نقد كتاب التولي يوم الزحف
صفحة 1 من اصل 1
نقد كتاب التولي يوم الزحف
نقد كتاب التولي يوم الزحف
يبدو أن الكتاب كان لقاء فى مسجد أو قاعة أو قناة تلفزيونية وتم تحويله إلى كتاب وفى المقدمة أشار الملقى إلى أنه تناول خمس من السبع الموبقات وأن هذه الحلقة السابعة وفى هذا قال :
"أحبتي في الله
هذا هو لقاءنا السابع مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي (ص) ( في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) ( قال:
(( اجتنبوا السبع الموبقات )) قالوا : يا رسول الله(ص) وما هن ؟
قال (( الشرك بالله ، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ))"
والحديث لا يصح فالموبقات وهى الجرائم أو الكبائر كثيرة لا تقتصر على المذكور فى الحديث فمثلا الفتنة وهى عندى طرد الإنسان من بيته أكبر من القتل كما تعالى:
"والفتنة أكبر من القتل"
غير مذكورة فى الرواية زد على هذا أن الشرك هو الشامل لكل الذنوب وليس واحد منها
واستهل الحلقة بالتعريف اللغوى للتولى يوم الزحف فقال:
" الكبيرة السادسة ألا وهي التولي يوم الزحف والتولي كما قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ولى
أولا : المعنى اللغوي لقوله ( والتولي يوم الزحف
قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ولى ولى الشيء ، وتولى أي أدبر ، ودنى عنه أي أعرض عنه ، وقد تكون التولية إقبالا كما في قوله تعالى : {فول وجهك شطر المسجد الحرام} أي أقبل بوجهك نحوه وقد تكون التولية إعراضا وانصرافا ، وإدبارا كما في قوله تعالى :
{ثم وليتم مدبرين }
فالتولي يوم الزحف هو الإعراض والإدبار والفرار أمام العدو في ساحة الجهاد
جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة ولى وزحف إن التولي : هو الإدبار والإعراض والانصراف
والزحف هو الشيء رويدا أي ببطء فالجيش الزاحف هو الذي يرى كثرته كأنه يزحف ويمشي ببطء لأنه يتحرك ككتلة واحدة وكجسم واحد
وعليه فالتولي يوم الزحف : هو الإعراض والانصراف والإدبار والفرار أمام العدو من أرض المعركة "
تعريف المؤلف للتولى عن الزحف الإعراض والانصراف والإدبار والفرار أمام العدو من أرض المعركة ليس تعريفا سليما فبعض الخطط الحربية تطلب من بعض الوحدات الانسحاب وهو الفرار من العدو للالتفاف حول العدو ومن ثم فليس كل فرار تولى وإنما التولى :
هو ترك الفرد مهمته الموكولة له فى المعركة بقصد الحفاظ على حياته
وأما مثلا من ترك المكان القتالى بهدف العودة له سواء بع قليل أو فى معركة أخرى لأنه أيقن أن الهزيمة ستحل بالكل وسيهلكون كلهم فليس فرارا فالفرار هو ترك المعركة بغرض عدم الجهاد والحفاظ على الحياة
ثانيا : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه
وتحدث عن أذى المسلمين والهجرة فقال :
"لقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ، وأمره أن يدعو الناس جميعا لهذا الدين وخاطبه بقوله جل وعلا :{ يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، وربك فكبر ، وثيابك فطهر}
فقام النبي (ص) ( في ذات الله أتم قيام وشمر عن ساعده ودعا إلى الله ليلا ونهارا وسرا وجهرا إلى أن نزل عليه قول الله عز وجل :
{فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } فصدع بأمر الله فدعا إلى الله الصغير والكبير ، والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود فأبرقت قريش وأرعدت وأرغت وأزيدت ودقت طبول الحرب وأوعدت فلما اشتد الإيذاء والبلاء أمر النبي (ص) أصحابه أن يهاجروا إلى أرض الحبشة مرتين وتضاعف الإيذاء والابتلاء ومع هذا لم يأذن الله لرسوله بأن يقابل السيئة بالسيئة ، أو أن يواجه الأذى بالأذى ، أو أن يحارب هؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويفتنوا المؤمنين والمؤمنات بل أمره بالعفو والصفح كما قال تعالى : {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم }
{فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون }
{فاصفح الصفح الجميل }
{قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون }
{ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون }
وتتابع الأذى والاضطهاد حتى بلغ ذروته بتدبير مؤامرة حقيرة لاغتيال رسول الله(ص) فاضطر النبي (ص) إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ، وأمر أصحابه بالهجرة إليها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة المباركة "
ثم تحدث عن فرض الجهاد على المسلمين بعد إقامة دولتهم الناشئة فى المدينة فقال :
"فلما استقر رسول الله(ص) بالمدينة وأيده بنصره بعبادة المؤمنين من الأنصار الأبرار والمهاجرين الأطهار ، وألف الله بين القلوب ، وبذلوا نفوسهم دونه ، وقدموا محبته على محبة الآباء ، والأبناء ، والأزواج والأموال وهنا رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمروا لهم عن ساق العداوة ، والمحاربة ، وأحاطوا بهم من كل ناحية وهنا أذن الله المؤمنين في القتال ، ولم يفرضه عليهم دفاعا عن النفس ، وتأمينا للدعوة فقال تعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } "
والخطأ هنا قول الملقى "وهنا أذن الله المؤمنين في القتال ، ولم يفرضه عليهم دفاعا عن النفس ، وتأمينا للدعوة"
فالجهاد هو دفاع عن النفس أولا فى كل الأحوال ثم قال :
وفي السنة الثانية من الهجرة فرض الله القتال بقوله تعالى :
"{كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون }
وقال تعالى :
"يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليمتؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين }
والله إنها لتجارة رابحة ، ولم لا ؟! وقد علق الله عليها مغفرة الذنوب ، والنصر في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة
وبعد هذه التجارة الرابحة يأتي هذا العقد الجليل والوعد الكريم الذي أودعه الله جل وعلا أفضل كتبه المنزلة وهي التوراة والإنجيل ، والقرآن ويا له والله من عقد ما أعظم خطره ، وأجل قدره فالله جل وعلا هو المشتري والثمن جنات النعيم أما السلعة فهي الجهاد في سبيل الله ، بالأنفس والأموال فلما رأى التجار عظمة المشتري ، وقدر الثمن وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه ، ومقدار الكتاب الذي أثبت فيه هذا العقد عرفوا أن للسلعة قدرا وشأنا ، ليس لغيرها من السلع فرأوا أن من الخسران الكبير أن يبيعوها بثمن بخس دراهم معدودة فعقدوا مع المشتري بيعة الرضا والرضوان فقال سبحانه : {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }
فلما تم العقد وسلم الفائزون المفلحون السلعة الغالية أي أنفسهم وأموالهم قيل لهم : قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا ، والآن قد رددناها عليكم أوفر وأكرم وأعظم ما كانت فقال سبحانه :
{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون }"
ثم تحدث الملقى ذاكرا الأحاديث فقال :
"ثم بين إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين شرف الجهاد وفضله فقال كما في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي (ص) ( قال : (( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة "
الخطأ وجود أكثر من درجتين فى الجنة وهو ما يخالف أنها درجتين فقط واحدة للمجاهدين والأخرى للقاعدين عن الجهاد وفى هذا قال تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "والخطأ الأخر هو اتساع الدرجة كما بين السماء والأرض وهذا يعنى أن الدرجات المائة أو الأكثر من السبعة أعظم فى الإتساع أضعافا مضاعفة وهذا يخالف أن الجنة مساحتها كمساحة الأرض والسماء مصداق لقوله تعالى "وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض "
ثم قال:
"وفي حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي (ص) ( قال لأبي سعيد : (( من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله(ص) ففعل ، ثم قال رسول الله(ص) : وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قال : وما هي يا رسول الله(ص) ، قال : الجهاد في سبيل الله ))"
وتكرر الخطأ السابق فى عدد درجات الجنة ثم قال :
"وفي الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي عبس عبد الرحمن بن صير أن النبي (ص) قال : (( من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار )) "
ومعنى الحديث صحيح
وعن محمد بن المنكدر قال : مر سلمان الفارسي على شرحبيل بن السمط وهو في مرابط له ، وقد شق المقام عليه ، وعلى أكثر الصحابة فقال لهم سلمان : ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله(ص)؟قالوا : بلى قال سمعته يقول : (( رباط يوم وليلة في سبيل الله أفضل أو قال : خير – من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه و وأمن الفتان ))
الخطأ فى الرواية جريان العمل بعد موت المجاهد وأخذه لثوابه فلا أحد يأخذ أجر على شىء لم يعمله أى لم يسع له مصداق لقوله تعالى :
"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"
فالسعى ينتهى بالموت ثم قال :
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي (ص) (ص) قال : (( والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يكلم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك)) "
الخطأ ه مجىء الشهيد يوم القيامة مجروحا ملونا مريحا ويخالف هذا أن الإنسان يأتى سليما حتى بنانه يكون كما هى وفى هذا قال تعالى :
"أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوى بنانه "
فهو يعود كما بدأ كما قال تعالى :
"كما بدأكم تعودون" ثم قال :
"وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي (ص) (ص) قال : (( إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى ملك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يارب ! أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ))
الخطأ الأول فى الحديث أن أرواح الشهداء فى طير خضر ويخالف هذا أن الشهداء أحياء حياة حقيقية وليسوا فى طير خضر مصداق لقوله تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "كما أن الأكل والشرب والنيك فى الجنة يحتاج لوجود أجسام
والخطأ الأخر هو إرادة الشهداء العودة للدنيا للقتال ويخالف هذا فرحة الشهداء فى الجنة والفرح لا يريد ترك مكان الفرح أبدا لوجود كل وسائل الراحة والمتعة فيه وفى هذا قال تعالى "بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله "زد على هذا علمهم أن لا عودة للدنيا بعد الموت لتحريم الله لذلك ثم قال :
"ولذلك قال النبي (ص) لجابر بن عبد الله : (( ألا أخبرك ما قاله الله لأبيك )) قال بلى ، قال : (( ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحا )) فقال : يا عبدي تمن علي أعطك ، قال يارب تحييني فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ، قال : يارب فأبغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } "
الخطأ حدوث معجزات هى تكليم الله لعبد الله كفاحا وهو ما يخالف أن الله منع الآيات المعجزات فى عهد النبى (ص)وبعده فقال:
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ".
ثم قال :
"ومن أجل هذا كله ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي (ص) (ص) قال : (( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق )) "
يتنافى الحديث مع أن الجهاد ليس على الكل ومنهم قسم الله المسلمين لمجاهدين وقاعدين ثم قال:
وأكتفي بهذا القدر من الأحاديث وإلا فهي كثيرة
وأختم بهذه الأبيات المعبرة التي تبين شرف الجهاد وفضله
والتي أرسل بها الإمام المجاهد العلم عبد الله بن المبارك لأخيه القانت الزاهد الورع عابد الحرمين الفضيل بن عياض يذكره فيها بشرف الجهاد في سبيل الله فيقول :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في أنف امريء ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب"
وحدثنا الرجل عن الثبات فى الجهاد فقال :
"رابعا : وجوب الثبات في الجهاد
ولما كان هذا هو شرف الجهاد وفضله أمر الله جل وعلا بالثبات أثناء الزحف للقاء الكفار والمشركين لأن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخا ثابتا لا تهزمه في الأرض قوة ما دام موصولا بالله القوي العزيز : {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويجب أن يكون هذا القلب كذلك على يقين أن الآجال بيد الله وأن واهب الحياة هو الله ، وأنه إلى الله إن عاش حيا إلى الله إن كتبت له الشهادة ، ومن ثم جاء هذا الأمر الرباني الكريم بالثبات والصبر والذكر ، والذل لله والطاعة وعدم الكبر ، وعدم التنازع فقال سبحانه :{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط}
فهذه هي العوامل الحقيقية للنصر :
- الثبات عند لقاء العدو
- كثرة الذكر لله عز وجل
- الطاعة لله والرسول (ص)
- البعد عن النزاع والخلاف
- الصبر على تكاليف المعركة
- الحذر من البطر والرئاء والبغي
واستحباب الصحب الكرام الذين رباهم سيد الأنام (ص) لهذا الأمر الرباني الكريم وضربوا أروع الأمثلة في الثبات في ساحة الوغي وميدان البطولة والشرف حينما تصمت الألسنة الطويلة ، وتخطب السيوف والرماح على منابر الرقاب ، وأكتفي بهذا المشهد الكريم لأنس بن النضر الذي صرخ في الناس يوم أحد لما أشيع الخبر بأن رسول الله(ص) قد مات ، وبدأ الجيش ينسحب راجعا إلى المدينة معتقدا أن أمر هذا الدين قد انتهى قام أنس ليقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال : أين يا أبا عمرو فقال أنس : واها لريح الجنة يا سعد ، إني أجده دون أحد ، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورميته بسهم !! والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أنس "
الثبات فى الجهاد لا يعنى سوى الحرب أو العودة إلى الحرب ففى بعض المعارك يكون البقاء فى الميدان ضرب من الحماقة حيث يفنى بقية المجاهدين إن ظلوا فى الميدان ومن ثم ينتهى جيش المسلمين ومن ثم يجب أن ينسحبوا من الميدان ليعودوا مرة أخرى فى معركة أخرى فهذا ليس هروبا وإنما حفاظ على بعض القوة المتبقية للعودة للانتصار مرة أخرى
ثم حدثنا عن كون التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر فقال:
"خامسا : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر
وبعد هذا الأمر بالثبات يأتي الأمر بعدم الفرار إلا في حالتين اثنتين وإلا فإن الفرار من أرض المعركة كبيرة من كبائر الذنوب تستحق غضب الله ونار جهنم والعياذ بالله
فقال سبحانه وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}
والتحرف : هو ترك الموقف أو المكان إلى موقف أو مكان أصلح أو أفضل للانطلاق منه على العدو مرة أخرى وهذا من خدع الحرب ومكائدها
والتحيز : هو الانضمام إلى فئة أخري لمعاونتهم أو لطلب العون منهم
وهكذا دلت الآية على أن من فر من موقع إلى موقع آخر لمعاودة القتال أو مريدا إلى فئة أخرى من المسلمين فإنه لا يكون داخلا في هذا الوعيد الشديد اللاحق بالفارين من الزحف
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الفرار من الزحف ليس كبيرة من الكبائر واحتجوا لذلك بأن الآية نزلت في أهل بدر خاصة
وزعم بعضهم أن الآية منسوخة بقوله تعالى :
{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين} فأجاز هؤلاء الفرار إذا زاد عدد الأعداء عن الضعف
ولكن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى أن محكمة عامة كما يقول الإمام ابن جرير الطبري وأولى التأولين عندي قول من قال : حكم الآية محكم ، وأنها نزلت في أهل بدر وحكمها ثابت في جميع المؤمنين وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الأدبار منهزمين إلا لتحرف لقتال ، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام
وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف للقتال منهزما بغير نية إحدى هاتين الخصلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل عليه بعفوه
وذكر الحافظ ابن كثير بأن الآية نزلت في أهل بدر ، ولكن هذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر ، وإن كان سبب نزولها فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير "
والتحيز وهو نفسه التحرف هو ما قلته سابقا من ترك ميدان القتال إما تنفيذا لخطة حربية تعتمد على هذا الخداع وإما تعتمد على العودة لميدان أخر للقتال لأن البقاء فى الميدان الحالى معناه انتهاء ما تبقى من قوة المجاهدين الذين قت كثير منهم
ثم تحدث عن كن الجهاد سبب العز فقال :
وأخيرا : لا عز إلا بالجهاد
والله ما ضعفت الأمة وذلت وهانت إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي أمرها به لتعيش حميدة أو لتلقى الله شهيدة سعيدة والله ما ضاعت الأمة إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي جعله النبي (ص) (ص) ذروة سنام هذا الدين
وقد حرص أعداؤنا على أن يحولوا بين الأمة وبين الجهاد وحاولوا بشتى الطرق على ألا نربي الأجيال المسلمة على روح الجهاد ، ولا على سير الأبطال المجاهدين لتظل الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة وبالفعل لقد تضاءل كثيرا مفهوم الجهاد في حس المسلمين يوما بعد يوم حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الفتور البارد الشديد "
وبعد ذلك حدثنا عما يحدث فى عصرنا من انسحاب جيوش المنطقة من الحروب ضد الأعداء وانصياعها لأوامر المنظمات العالمية التى لم تحل مشكلة واحدة خاصة بالمنطقة وتركت المشاكل كلها معلقة كفلسطين وكشمير والغريب هو أن الحكام يحرمون الجهاد إلا بأوامر منهم وهم لا يصدرونها أبدا ومن حاول الجهاد فهو إرهابى يتم قتله فقال :
"بل لا أكون مغاليا إن قلت حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الإنكار الشديد والحمد لله فقد أثبتت الأيام عمليا أن مجلس الأمن وهيئة الأمم وجميع المحافل لن تعيد للأمة المكلومة حقوقها ، ولن تعيد لمن يذبحون تذبيح الخراف دماءهم ، ولن ترد لهذه الأمة هويتها وكرامتها وسيادتها بل لا سبيل لذلك على الإطلاق إلا باحياء روح الجهاد في الأمة بتخليص النفوس ابتداء من الركون إلى هذا الوحل ، والخلود إلى هذا التراب والطين
وقد شخص النبي (ص) الداء تشخيصا دقيقا وحدد الدواء كذلك تحديدا دقيقا ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره من حديث ثوبان أنه ( قال : (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها )) فقال قائل : من قلة نحن يومئذ ؟ قال : (( بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن )) قيل : وما الوهن يا رسول الله(ص) ؟ قال : (( حب الدنيا وكراهية الموت )) وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ، وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) "
قطعا ترك الجهاد سبب رئيسى من أسباب ما يعيش الناس فى بلادنا من مهانة وذل على يد الأعداء وأذنابهم من الحكام
يبدو أن الكتاب كان لقاء فى مسجد أو قاعة أو قناة تلفزيونية وتم تحويله إلى كتاب وفى المقدمة أشار الملقى إلى أنه تناول خمس من السبع الموبقات وأن هذه الحلقة السابعة وفى هذا قال :
"أحبتي في الله
هذا هو لقاءنا السابع مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي (ص) ( في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) ( قال:
(( اجتنبوا السبع الموبقات )) قالوا : يا رسول الله(ص) وما هن ؟
قال (( الشرك بالله ، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ))"
والحديث لا يصح فالموبقات وهى الجرائم أو الكبائر كثيرة لا تقتصر على المذكور فى الحديث فمثلا الفتنة وهى عندى طرد الإنسان من بيته أكبر من القتل كما تعالى:
"والفتنة أكبر من القتل"
غير مذكورة فى الرواية زد على هذا أن الشرك هو الشامل لكل الذنوب وليس واحد منها
واستهل الحلقة بالتعريف اللغوى للتولى يوم الزحف فقال:
" الكبيرة السادسة ألا وهي التولي يوم الزحف والتولي كما قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ولى
أولا : المعنى اللغوي لقوله ( والتولي يوم الزحف
قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ولى ولى الشيء ، وتولى أي أدبر ، ودنى عنه أي أعرض عنه ، وقد تكون التولية إقبالا كما في قوله تعالى : {فول وجهك شطر المسجد الحرام} أي أقبل بوجهك نحوه وقد تكون التولية إعراضا وانصرافا ، وإدبارا كما في قوله تعالى :
{ثم وليتم مدبرين }
فالتولي يوم الزحف هو الإعراض والإدبار والفرار أمام العدو في ساحة الجهاد
جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة ولى وزحف إن التولي : هو الإدبار والإعراض والانصراف
والزحف هو الشيء رويدا أي ببطء فالجيش الزاحف هو الذي يرى كثرته كأنه يزحف ويمشي ببطء لأنه يتحرك ككتلة واحدة وكجسم واحد
وعليه فالتولي يوم الزحف : هو الإعراض والانصراف والإدبار والفرار أمام العدو من أرض المعركة "
تعريف المؤلف للتولى عن الزحف الإعراض والانصراف والإدبار والفرار أمام العدو من أرض المعركة ليس تعريفا سليما فبعض الخطط الحربية تطلب من بعض الوحدات الانسحاب وهو الفرار من العدو للالتفاف حول العدو ومن ثم فليس كل فرار تولى وإنما التولى :
هو ترك الفرد مهمته الموكولة له فى المعركة بقصد الحفاظ على حياته
وأما مثلا من ترك المكان القتالى بهدف العودة له سواء بع قليل أو فى معركة أخرى لأنه أيقن أن الهزيمة ستحل بالكل وسيهلكون كلهم فليس فرارا فالفرار هو ترك المعركة بغرض عدم الجهاد والحفاظ على الحياة
ثانيا : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه
وتحدث عن أذى المسلمين والهجرة فقال :
"لقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ، وأمره أن يدعو الناس جميعا لهذا الدين وخاطبه بقوله جل وعلا :{ يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، وربك فكبر ، وثيابك فطهر}
فقام النبي (ص) ( في ذات الله أتم قيام وشمر عن ساعده ودعا إلى الله ليلا ونهارا وسرا وجهرا إلى أن نزل عليه قول الله عز وجل :
{فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } فصدع بأمر الله فدعا إلى الله الصغير والكبير ، والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود فأبرقت قريش وأرعدت وأرغت وأزيدت ودقت طبول الحرب وأوعدت فلما اشتد الإيذاء والبلاء أمر النبي (ص) أصحابه أن يهاجروا إلى أرض الحبشة مرتين وتضاعف الإيذاء والابتلاء ومع هذا لم يأذن الله لرسوله بأن يقابل السيئة بالسيئة ، أو أن يواجه الأذى بالأذى ، أو أن يحارب هؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويفتنوا المؤمنين والمؤمنات بل أمره بالعفو والصفح كما قال تعالى : {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم }
{فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون }
{فاصفح الصفح الجميل }
{قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون }
{ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون }
وتتابع الأذى والاضطهاد حتى بلغ ذروته بتدبير مؤامرة حقيرة لاغتيال رسول الله(ص) فاضطر النبي (ص) إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ، وأمر أصحابه بالهجرة إليها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة المباركة "
ثم تحدث عن فرض الجهاد على المسلمين بعد إقامة دولتهم الناشئة فى المدينة فقال :
"فلما استقر رسول الله(ص) بالمدينة وأيده بنصره بعبادة المؤمنين من الأنصار الأبرار والمهاجرين الأطهار ، وألف الله بين القلوب ، وبذلوا نفوسهم دونه ، وقدموا محبته على محبة الآباء ، والأبناء ، والأزواج والأموال وهنا رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمروا لهم عن ساق العداوة ، والمحاربة ، وأحاطوا بهم من كل ناحية وهنا أذن الله المؤمنين في القتال ، ولم يفرضه عليهم دفاعا عن النفس ، وتأمينا للدعوة فقال تعالى : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } "
والخطأ هنا قول الملقى "وهنا أذن الله المؤمنين في القتال ، ولم يفرضه عليهم دفاعا عن النفس ، وتأمينا للدعوة"
فالجهاد هو دفاع عن النفس أولا فى كل الأحوال ثم قال :
وفي السنة الثانية من الهجرة فرض الله القتال بقوله تعالى :
"{كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون }
وقال تعالى :
"يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليمتؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين }
والله إنها لتجارة رابحة ، ولم لا ؟! وقد علق الله عليها مغفرة الذنوب ، والنصر في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة
وبعد هذه التجارة الرابحة يأتي هذا العقد الجليل والوعد الكريم الذي أودعه الله جل وعلا أفضل كتبه المنزلة وهي التوراة والإنجيل ، والقرآن ويا له والله من عقد ما أعظم خطره ، وأجل قدره فالله جل وعلا هو المشتري والثمن جنات النعيم أما السلعة فهي الجهاد في سبيل الله ، بالأنفس والأموال فلما رأى التجار عظمة المشتري ، وقدر الثمن وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه ، ومقدار الكتاب الذي أثبت فيه هذا العقد عرفوا أن للسلعة قدرا وشأنا ، ليس لغيرها من السلع فرأوا أن من الخسران الكبير أن يبيعوها بثمن بخس دراهم معدودة فعقدوا مع المشتري بيعة الرضا والرضوان فقال سبحانه : {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }
فلما تم العقد وسلم الفائزون المفلحون السلعة الغالية أي أنفسهم وأموالهم قيل لهم : قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا ، والآن قد رددناها عليكم أوفر وأكرم وأعظم ما كانت فقال سبحانه :
{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون }"
ثم تحدث الملقى ذاكرا الأحاديث فقال :
"ثم بين إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين شرف الجهاد وفضله فقال كما في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي (ص) ( قال : (( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة "
الخطأ وجود أكثر من درجتين فى الجنة وهو ما يخالف أنها درجتين فقط واحدة للمجاهدين والأخرى للقاعدين عن الجهاد وفى هذا قال تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "والخطأ الأخر هو اتساع الدرجة كما بين السماء والأرض وهذا يعنى أن الدرجات المائة أو الأكثر من السبعة أعظم فى الإتساع أضعافا مضاعفة وهذا يخالف أن الجنة مساحتها كمساحة الأرض والسماء مصداق لقوله تعالى "وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض "
ثم قال:
"وفي حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي (ص) ( قال لأبي سعيد : (( من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله(ص) ففعل ، ثم قال رسول الله(ص) : وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قال : وما هي يا رسول الله(ص) ، قال : الجهاد في سبيل الله ))"
وتكرر الخطأ السابق فى عدد درجات الجنة ثم قال :
"وفي الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي عبس عبد الرحمن بن صير أن النبي (ص) قال : (( من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار )) "
ومعنى الحديث صحيح
وعن محمد بن المنكدر قال : مر سلمان الفارسي على شرحبيل بن السمط وهو في مرابط له ، وقد شق المقام عليه ، وعلى أكثر الصحابة فقال لهم سلمان : ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله(ص)؟قالوا : بلى قال سمعته يقول : (( رباط يوم وليلة في سبيل الله أفضل أو قال : خير – من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه و وأمن الفتان ))
الخطأ فى الرواية جريان العمل بعد موت المجاهد وأخذه لثوابه فلا أحد يأخذ أجر على شىء لم يعمله أى لم يسع له مصداق لقوله تعالى :
"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"
فالسعى ينتهى بالموت ثم قال :
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي (ص) (ص) قال : (( والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يكلم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك)) "
الخطأ ه مجىء الشهيد يوم القيامة مجروحا ملونا مريحا ويخالف هذا أن الإنسان يأتى سليما حتى بنانه يكون كما هى وفى هذا قال تعالى :
"أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوى بنانه "
فهو يعود كما بدأ كما قال تعالى :
"كما بدأكم تعودون" ثم قال :
"وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي (ص) (ص) قال : (( إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى ملك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يارب ! أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ))
الخطأ الأول فى الحديث أن أرواح الشهداء فى طير خضر ويخالف هذا أن الشهداء أحياء حياة حقيقية وليسوا فى طير خضر مصداق لقوله تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "كما أن الأكل والشرب والنيك فى الجنة يحتاج لوجود أجسام
والخطأ الأخر هو إرادة الشهداء العودة للدنيا للقتال ويخالف هذا فرحة الشهداء فى الجنة والفرح لا يريد ترك مكان الفرح أبدا لوجود كل وسائل الراحة والمتعة فيه وفى هذا قال تعالى "بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله "زد على هذا علمهم أن لا عودة للدنيا بعد الموت لتحريم الله لذلك ثم قال :
"ولذلك قال النبي (ص) لجابر بن عبد الله : (( ألا أخبرك ما قاله الله لأبيك )) قال بلى ، قال : (( ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحا )) فقال : يا عبدي تمن علي أعطك ، قال يارب تحييني فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ، قال : يارب فأبغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } "
الخطأ حدوث معجزات هى تكليم الله لعبد الله كفاحا وهو ما يخالف أن الله منع الآيات المعجزات فى عهد النبى (ص)وبعده فقال:
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ".
ثم قال :
"ومن أجل هذا كله ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي (ص) (ص) قال : (( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق )) "
يتنافى الحديث مع أن الجهاد ليس على الكل ومنهم قسم الله المسلمين لمجاهدين وقاعدين ثم قال:
وأكتفي بهذا القدر من الأحاديث وإلا فهي كثيرة
وأختم بهذه الأبيات المعبرة التي تبين شرف الجهاد وفضله
والتي أرسل بها الإمام المجاهد العلم عبد الله بن المبارك لأخيه القانت الزاهد الورع عابد الحرمين الفضيل بن عياض يذكره فيها بشرف الجهاد في سبيل الله فيقول :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في أنف امريء ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب"
وحدثنا الرجل عن الثبات فى الجهاد فقال :
"رابعا : وجوب الثبات في الجهاد
ولما كان هذا هو شرف الجهاد وفضله أمر الله جل وعلا بالثبات أثناء الزحف للقاء الكفار والمشركين لأن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخا ثابتا لا تهزمه في الأرض قوة ما دام موصولا بالله القوي العزيز : {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويجب أن يكون هذا القلب كذلك على يقين أن الآجال بيد الله وأن واهب الحياة هو الله ، وأنه إلى الله إن عاش حيا إلى الله إن كتبت له الشهادة ، ومن ثم جاء هذا الأمر الرباني الكريم بالثبات والصبر والذكر ، والذل لله والطاعة وعدم الكبر ، وعدم التنازع فقال سبحانه :{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط}
فهذه هي العوامل الحقيقية للنصر :
- الثبات عند لقاء العدو
- كثرة الذكر لله عز وجل
- الطاعة لله والرسول (ص)
- البعد عن النزاع والخلاف
- الصبر على تكاليف المعركة
- الحذر من البطر والرئاء والبغي
واستحباب الصحب الكرام الذين رباهم سيد الأنام (ص) لهذا الأمر الرباني الكريم وضربوا أروع الأمثلة في الثبات في ساحة الوغي وميدان البطولة والشرف حينما تصمت الألسنة الطويلة ، وتخطب السيوف والرماح على منابر الرقاب ، وأكتفي بهذا المشهد الكريم لأنس بن النضر الذي صرخ في الناس يوم أحد لما أشيع الخبر بأن رسول الله(ص) قد مات ، وبدأ الجيش ينسحب راجعا إلى المدينة معتقدا أن أمر هذا الدين قد انتهى قام أنس ليقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال : أين يا أبا عمرو فقال أنس : واها لريح الجنة يا سعد ، إني أجده دون أحد ، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورميته بسهم !! والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أنس "
الثبات فى الجهاد لا يعنى سوى الحرب أو العودة إلى الحرب ففى بعض المعارك يكون البقاء فى الميدان ضرب من الحماقة حيث يفنى بقية المجاهدين إن ظلوا فى الميدان ومن ثم ينتهى جيش المسلمين ومن ثم يجب أن ينسحبوا من الميدان ليعودوا مرة أخرى فى معركة أخرى فهذا ليس هروبا وإنما حفاظ على بعض القوة المتبقية للعودة للانتصار مرة أخرى
ثم حدثنا عن كون التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر فقال:
"خامسا : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر
وبعد هذا الأمر بالثبات يأتي الأمر بعدم الفرار إلا في حالتين اثنتين وإلا فإن الفرار من أرض المعركة كبيرة من كبائر الذنوب تستحق غضب الله ونار جهنم والعياذ بالله
فقال سبحانه وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}
والتحرف : هو ترك الموقف أو المكان إلى موقف أو مكان أصلح أو أفضل للانطلاق منه على العدو مرة أخرى وهذا من خدع الحرب ومكائدها
والتحيز : هو الانضمام إلى فئة أخري لمعاونتهم أو لطلب العون منهم
وهكذا دلت الآية على أن من فر من موقع إلى موقع آخر لمعاودة القتال أو مريدا إلى فئة أخرى من المسلمين فإنه لا يكون داخلا في هذا الوعيد الشديد اللاحق بالفارين من الزحف
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الفرار من الزحف ليس كبيرة من الكبائر واحتجوا لذلك بأن الآية نزلت في أهل بدر خاصة
وزعم بعضهم أن الآية منسوخة بقوله تعالى :
{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين} فأجاز هؤلاء الفرار إذا زاد عدد الأعداء عن الضعف
ولكن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى أن محكمة عامة كما يقول الإمام ابن جرير الطبري وأولى التأولين عندي قول من قال : حكم الآية محكم ، وأنها نزلت في أهل بدر وحكمها ثابت في جميع المؤمنين وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الأدبار منهزمين إلا لتحرف لقتال ، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام
وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف للقتال منهزما بغير نية إحدى هاتين الخصلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل عليه بعفوه
وذكر الحافظ ابن كثير بأن الآية نزلت في أهل بدر ، ولكن هذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر ، وإن كان سبب نزولها فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير "
والتحيز وهو نفسه التحرف هو ما قلته سابقا من ترك ميدان القتال إما تنفيذا لخطة حربية تعتمد على هذا الخداع وإما تعتمد على العودة لميدان أخر للقتال لأن البقاء فى الميدان الحالى معناه انتهاء ما تبقى من قوة المجاهدين الذين قت كثير منهم
ثم تحدث عن كن الجهاد سبب العز فقال :
وأخيرا : لا عز إلا بالجهاد
والله ما ضعفت الأمة وذلت وهانت إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي أمرها به لتعيش حميدة أو لتلقى الله شهيدة سعيدة والله ما ضاعت الأمة إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي جعله النبي (ص) (ص) ذروة سنام هذا الدين
وقد حرص أعداؤنا على أن يحولوا بين الأمة وبين الجهاد وحاولوا بشتى الطرق على ألا نربي الأجيال المسلمة على روح الجهاد ، ولا على سير الأبطال المجاهدين لتظل الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة وبالفعل لقد تضاءل كثيرا مفهوم الجهاد في حس المسلمين يوما بعد يوم حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الفتور البارد الشديد "
وبعد ذلك حدثنا عما يحدث فى عصرنا من انسحاب جيوش المنطقة من الحروب ضد الأعداء وانصياعها لأوامر المنظمات العالمية التى لم تحل مشكلة واحدة خاصة بالمنطقة وتركت المشاكل كلها معلقة كفلسطين وكشمير والغريب هو أن الحكام يحرمون الجهاد إلا بأوامر منهم وهم لا يصدرونها أبدا ومن حاول الجهاد فهو إرهابى يتم قتله فقال :
"بل لا أكون مغاليا إن قلت حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الإنكار الشديد والحمد لله فقد أثبتت الأيام عمليا أن مجلس الأمن وهيئة الأمم وجميع المحافل لن تعيد للأمة المكلومة حقوقها ، ولن تعيد لمن يذبحون تذبيح الخراف دماءهم ، ولن ترد لهذه الأمة هويتها وكرامتها وسيادتها بل لا سبيل لذلك على الإطلاق إلا باحياء روح الجهاد في الأمة بتخليص النفوس ابتداء من الركون إلى هذا الوحل ، والخلود إلى هذا التراب والطين
وقد شخص النبي (ص) الداء تشخيصا دقيقا وحدد الدواء كذلك تحديدا دقيقا ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره من حديث ثوبان أنه ( قال : (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها )) فقال قائل : من قلة نحن يومئذ ؟ قال : (( بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن )) قيل : وما الوهن يا رسول الله(ص) ؟ قال : (( حب الدنيا وكراهية الموت )) وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ، وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )) "
قطعا ترك الجهاد سبب رئيسى من أسباب ما يعيش الناس فى بلادنا من مهانة وذل على يد الأعداء وأذنابهم من الحكام
مواضيع مماثلة
» نقد كتاب كتاب الديوان في العهد النبوي
» نقد كتاب فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» نقد كتاب أربعون حديثا من الجزء الرابع من كتاب الطب
» نقد كتاب الخيرة
» نقد كتاب فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب
» قراءة فى كتاب الزيادات في كتاب الفتن والملاحم الطارقات
» نقد كتاب أربعون حديثا من الجزء الرابع من كتاب الطب
» نقد كتاب الخيرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى