحم المتزكين ،يطلب الله من نبيه (ص)ألا يقم فى مسجد الضرار أبدا والمراد ألا يصلى فى مسجد الضرار دوما وهذا يعنى أن يمتنع عن دخوله ،ويبين له أن المسجد الذى أسس على التقوى والمراد أن المصلى الذى شيد على الخير للمسلمين من أول يوم أحق أن يقوم فيه أى والمراد أولى أن يبقى فيه للصلاة والسبب أن فيه رجال يحبون أن يتطهروا والمراد أنه يدخله ذكور يريدون أن يتزكوا أى يرحموا من قبل الله والله يحب المطهرين والمراد والرب يرحم المتزكين وهم طلاب الرحمة أى طلاب التقدم وهو الخير.
"أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به فى نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى هل من قامت قواعده على خوف من الرب وطلب رحمته أفضل أم من قامت قواعده على أساس كفر واهى فوقع بأصحابه فى عذاب النار والرب لا يرحم الناس الكافرين ،يسأل الله المؤمنين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه والمراد هل من شيدت قواعده على خوف من عذاب الله وطلب رضاه وهو رحمته خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار والمراد أفضل أم من شيدت قواعده على أساس كفر مهزوم فانهار به فى نار جهنم والمراد فدخل الكفر بأصحابه فى عذاب النار؟والغرض من السؤال هو إخبار المؤمنين أن مسجد التقوى أحسن من مسجد الضرار ،والله لا يهدى القوم الظالمين أى والرب لا يرحم الناس الكافرين مصداق لقوله بنفس السورة "والله لا يهدى القوم الكافرين ".
"لا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة فى قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم "المعنى لا يفتأ مسجدهم الذى شيدوا تكذيب فى نفوسهم إلى أن تزهق أنفسهم والرب خبير قاضى ،يبين الله لنبيه(ص)أن بنيان وهو مسجد المنافقين لا يزال ريبة فى قلوبهم أى لا يفتأ كفر فى أنفسهم وهذا يعنى أنه يستمر فى أنفسهم تكذيب لحكم الله إلا أن تقطع قلوبهم والمراد إلى أن تزهق أى تموت أنفسهم وهى الساعة التى يؤمن فيها كل كافر عندما يرى العذاب والله عليم حكيم والمراد والرب خبير قاضى بالحق .
"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك الفوز العظيم "المعنى إن الرب أخذ من المصدقين ذواتهم وأملاكهم مقابل الحديقة يحاربون فى نصر دين الرب فيذبحون ويذبحون حكما عليه صدقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أتم بوعده من الرب فافرحوا بجنتكم الذى قايضتم بها وذلك هو النصر الكبير ،يبين الله للنبى(ص) أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم والمراد إن الله قبل من المصدقين بحكمه حياة ذواتهم وأملاكهم مقابل أن يدخلهم الجنة وهى الحديقة وهم يقاتلون فى سبيل الله والمراد وهم يجاهدون لنصر حكم الله فيقتلون أى فيذبحون الكفار ويقتلون أى ويذبحون من قبل الكفار وهذا وعد عليه حق والمراد وهذا قول منه واقع أى صادق موجود فى التوراة والإنجيل والقرآن،ويسأل ومن أوفى بعهده من الله والمراد ومن أتم لقوله من الرب ؟والغرض إخبارنا أن الرب هو أفضل من يفى بالعهد ويطلب من المؤمنين أن يستبشروا ببيعهم الذى بايعوا به والمراد أن يفرحوا بجنتهم التى قايضوا بها حياتهم ومالهم فى الدنيا وذلك وهو دخول الجنة هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز العظيم "والخطاب فى معظم القول للنبى(ص) حتى بعهده من الله ثم للمؤمنين.
"التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر والحافظون حدود الله وبشر المؤمنين"المعنى العائدون المطيعون الشاكرون المتبعون المطيعون المتبعون العاملون بالعدل المبتعدون عن الباطل أى المطيعون أحكام الله وأفرح المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن المؤمنين هم التائبون وهم العائدون للإسلام كلما أذنبوا وهم العابدون أى المطيعون لحكم الله الحامدون أى المطيعون حكم الله السائحون وهم المتبعون حكم الله الراكعون وهم المطيعون حكم الله الساجدون وهم المطيعون حكم الله الآمرون بالمعروف وهم العاملون بالإسلام الناهون عن المنكر وهم المبتعدون عن طاعة الباطل والحافظون لحدود الله وهم المطيعون لأحكام الرب ويطلب منه أن يبشر المؤمنين أى أن يخبر المصدقين "بأن لهم من الله فضلا كبيرا"كما قال بسورة الأحزاب والخطاب للنبى(ص).
"ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم "المعنى ما يحق للرسول(ص)والذين صدقوا أن يستعفوا للكافرين ولو كانوا أصحاب قرابة من بعد الذى ظهر لهم أنهم سكان النار ،يبين الله للناس أن ما كان للنبى(ص) والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين والمراد لا يحق للرسول(ص)والذين صدقوا حكم الله أن يستعفوا والمراد أن يطلبوا الرحمة وهى الجنة للكافرين ولو كانوا أولى قربى والمراد حتى ولو كانوا أهل قرابة كالأب والأم والابن والسبب أنه قد تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم والمراد أنه ظهر لهم فى الوحى أن الكافرين هم سكان النار مصداق لقوله بسورة البقرة "فأولئك أصحاب النار ".
"وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لآواه حليم "المعنى وما كان استعفاء إبراهيم(ص)لوالده إلا بسبب قولة قالها له فلما ظهر له أنه كاره لله اعتزله إن إبراهيم(ص)عواد عاقل ،يبين الله للناس أن استغفار إبراهيم (ص)لأبيه وهو استعفاء أى طلب إبراهيم (ص)الرحمة لوالده كان سببه موعدة وعدها إياها أى قولة قالها له ووجب تحقيقها عليه وهى قوله بسورة مريم"سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا"فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه والمراد فلما ظهر لإبراهيم(ص)أن والده كاره لدين الله اعتزله أى فارقه وإبراهيم (ص)أواه حليم أى رشيد عاقل والخطاب وما قبله وما بعده وما بعده للناس.
"وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شىء عليم "المعنى ولا يحق لله أن يعاقب ناسا بعد أن نفعهم حتى يوضح لهم الذى يعملون إن الرب بكل أمر خبير ،يبين الله للناس أن ما كان لله ليضل قوما بعد إذ هداهم والمراد لا يحق لله أن يعاقب ناسا بعد أن نفعهم حتى يبين لهم ما يتقون أى حتى يوضح لهم ما يعملون من الحق وهذا يعنى أن الله لا يغير معاملته لقوم حتى ينزل الوحى فإن كذبوا غير معاملته لهم مصداق لقوله بسورة الأنفال "ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "والله بكل شىء عليم والمراد والرب بكل أمر خبير .
"إن الله له ملك السموات والأرض يحيى ويميت وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير "المعنى إن الرب له حكم السموات والأرض يخلق ويهلك وما لكم من سوى الرب من منقذ ولا واق ،يبين الله للناس أن الله له ملك أى حكم أى "ميراث السموات والأرض "كما قال بسورة آل عمران،وهو يحيى أى يخلق الخلق ويميت أى ويهلك الخلق أى ينقلهم من حياة لحياة أخرى ،وما لكم من دون الله من ولى أى نصير والمراد ليس لكم من سوى الله من منقذ أى واقى من عذاب الله مصداق لقوله بسورة الرعد"ما لك من الله من ولى ولا واق".
" لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم"المعنى لقد غفر الرب للرسول(ص)والمنتقلين والمؤيدين الذين أطاعوه فى وقت الضيق من بعد ما هم يبعد نفوس جمع منهم أى غفر لهم إنه لهم نافع مفيد ،يبين الله للناس أنه قد تاب أى غفر أى رحم كل من النبى (ص)والمهاجرين وهم المنتقلين من بلادهم للمدينة والأنصار وهم المؤيدين لحكم الله فى المدينة وهم الذين اتبعوه فى ساعة العسرة والمراد وهم الذين أطاعوا أمر النبى (ص)بالجهاد فى وقت الشدة أى الضيق من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم والمراد من بعد ما أراد أى شاء الله أن يبعد عقول جمع منهم عن الطاعة والسبب أنهم أرادوا أى شاءوا فى ذلك الوقت البعد عن الطاعة وفى هذا قال بسورة الإنسان "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"ثم تاب عليهم والمراد ثم غفر الله لهذا الفريق لأنه تاب من ذنبه إنه بهم رءوف رحيم والمراد إنه لهم نافع مفيد والخطاب وما بعده للناس .ل الل
"وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم "المعنى وتاب على الثلاثة الذى قعدوا حتى إذا صغرت عندهم الأرض بالذى وسعت وخافت عليهم ذواتهم واعتقدوا أن لا مفر من الرب إلا له وغفر الرب لهم ليعودوا إن الرب هو الغفور النافع ،يبين الله للناس أنه تاب على الثلاثة الذين خلفوا والمراد أنه غفر للثلاثة الذين قعدوا عن الجهاد حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت والمراد حتى صغرت فى أنفسهم البلاد بالذى وسعت أى رغم كبرها العظيم وضاقت عليهم أنفسهم والمراد وخافت عليهم ذواتهم من النار وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه والمراد واعتقدوا أن لا مهرب من الرب إلا بالعودة إلى دينه لذا تاب الله عليهم ليتوبوا والمراد لذا غفر الرب لهم ليعودوا لجمع المسلمين وهو التواب الرحيم أى الغفور النافع لمن يتوب إليه والخطاب للناس.
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين "المعنى يا أيها الذين صدقوا أطيعوا الرب أى أصبحوا من العادلين،يخاطب الله الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فيقول:اتقوا الله أى "أطيعوا الله"كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله وفسر هذا بقوله وكونوا مع الصادقين أى أصبحوا من المطيعين لحكم الله والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"وما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا مخمصة فى سبيل الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوا نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين "المعنى ولا يحق لسكان يثرب ومن فى محيطها من البدو أن يقعدوا عن نبى الله(ص)ولا يفضلوا ذواتهم على ذاته ذلك بأنهم لا يمسهم عطش ولا جوع فى نصر الرب ولا يحتلون مكانا يغضب المكذبين ولا يأخذون من كاره أخذا إلا سجل لهم به فعل حسن إن الرب لا يخسر ثواب المصلحين ،يبين الله للمؤمنين أنه ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله والمراد لا يحق لسكان يثرب ومن فى أطرافها من البدو المؤمنين أن يقعدوا عن الجهاد مع نبى الرب(ص)طالما أمرهم بالجهاد وفسر هذا بألا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه والمراد ألا يفضلوا بقاء حياتهم بالقعود عن بقاء حياته ذلك وهو السبب أنهم لا يصيبهم ظمأ ولا مخمصة فى سبيل الله والمراد أنهم لا ينزل بهم عطش ولا جوع فى نصر دين الله ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار ولا يملكون مكانا يغضب ملكه المكذبين بدين الله ولا ينالون من عدوا نيلا أى ولا يأخذون من كاره لدين الله أخذا سواء ماليا أو نفوسا إلا كتب لهم به عمل صالح والمراد إلا سجل الله لهم بالعطش والجوع وملكية المكان والنيل كل واحد فعل حسن والله لا يضيع أجر المحسنين والمراد والرب لا يخسر ثواب الصالحين .
"ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون " المعنى ولا يدفعون مالا قليلا ولا كثيرا ولا يعبرون مكانا إلا سجل لهم ليثيبهم الرب بأفضل الذى كانوا يفعلون ،يبين الله للمؤمنين أنهم لا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة والمراد لا يعطون مالا قليلا ولا كثيرا فى سبيل الله ولا يقطعوا واديا أى ولا يجتازون مكانا لحرب العدو إلا كتب لهم والمراد إلا سجل لهم الإنفاق عملا صالحا وقطع الوادى عملا صالحا أخر والسبب أن يجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون والمراد أن يعطيهم أجرهم بأفضل ما كانوا يصنعون مصداق لقوله بسورة النحل"ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
"وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون "المعنى لا يحق للمصدقين أن يخرجوا كلهم فلولا خرج من كل قوم منهم جمع ليتعلموا الإسلام وليخبروا ناسهم إذا عادوا لهم لعلهم يطيعون ،يبين الله للناس أنه ما كان المؤمنون لينفروا كافة والمراد لا يحق للمصدقين بحكم الله أن يخرجوا كلهم لتعلم الإسلام وإنما الواجب أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة والمراد أن يخرج من كل قوم وهم أهل كل بلدة جمع أى عدد قليل والسبب أن يتفقهوا فى الدين والمراد أن يتعمقوا فى الإسلام والمراد أن يتعلموا أحكام الإسلام حتى ينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم والمراد حتى يبلغوا أهل بلدهم إذا عادوا إليهم بحكم الإسلام فى أى قضية لعلهم يحذرون أى لعلهم يطيعون حكم الرب والخطاب للناس.
"يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين "المعنى يا أيها الذين صدقوا حاربوا الذين يحاربونكم من المكذبين وليلقوا منكم شدة واعرفوا أن الرب ناصر المطيعين ،يخاطب الله الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فيقول:قاتلوا الذين يلونكم من الكفار والمراد حاربوا الذين يحاربونكم من المجرمين مصداق لقوله بسورة البقرة"وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم "وليجدوا فيكم غلظة والمراد وليلاقوا منكم شدة وهى ضرب الأعناق والبنان مصداق لقوله بسورة التوبة "فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان"واعلموا أن الله مع المتقين والمراد واعرفوا أن الرب ناصر الصابرين وهم المؤمنين مصداق لقوله بسورة البقرة "إن الله مع الصابرين"وقوله بسورة الحج"إن الله يدافع عن الذين آمنوا" والخطاب للمؤمنين.
"وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون "المعنى وإذا ما أوحى حديث فمنهم من يقول أيكم أدامه هذا تصديقا فأما الذين صدقوا فأدامهم تصديقا وهم يفرحون ،يبين الله للنبى(ص) أن إذا ما أنزلت سورة والمراد أذا أوحيت مجموعة آيات فمن المنافقين من يسأل :أيكم زادته هذه إيمانا والمراد أيكم أضافت الآيات تصديقا لتصديقهم السابق بأخواتها ؟والغرض من السؤال هو أنهم يختبرون الناس من معهم ومن ليس معهم من خلال الإجابة ،ويبين لهم أن الذين آمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله فزادتهم إيمانا أى فأضافت الآيات تصديقا لما سبق نزوله من آيات الله وهم يستبشرون أى يفرحون بها أى يؤمنون بها والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"وأما الذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون "المعنى وأما الذين فى نفوسهم نفاق فأدامتهم مرضا مع مرضهم وتوفوا وهم مكذبون،يبين الله للمؤمنين أن الذين فى قلوبهم مرض وهم الذين أعقبهم الله فى نفوسهم نفاقا فزادتهم السورة رجسا إلى رجسهم والمراد"فزادهم الله مرضا"كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أن السورة أضافت كفرا إلى كفرهم السابق على نزولها وماتوا وهم كافرون أى وتوفوا وهم فاسقون كما قال بسورة التوبة"وماتوا وهم فاسقون "أى مكذبون بالسور.
"أو لا يرون أنهم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون "المعنى هل لا يعلمون أنهم يسقطون فى كل سنة مرة أو مرتين ثم لا يستغفرون أى ليسوا يتوبون ،يسأل الله أو لا يرون والمراد هل لا يعرف المنافقون أنهم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين والمراد هل لا يعلم المنافقون أنهم يسقطون فى كل سنة مرة أو اثنين بعملهم الذنوب ثم لا يتوبون أى لا يذكرون والمراد لا يستغفرون الله لذنبهم أى لا يعودون للإسلام؟والغرض من السؤال هو إخبارنا أن المنافقين كان لهم مع المسلمين سقطة أو اثنين فى كل عام والمراد مؤامرة كبرى لاضرار المسلمين كحادثة الإفك وبناء مسجد الضرار وكمواقفهم فى الغزوات كالتحجج بأن بيوتهم عورة أو القول أن الشهداء لم يكونوا سيموتون لو قعدوا فى بيوتهم تظهر ومع هذا كانوا لا يتوبون مما يعملون.
"وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون "المعنى وإذا ما أوحيت آيات بصر بعضهم ببعض هل يعرفكم من أحد ثم ابتعدوا أبعد الرب نفوسهم بأنهم ناس لا يفهمون ،يبين الله للمؤمنين أن إذا أنزلت سورة والمراد إذا ما أوحيت مجموعة آيات فيهم وقرأت وهم موجودين نظر بعضهم إلى بعض والمراد رنا كل واحد منهم ببصره تجاه أصحابه وهو يقول فى نفسه:هل يراكم من أحد أى هل يعرف بأشخاصكم أحد ؟وهذا السؤال يعنى أنهم يظنون أن الله لا يعلمهم ولا يعلم بهم المؤمنون ثم انصرفوا أى ابتعدوا عن مكان المسلمين صرف الله قلوبهم أى أبعد الله نفوسهم عن الإيمان والسبب أنهم قوم لا يفقهون أى ناس لا يعقلون كما قال بسورة الحشر"بأنهم قوم لا يعقلون ".
"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "المعنى لقد أتاكم مبعوث من وسطكم كبير عنده الذى خالفتم ،خائف عليكم للمصدقين نافع مفيد،يبين الله للناس أنهم جاءهم رسول من أنفسهم والمراد أنهم أتاهم مبعوث من وسطهم والمراد من جنسهم البشرى وهو عزيز عليه ما عنتم والمراد عظيم لديه الذى خالفتم أى كبير عنده الإسلام الذى كذبتم به،وهو حريص عليكم أى خائف عليكم من دخول النار ،بالمؤمنين رءوف رحيم والمراد للمصدقين بحكم الله نافع مفيد أى خادم مطيع والخطاب للناس.
"فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "المعنى فإن كذبوا فقل حامينى الرب لا رب سواه به احتميت وهو خالق الملك الكريم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس إن تولوا أى كفروا بحكم الله فعليه أن يقول لهم :حسبى الله أى ناصرى أى حامينى هو الله لا إله إلا هو أى لا رب سواه والمراد لا خالق غيره ،عليه توكلت أى بطاعة حكمه احتميت من العذاب وهو رب العرش العظيم وهو خالق الكون الكريم مصداق لقوله بسورة المؤمنون"رب العرش الكريم "والخطاب للنبى(ص).
مواضيع مماثلة
» سورة الأنفال وهى سورة التوبة 1
» سورة الأنفال وهى سورة التوبة 2
» تفسير سورة الأنفال وهى سورة التوبة3
» تفسير سورة الأنفال وهى سورة التوبة5
» تفسير سورة ق
» سورة الأنفال وهى سورة التوبة 2
» تفسير سورة الأنفال وهى سورة التوبة3
» تفسير سورة الأنفال وهى سورة التوبة5
» تفسير سورة ق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى